لأنه آذار ...

حجم الخط
لأنه آذار .. فهو يوسف بين أخوته حُسناً.. و سليمان بين الأنبياء مُلكاً .. و يسوع بين المبشّرين محبةً و تسامحاً .. و فرعون بين الطغاة جبروتاً و ظلماً ..و عمر بين الصحابة فاروقاً و عدلاً .. راهن على تميزه فكسب الرهان ليثبت أنه شهر الأضداد و التناقضات ، شهر الممكن و المستحيلات .. ليكون آذار العاشق للمرأة و الأرض و المُحرِر للانسان .. هو آذار المرأة .. آذار فاطمة ناجي العلي .. ليمونة فلسطينية ما ملّت انجاب الأطفال فجعلت نهاية الليمون محالاً .. علقت أبناءها نجوماً تنير درب المارين للسماء .. لكنها ما أعلنت الحداد و لا ارتدت السواد و لا ناحت ثكلها و لا ندبت سوء طالعها .. بل رافقتهم بزغاريدها في رحلتهم الأخيرة للسماء السابعة .. و لمّا تزل فاطمة " تحبل و تخلّف و فلسطين توخذ .." هو آذار المرأة .. آذار ليلى خالد و شادية أبو غزالة و دلال المغربي و أرواحٌ يستعصي على الذاكرة نسيان أسمائها .. نساءٌ بجمال عشتار و خصوبة أفروديت و شجاعة أثينا .. خطفن الطائرات و أقمن جمهورية الوطن في قلب تل أبيب لأربع ساعات أعادت لنا كرامتنا المهدورة من عقود .. نساءٌ تزوّجن الوطن و نكحن القضية و رتّبن أحلامهنّ و" نمن واقفات .." فكُنّ جبالاً لا تركع ، حملن الوطن أمانةً في أعناقهن فما هُنّ و لا وهنّ و لا سلمّن .. بل مضين إلى قدرهن مبتسمات ممسكات بيد الوطن ليصلن بطفلهن الأغلى لبر الأمان .. فكُنّ بحق المرأة الوطن .. المرأة القضية .. هو آذار المرأة .. آذار المرأة الفلسطينية .. آذار أمهاتنا و جدّاتنا اللواتي وُلِدن من رحم المعاناة فرضعن الصبر و تجرّعن الشقاء في أرياف العذاب و مخيمات الشقاء .. هو آذار أيديهن التي خبزت و رغم الجوع أطعمت فأشبعت .. زرعت و رغم القحط أينعت فأثمرت .. حاربت لأجل الحياة و رغم الهزيمة و مع كل فجرٍ جديدٍ انتصرت .. ليأخذ الوطن شكل تجاعيد وجوههن و خشونة أيديهن و ترتسم أبعاده بطهر أكعابهن .. هو آذار المرأة التي ما حملت بندقية و لا أطلقت رصاصة لكنها كانت بحد ذاتها البندقية التي حاربت ليغدو العلم رغيفَ خبزٍ آن لحواء أن تُشبِع جوعها منه .. و ليخرج الوطن من كونه صناعةً ذكوريةً بحتةً تُفصّل مقاساتها على مقاسات الرجال ليصبح صناعة لا تخلو من اللمسات الأنثوية المميزة بعد أن أصبحت المرأة تصوّت ، تقترع ، تُرَشّح و تترشّح ليتشاركا معاً انجاب وطن أكثر صحة و عافية و أروع جمالاً .. و لتغدو تلك المرأة التي ناضلت لأجل انسانية النساء هي بامتياز .. المرأة الانسانية .. هو آذار الأرض .. و الأرض في آذار امرأةٌ عاشقةٌ لها همسٌ لا تبوح به في غيره أو مع غيره يتردد صدى آهاتها المنتشية بالعاطفة و هو يزرع في رحمها بذور البعث و الولادة ليولد فجر الوطن الذي شارف على الانبلاج بعد حملٍ طال أمده .. هو آذار الانسان .. و لأن الانسان - رجلٌ كان أم امرأة - هو غاية الحياة و منطلقها فقد آن لنا أن نكسر قيده و نجلد جلاده لتبدأ معركة تحرير الوطن بتحرير انسانه .. لأنه آذار .. فقد خبّأنا جمرنا لا لنقتل برده بل لنشعل بها ثورة الحرية لشمسٍ لم تزل تشرق منذ أربع و ستين عاماً خلف القضبان و فوق الخيام .. ثورة الجياع للعدل الذين لن ينصفهم إلا الرصاص الماطر في آذار ، و الزلازل التي ستنجبها أرضنا الحبلى لتطيح بالمحتل و تقاصص المتآمر .. لأنّه آذار .. فقد أعلناه آذار الانتفاضة لتُخرِج الأرض من جوفها حمماً تُكوى بها جباه السماسرة ممن تاجروا بدمنا و دموعنا فباعوا أحلامنا و ضيعوا أملنا و زايدوا على آلامنا .. أعلناه آذار اللاجئين القابضين على المستحيل ليستردوا الهوية و الأرض السبيّة .. الذين كلما نأت بهم المسافة و طال الفراق ازدادوا بالأرض التصاق .. أعلناه آذار الوفاء لكل وردة دم زُرِعت في تراب الوطن المُثخن بالجراح .. و لكل دمعة طفلٍ لم ينعم بتربيتة يد أبيه الذي مضى أمساً ليصنع لابنه غداً أجمل .. و لكل أسيرٍ قاوم ثم قاوم ثم قاوم فلم يعرف الذل و لم يساوم .. عرف الجوع لكن قامته كانت عصية على الانحناء و الركوع .. إنه ليس آذار المرأة فقط .. بل آذار الرجل الذي ازداد شموخاً و عنفواناً بابنته الأسيرة ، بأخته الشهيدة ، بزوجته المربّية ، برفيقته الملتزمة ، بحبيبته المعطاءة .. و لأنه آذار العدالة لا الطغيان .. آذار الكرامة لا الخذلان .. آذار العطاء لا الحرمان .. آذار الحرية لا القضبان .. آن لنا أن ننصف أنفسنا و أن ننتفض للأرض و الحق و الانسان ...