لقاء أوباما- نتنياهو ومستقبل المنطقة

حجم الخط
اللقاء الأخير للرئيس الأمريكي، أوباما، برئيس وزراء إسرائيل، نتنياهو، حدث مهم بقدْرِ أهمية طريقة، ووجهة، الحسم النهائي لموضوعه الوحيد، (الملف النووي الإيراني)، وانعكاسات ذلك، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على منطقة الشرق الأوسط، بل، وعلى العالم بأسره، ما يفسِّر كثرة ما أثار اللقاء من جدل، تعددت اطرافه واختلفت تحليلاته، إنما مع شبه إجماع على أن توقيته السياسي (موسم الانتخابات الأميركية وانعقاد مؤتمر"ايباك")، يشي بمربط فرس الهدف الإسرائيلي من هذا اللقاء، المتمثل في استخدام القيادة الإسرائيلية ونظامها التوسعي العدواني، المنشآت النووية الإيرانية والتلويح بمهاجمتها وسيلةً لتحقيق أهداف سياسية إستراتيجية وأخرى تكتيكية مترابطة، وهي: *هدف إستراتيجي مباشر، ويتمثل في الضغطِ على حلفائها، وأولهم الولايات المتحدة، وابتزازهم لرفْعِ، أو تعجيل رفْعِ، سقف مواجهتهم مع إيران إلى مستواها العسكري. وهذا هدف، يخطئ كلُّ من يظن أن نتنياهو نفسه توقع استصدار قرار أمريكي فوري رسمي ومعلن بشأنه، ذلك أن كل ما أراده، وسعى إليه، إنما يتمثل، مؤقتاً، في جعل احتمال حسم الملف النووي عسكرياً، خياراً سياسيا أمريكياً رسمياً معلناً، بمعزل عن متى وكيف يتم تنفيذه. وهذا ما حصل عليه نتنياهو بالتمام والكمال، حيث أجبر الرئيس الأمريكي على إعلان أن سياسة الولايات المتحدة لا تقوم على احتواء طموحات إيران النووية، بل، تقوم على ردع، ومنع، تحققها، باستخدام كل الإمكانيات، بما فيها تفعيل القوة العسكرية الأمريكية. *هدف إستراتيجي غير مباشر، ويتمثل في إبقاء إيران وملفها النووي الشغل الشاغل للعالم، بغرض تهميش الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وقضايا الصراع العربي الصهيوني عموما، وصرف الأنظار عما ترتكبه إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وأرضه من عمليات اعتداء وتهويد واستيطان ممنهجة متصاعدة ومتمادية. وهذا هدف دائم مفتوح، ما دامت إسرائيل النظام، بدعم وغطاء أمريكيين ثابتين، ترفض أي شكل من أشكال التسوية السياسية، اللهم إلا إذا جاءت على مقاس الرؤية الإسرائيلية واشتراطاتها التعجيزية. هنا، حقق نتنياهو ما أراد، بل، وأكثر مما أراد، ليس فقط من خلال عدم وضع الملف الفلسطيني على جدول أعمال لقائه مع أوباما، بل، أيضا من خلال عدم التطرق إليه بتاتاً، وكأنه غير موجود أصلاً. *هدف تكتيكي غير مباشر، ويتمثل في الحصول على قدرٍ إضافي من الدعم السياسي والمالي والعسكري لإسرائيل، يضمن لها أعلى تفوق ممكن، يمكنها من تنفيذ مخططاتها التوسعية العدوانية في فلسطين بخاصة، وفي المنطقة العربية وغلافها الإقليمي بعامة. هنا، أيضاً حقق نتنياهو ما أراد، بل، وأكثر مما أراد، حيث صار هدف الحفاظ على تفوق إسرائيل الشامل على ما عداها من دول المنطقة وقواها، ليس مجرد سياسة أمريكية إستراتيجية ثابتة فقط، بل، و"مقدسة" أيضاً، وفقاً لما أعلنه أوباما بالفم الملآن، وبصورة رسمية قاطعة مانعة، غير قابلة للشك أو التأويل، بل، وتمت البرهنة على ذلك، باتخاذ قرار فوري، برفع قيمة المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية لإسرائيل من 2.5 مليار دولار إلى 3.1. هذا ناهيك عن قرار تزويدها بكل ما تحتاج إليه من تكنولوجيا عسكرية متطورة. هذه هي الحصيلة السياسية للقاء أوباما- نتنياهو، وفقاً للتصريحات المعلنة، ودون الحاجة للبحث عما تقتضيه هذه الحصيلة من خطط وترتيبات أمنية وعسكرية عملية مشتركة، محظور الإفصاح عنها، ولا تتعلق بتحولات الملف الإيراني فقط، بل، بكل ما تشهده المنطقة العربية خصوصاً، والعالم عموماً، من تحولات سياسية اجتماعية واقتصادية كبيرة وعاصفة، تنذر بتراجع سيطرة الولايات المتحدة المنفردة الطاغية على العالم، وعلى منطقة الشرق الأوسط بخاصة، بكل ما ينطوي عليه ذلك من نُذرِ تراجع نفوذ، وقوة ردع، حليفتها، بل، أداتها، الإستراتيجية الثابتة، إسرائيل في المنطقة، علماً أنها نُذُرٌ لم تبدأ بالتكشف بمتغير الحراك الشعبي العربي بل، سبقت انفجاره، ولكنه رفعها إلى مستويات أعلى، اللهم إلا إذا نسينا أو تناسينا إقرار قيادة إسرائيل الرسمي والعلني بتراجع قوة الردع لديها، بعد انتصار المقاومة اللبنانية في عام 2006، وذلك باعتراف صريح وواضح في تقرير أصدرته لجنة التحقيق الإسرائيلية الرسمية، (لجنة فينوغراد). وعليه يثور السؤال: هل يبقى ثمة غرابة في لجوء قيادات إسرائيل بنظامها المحترف للحروب والرافض للتسويات السياسية، إلى حلفائها، طلباً للعون والمساندة؟ أبداً كلا، ذلك بحسبان أن قيادات الدول الاستعمارية وأنظمتها العدوانية، هي كالأفراد، عندما يرتفع إحساسها بالعجز والقلق وانعدام اليقين إزاء تهديدٍ ما، فعلياً كان أو مُضخَّماً، يعلو صوت تهديدها المُرْبَك والمُرْتبك، بغرض الضغط على الحلفاء وابتزازهم لتقديم يد العون والمساندة. قد يكون هذا تشخيصاً مناسباً لـراهن "السيكولوجية السياسية" لقيادات إسرائيل ونظامها التوسعي العدواني، إنما دون تحميل هذا التشخيص ما لا يحتمل من مبالغات، تصل حدَّ القول: إن إسرائيل قد باتت "نمراً من ورق"، ذلك أنها، وإن لم تعد ذاك الأسد المعافى، الذي ما إن يزأر حتى يهاجم ويفترس، إلا أنها لم تصبح بعد مجرد ثعلبٍ لا يملك، ولا يجيد، غير فنون المناورة والمراوغة. إن إسرائيل اليوم في منزلة بين هاتين المنزلتين، وإن عملية حذفها أكثر فأكثر صوب أي منهما، تتوقف أول، وأكثر، ما تتوقف، على قدرة كل من يريد مواجهة عدوانيتها، على استخدام، وتفعيل، كامل، وشامل، عوامل قوته، بجدٍ وجدية متناهيتين، وبكل ما يقتضيه الأمر من ذكاء سياسي، يعي الشعرة الدقيقة الفاصلة بين المغامرة والاستسلام، وما يترتب على السقوط في شركِ أي منهما من عواقب وخيمة. إنها محطة فاصلة من محطات صراع شعوب المنطقة ودولها مع السياسة الأمريكية الإسرائيلية وتحالفها، الذي جاءت نتائج لقاء أوباما نتنياهو لترفعه من منزلة الإستراتيجي الذي لا يتزحزح إلى منزلة "المقدس" الذي لا يُمس، مع كل ما ينطوي عليه الأمر من عربدات أمريكية إسرائيلية جديدة متوقعة ومرجحة، هي، وإن كانت إيران في عين عاصفتها المباشرة، إلا أنها تهدد أمن واستقرار ومستقبل المنطقة برمتها.