غزة في عصر العرب

حجم الخط
غزة تسهر ليلها على تصعيد عدواني عسكري “إسرائيلي” جديد. ليل غزة أصلاً غير ليل العرب، هناك حيث لا كهرباء، يعيش الغزيون على ضوء الشموع والتماع القذائف والصواريخ المتفجّرة. عشرات الشهداء والجرحى يسقطون في القذائف والصواريخ السادية العمياء. بين الشهداء الأمين العام للجان المقاومة الشعبية زهير القيسي، يعرف الصهاينة أن اغتيالها قائداً يرفع منسوب الغضب الفلسطيني ويدفع المقاومة إلى رد توظّفه في الإيحاء للعالم بأنها تتعرض ل “الإرهاب”، مع أن الإرهاب ماركة مسجّلة باسمهم كأصحاب تخصص يحتلون المرتبة الأولى في ممارسته. يسأل سائل من المثقفين المتصهينين: وما المناسبة؟ ولماذا الإحراج الآن في هذا الظرف العصيب؟ لا تتعبوا أنفسكم في البحث والتحليل وتفسير كل تصعيد جديد، ف”إسرائيل” لا تستطيع أن تكون إلا ما كانت عليه ولأجله. لا تصدّقوا مثقّفاً يسفسط تحليلاته كما البلاط في أرصفة شوارع “الكيبوتس”، فلا غرابة أن يلجأ هؤلاء إلى تحميل المزروعات المجروفة المسؤولية عن فيضان النهر، وتحميل زقزقة العصافير جريمة استفزاز النسور. يسخر فلسطيني بسيط ممن يسمعون صرير الدبابات وهدير الطائرات أكثر مما يسمعون نشرات الأخبار وتحليلات أي “مفكّر عربي” ينمّق الكلمات كما يرتب رزم الدولارات، ويسأل بصوت أصابته بحّة الصراخ منذ النكبة: متى احتاجت “إسرائيلكم” إلى مناسبات وذرائع لكي تعتدي على كل ما هو عربي حتى لو حصل على ألف جائزة في التطبيع؟.. يصر المثقف المتصهين على تحميل “الصواريخ العبثية” التي يبلغ عمرها بضع سنوات، المسؤولية عن عدوان صهيوني تعود بداياته إلى ما قبل مئة عام قبل أن يتحوّل إلى “شريك” لبعض الفلسطينيين وبعض العرب في “سلام” وهمي وعلاقات سرية وعلنية. لن يتابع أهل غزة ردود الفعل الجاهزة من العرب والمسلمين وعواصم الدّجل والنفاق، والمؤسسات الدولية التابعة ل”سي آي إيه”. لن يكترثوا بجامعة ولدت ميّتة واستمرت جثّة هامدة ستة عقود لتصحو فجأة على وقع الدم السوري، ولن يستمعوا لخطاب لا يتضمن كلمة واحدة عن دولة عربية جديدة بدأت تتقسّم، وعن دماء تريقها “إسرائيل” في غزة لحظة قراءته، ولا كلمة عن القدس التي تتعرّض للذبح التهويدي ليلاً ونهاراً. نكاد نسمع همسات تتساءل عن قدرة “جامعة العرب” على إقناع “إسرائيل” فقط بالسماح بنقل جثة الشهيد محمود حنني إلى مسقط رأسه في بلدة بيت فوريك في الضفة الغربية، ذلك الأسير الذي تحرّر في صفقة تبادل الأسرى الأخيرة وأصرت “إسرائيل” على إبعاده مع آخرين إلى غزة لكي ترسل له قذائف الموت هناك. لن يتابع أبناء غزة أخبار المصالحة بين المتصارعين على سلطة معلّقة في الفراغ. سئموا أخبار مصالحة أصبحت كفيلم أمريكي طويل أو مسلسل تركي مملّ. عشرات الاتفاقات ولا خطوة تنفيذ واحدة، والكل يتغزّل بالوحدة الوطنية. يخرج المتفقون من لقاء اتفاق المصالحة، وقبل أن يجف الحبر تبدأ المناكفات. يتبادل الجانبان الاتهامات بشأن معتقلين سياسيين في غزة والضفة ولا يشعران بعار النقاش في ملف كهذا فيما يقبع آلاف الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال ويخوض بعضهم معارك أمعاء خاوية من دون أن ينجحوا في استفزاز شهامة المتصارعين الانقساميين الذين يسيل لعابهم كلما أبدت “إسرائيل” أدنى استعداد للقائهم، ولا يمانع بعضهم في التهدئة المجانية معها. قدر غزة أن تنشغل بدفن شهدائها والوقوف عاجزة عن علاج جرحاها، حيث لا دواء ولا كهرباء في المستشفيات، وقدر العرب أن يروا مسؤوليهم يجبرون البوصلة على الاتجاه الخطأ. سننشغل لعقد مقبل في البحث عن “حل عادل للصراع العربي الروسي” عن كنعان الالكترونية