لماذا تخاف " اسرائيل " من اسبوع الفصل العنصري الاسرائيلي؟

حجم الخط
للمرة الثانية، وفي أقل من أسبوع واحد تقريباً، يصدر وزير الهجرة الكندي، المعروف بولائه لدولة الاحتلال وبعنصريته ضد المهاجرين الفقراء في كندا، يصدر بياناً جديداً يدين فيه " أسبوع الابارتهايد الاسرائيلي " في كندا والعالم ، ويعتبره محاولة لنزع الشرعية عن دولة اسرائيل ومعاداة للسامية، إذ يواصل الوزير الكندي حملته المناصرة لإسرائيل بعد ان فشلوا في تحريمها بالقانون، تحت ضغط الصهاينة، وتبرعا واستباقاً أيضاً، سيما وأن الرجل يسعى للوصول الى مكتب رئيس الوزراء يوماً ما وسوف يحتاج الصوت اليهودي والمال والإعلام وغيره من ادوات الدعم والإسناد التي لا بد منها والتي يملكها الصهاينة من أصدقائه. لكن الأصل، في الحملة الصهيونية، أنها تأتي من " تل ابيب " حيث تواصل وزارة الخارجية الاسرائيلية وسفاراتها في العالم، بالتعاون مع وزارة جديدة " العلاقات العامة " التي استحدثها العدو الاسرائيلي ، والمنظمات الصهيونية داخل الجامعات والمعاهد الأكاديمية وخارجها، كل هؤلاء يجندوا اليوم ضد " أسبوع الابارتهايد الاسرائيلي " فهذه الحملة الإسرائيلية لها دلالات وعناصر متعددة يستوجب رصدها و وضعها في سياق عام ، دون التهويل منها ، او التقليل من وزنها وحركتها ، وما يمكن ان تنتجه مستقبلا من تأثيرات مباشرة على مشهد الصراع .. للمرة الثامنة ، تقوم العشرات من اللجان والمجموعات النقابية والطلابية ولجان التضامن مع الشعب الفلسطيني وبعض الدوائر الاكاديمية بتنظيم " اسبوع الابارتهايد الاسرائيلي " ، في تظاهرة سياسية وإعلامية مميزة شملت هذا العام تقريبا 85 دولة ، اي المئات من الجامعات والمعاهد والمدارس ، والبعض يذهب الى ان هذه تقديرات محافظة ، وان العديد من الفعاليات لا ينشر ، ولا نعرف عنه الكثير. فهذا الاسبوع السنوي هو المضاد ، من حيث المعنى ، لمؤتمر هرتيسيليا السنوي ، والأسبوعي أيضاً، وتلازماً تقريباً من حيث العمر الزمني. هذا الجهد التضامني بدأ عشية مؤتمر ديربن الأول في جنوب افريقيا ، وفي الجامعات الكندية تحديدا ( تورنتو ) ولاحقاً الأمريكية، وامتد لاحقاً الى العشرات من الجامعات والمعاهد والمواقع الاكاديمية في العالم. وجاء تنظيم " أسبوع الابارتهاييد الاسرائيلي " هذا العام مصاحبا بشعار آخر يقلق الدولة الاسرائيلية ، وهو تزايد الدعوة الى مقاطعة " اسرائيل " وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها وهو ما يعرف اختصاراً باللغة الانجليزية ( بي دي اس) Boycott, Divestment, and Sanctions ( BDS) من الطبيعي اذن أن تستعر حمى اللوبي الصهيوني وأنصاره في الغرب، لكن هذه المرة من موقع المرتبك والضعيف وليس من موقع الواثق والقوي. انه منطق من يريد تبرير وحشيته ويخفي جرائمه تحت حجج واهية وفارغة سقطت كلها ولم تعد مقبولة لدى قطاعات اجتماعية واسعة في المجتمعات الأوروبية والأمريكية وغيرها. فالعوامل التي تحرك سياسة انصار " اسرائيل " في أوروبا وأمريكا الشمالية اصبحت تتجاوز الاحتجاج المتمسكن والمدعى الذي تعودنا عليه سابقاً. وما ارتكبته آلة الحرب الصهيونية من جرائم وآخرها الحرب العدوانية الصهيونية على قطاع غزة تركت شعوراً متزايداً بالرفض والازدراء لهذه " الدولة " وخلفت شعوراً بالتقزز عبرت عنه شرائح وقطاعات طلابية ونقابية وأكاديمية راحت تسأل عن ( طبيعة هذه الدولة الاستيطانية ) وتكتشفها بكونها ضرورة استعمارية غربية تحققت بالقوة والإرهاب والحروب في منتصف القرن الماضي من خلال عملية التهجير والاستيطان والإبادة وبدعم لا محدود من قوى الهيمنة الغربية. أكثر من ذلك : بدأت تثار اسئلة كثيرة وكبيرة ومهمة في الدوائر الاكاديمية المرموقة مثل " هارفرد " و " ييل " و " بيركلي " و اكسفورد وغيرها حول ما هو تاريخي وشرعي في وجود هذه الدولة العنصرية ، وتبيان تاريخ المشروع الصهيوني المرتبط دائماً بدور وظيفي ، وشريك حيوي ومتقدم وجاهز لخدمة الامبريالية الأمريكية على وجه الخصوص وتنفيذ وتسهيل مخططاتها في المنطقة والإقليم. هذا الأمر البديهي، بالنسبة للجماهير العربية والفلسطينية ربما كان بعيد التصديق لدى شرائح شعبية واسعة في الغرب بدأت تدرك تدريجياً موقع ومكانة " اسرائيل " في الاستراتيجية الامريكية ، لماذا تكون هذه الدولة ـ البقرة ـ المقدسة الوحيدة خارج حدود النقد والمحاسبة والخضوع للقانون الدولي ؟ ومع ازدياد الوحشية الإسرائيلية لم يعد بالإمكان ممارسة تلك التهمة الجاهزة واجترارها اليومي ونقصد تهمة " معاداة السامية " ضد كل من يجرؤ على نقد السياسة الاسرائيلية. يعمل اللوبي الصهيوني على تعزيز دوره في مواقع عدة ويعتبرها بمثابة ( الثالوث المحرم ) على الشعب الفلسطيني والقوى التي تناصر حقوقه الوطنية المشروعة ، وهي : الجامعات والنقابات والكنائس. فهذه المواقع الثلاثة كانت قلاع رئيسية وآمنة للحركة الصهيونية ، ولا تزال في غالبيتها الساحقة، لكن اتساع المشاركة القاعدية الشعبية لدى شرائح اكاديمية ونقابية ودينية وطلابية في الحملة لمقاطعة " اسرائيل " وسحب الاستثمارات والمطالبة بفرض العقوبات عليها ، والمشاركة في اسبوع النضال ضد " الابارتهاييد الإسرائيلي قد اصاب المؤسسة السياسية الاسرائيلية بالهلع الحقيقي، الامر الذي جعلها تفرد له عشرات الندوات خاصة ضمن مؤتمر هرتيسليا الشهير السنوي . دخول نقابات وهيئات وشخصيات مرموقة على خط المقاطعة الاكاديمية والثقافية لمؤسسات صهيونية عنى من منظور صهيوني على الاقل ، اختراق فلسطيني وعربي لتجمعات ومواقع حساسة بالنسبة للحركة الصهيونية ، وان هذا الاختراق قد تحقق فعلا وهناك بداية تفسخ للفهم السائد والمهيمن في النظرة إلى " اسرائيل " باعتبارها ضحية دائمة للإرهاب الفلسطيني والعربي والإسلامي! يتهاوى المنطق الصهيوني التقليدي اكثر كلما وجد نفسه وجها الى وجه مع عناصر وقوى يهودية تقدمية تناهض الصهيونية وتعتبر " اسرائيل " مقبرة لليهود والعرب معا ، وهي قوى تقود جهودا كثيرة في اطار حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني وتشارك بفاعلية في اسبوع الابارتهاييد الاسرائيلي . ويتورط من يدافع عن " اسرائيل " اكثر كلما وجد نفسه امام تظاهرات ومؤتمرات تقودها قوى سياسية وشعبية في جنوب افريقيا . فلا يستطيع اللوبي الصهيوني ان يتحدى المناضل الاب " ديزموند توتو " مثلا حين يعبر هذا الاخير عن مشاعره ازاء ما يجري في فلسطين المحتلة بالقول الصريح " انه اسوأ من اي واقع رايته في حياتي " بحسب ديزموند توتو."! قد لا تكترث " اسرائيل " لمواقف القوى الشعبية في جنوب افريقيا ودول الجنوب الفقير في العالم، لكن اسرائيل هي الدولة الوحيدة التي دعمت نظام الفصل العنصري في السر والعلن ، وحرضت الكثير من الدول لكسر الحصار الدولي الذي فرض على نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا ، لكن ما يثير حفيظة الحركة الصهيونية ، هو الدور المميز الذي قامت به الجامعات والنقابات والكنائس الامريكية والأوروبية في حملة المقاطعة الشعبية والشاملة لنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا ، وهو سيناريو لا تريد "اسرائيل " ان يتكرر او ان يرى النور مرة أخرى، فهذه الساحات تعتبر ولا تزال هي العمق الاستراتيجي الوحيد للكيان العنصري.. تسمح هذه الفعاليات السنوية لمؤتمرات مناهضة العنصرية الاسرائيلية ، بشكل متناغم وموحد، الى مشاركة الفلسطينيين في الوطن والشتات ، ومشاركة الجاليات العربية ، الامر الذي يعيد الى درجة كبيرة وحدة العمل الفلسطيني ولو بالجدود الدنيا. ترسل الحكومة الاسرائيلية هذا العام 2012 عشرات الوفود الاسرائيلية وهو الامر الذي يزيد الطين بلة بالنسبة لها، فهذا التحرك الصهيوني يضع حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني في موقع المبادر والفاعل ، والجهة التي تضع عناوين الاجندة السياسية في الجامعات والنقابات بالنسبة للصراع الدائر في " الشرق الأوسط ، وعلى مستوى القاعدة الشعبية في هذه المساحة كما تدخل مفاهيم " جديدة " في توصيف دولة الاحتلال الاسرائيلي بوصفها دولة استيطانية عنصرية قامت على انقاض شعب آخر. وان هذا الشعب موجود ، وله حقوق ، واضحة ومحددة، وهو لا يزال يقاوم من اجل انتزاعها.