حماس التي أصبحت مدعاة للشفقة ..!

حجم الخط
من الذي ورّط حركة حماس بالسيطرة على قطاع غزة ليحشرها في هذه الزاوية محدودة الخيارات، وهذا الوضع الأكثر قسوة على الحركة منذ انطلاقتها والذي كانت فيه خلال الشهر الماضي، ما بين تصعيد إسرائيلي وضعها في مأزق كبير، وأزمة كهرباء ووقود وقفت الحركة أمامها مكتوفة الأيدي عاجزة أكثر من أي وقت مضى؟ كيف تحولت هذه الحركة من مفخرة جماهيرها ومثار إعجاب شعبها، حين كان يحمل الحديث والنقاش حولها طابعاً من القداسة لأدائها، والإجلال لقادتها، تحولت خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى كيس الملاكمة، الذي كان عليه أن يصد لكمات من كل الجهات، من الانتقادات والاتهامات بالقصور تارة، والعجز تارة أخرى، من قبل الطالب، والتاجر، وسائق التاكسي، الأكثر سخطاً، والعاطل عن العمل، وسيدة المنزل، وغيرهم من الذين انكشف عجز الحركة أمامهم حين وقفوا يشاهدون تجربة الدولة لديها تصاب بالشلل عند أول لتر من الوقود. تلعثمت الحركة مرتين هذا الشهر، الأولى حين اشتد التصعيد ضد قطاع غزة، واندفعت فصائل مقاومة للتصدي له بإمكانياتها البسيطة، وكان موقف "حماس" يشبه إلى حد ما موقف السلطة في رام الله التي سارعت بطلب التهدئة بعيداً عن التدخل. وكانت الحركة أمام خيارين أحلاهما مر: إما الاشتراك بالتصدي وهذا قد يجرّ عدواناً وإما الوقوف جانباً وهذا يجرّ أيضاً خسارة شعبية اكتسبتها لأنها كانت الأكثر تحدياً للاحتلال. وتلعثمت المرة الثانية حين منعت مصر من توريد الوقود لغزة، وبدا القطاع الذي تحكمه كتلة من الظلام، وظهرت الحركة بموقف الذي لا حول له ولا قوة طوابير طويلة جداً من المعاناة أمام محطات الوقود وغيرهم ممن أطفئت كل بيوتهم. وهنا بدأت التساؤلات المشروعة حول طبيعة واستمرار الحكم لأن للحكومات دائماً وظيفتين: الأولى حماية الناس والثانية توفير الخدمات. وقد ظهرت الحكومة بغزة غير قادرة على توفير أي منهما في الحدثين الأبرز للشهر الماضي. في الحدث الأول قد يكون عدم دخول حركة حماس على خط المعارك ساهم في انحسار التصعيد، ولكن أزمة الوقود الطاحنة كانت أكثر قسوة على الحركة وحكومتها من سابقتها وخصوصاً أنها جاءت في وقت ليس ببعيد من زيارة خاصة لرئيس وزراء الحكومة بغزة لمصر والتبشير بحل أزمة الوقود، والأهم من ذلك أن أزمة الكهرباء إلى حد قريب وبعد سنوات من حكم "حماس" لم تكن قائمة ومحلولة نسبياً من قبل حكومة رام الله التي كانت تورد السولار الصناعي المستورد، وكان السؤال أيضاً ما دامت المشكلة محلولة فلماذا تأبطت "حماس" مسؤولية سلطة الطاقة ودخلت كل هذه المعارك وكانت النتيجة إدخال غزة في أزمة هي بغنى عنها؟ وإعفاء "حماس" من مسؤولية معركة كانت تظهر عجزها أكثر من نجاحها وهي بغنى عن ذلك، وأعيد السؤال من الذي ورط "حماس" بالسيطرة على سلطة الطاقة؟ وأعاد هذا نبش السؤال من الذي ورط "حماس" بالسيطرة على المنطقة الأكثر بؤساً وفقراً وبطالة وإسكاناً وصحة وتعليماً وأزمات لا حصر لها وهي المنطقة التي لم تستطع تحمل مسؤوليتها حكومات بإمكانيات تعد "حماس" فقيرة جداً أمامها، فإسرائيل وقعت اتفاق أوسلو لتهرب من مسؤولية غزة، فمن الذي كان وراء توريط "حماس" لتتحول من الحركة الرائدة التي تقارع إسرائيل في كل مدنها إلى حركة تجوب عواصم العالم باحثة عن غالون من السولار ودون جدوى حتى تتدخل رام الله خصمها اللدود لحل المشكلة؟ وهذا أكثر وطأة عليها من بقاء الأزمة نفسها لتقبله "حماس" وهي تعض على شفاهها لأن خياراتها تزداد صعوبة. والأسوأ من ذلك أن كل الحلول بالنسبة لـ"حماس" في البناء والنجاح في غزة أصبحت تعتمد على الجنوب باتجاه مصر، وصعوبة هذا الأمر بالنسبة للحركة التي لم تتمكن من رؤية الخطر وهي تتلقى الأزمات واحدة بعد أخرى أن لإسرائيل مخططاً معلناً سواء في مؤتمر هرتسيليا التاسع أو في خطة "بينيت" أو بالأحاديث التي يتم تسريبها بين فترة وأخرى حول المخطط الرامي لدفع غزة باتجاه مصر، وهذا مأزق كبير لم تحسب له الحركة أي حساب وهي تقود غزة دفعاً لانحسار خياراتها وصعوبتها عليها فإما أن تفشل التجربة وتتحمل هذا الانكشاف أمام المواطن، وإما أن تنجح التجربة وتعتمد كلياً على مصر، وفي هذا المساهمة بتمرير مشروع إسرائيلي لم تنتبه له الحركة في ذروة البحث عن حلول، ومن هنا تبدو صرامة الموقف المصري القادر على قراءة النوايا الإسرائيلية، لتذهب "حماس" ضحية الإرادة بين المصلحة الإسرائيلية والمصلحة المصرية والراعية للمصلحة الفلسطينية سواء بعدم السماح للاحتلال بتصدير أزماته وحل مشاكل أمنه القومي، أو بإعادة توحيد النظام السياسي الفلسطيني. لم تلتقط الحركة أنفاسها منذ حكمت غزة والأزمات تتوالى عليها، خاضت صراعات لا حصر لها، واشتباكات في كل الاتجاهات لدرجة أفقدتها توازنها، وزّعت اتهامات على الجميع في قضية الوقود مرة تتهم إسرائيل، ومرة السلطة برام الله، ومرة مصر هي المتهمة، وأخيراً قالت الحركة إنهم كلهم تآمروا عليها لإرغامها على العودة لحظيرة رام الله وحرمانها من فرق سعر الوقود الذي كانت تجيبه لتسيير أمورها لتنتقل هذه الأرباح إلى حكومة رام الله ومن الواضح أن للحركة دخلاً لا بأس به من فرق السعر هذا الذي يساهم في الاستقرار المالي لحكومتها وها هي تضطر للتنازل عن هذه الأرباح لخزينة السلطة. لم تشهد أي حكومة في الكون ما عايشته حكومة "حماس" من أزمات انهالت على رأسها واحدة بعد أخرى وتلك استنسخت أزمات لا حصر لها وكلما اعتقدت أنها بدأت تبني النموذج حتى يكتشف أن هناك من يجرها للخلف وكأن المطرقة على رأسها باستمرار، فهي حكمت خطأ، في المكان الخطأ "غزة" العصية على الحكم وفي الزمان الخطأ، ومن المحزن أنها تعتقد أن بإمكانها الاستمرار وحدها بعد كل هذه الأزمات التي أربكت مسيرتها لدرجة تدعو للشفقة فقد كانت تتمنى أن تقدم لشعبها النموذج الأفضل لتجد نفسها غارقة من أزمة تسلمها لأخرى. إصرار الحركة على الاستمرار بحكم غزة هو إصرار على أن تخسر من شعبيتها وجمهور مؤيديها الذي راكمته بالدم وبأغلى ما تملك من قيادة لأن غزة كومة من الكوارث والمآسي وهي منهكة حد العظم لا تحتمل بناء حكومة تعيش على الضرائب الباهظة من أهلها فهم يحتاجون لمساعدات عاجلة لا العكس، وفي تفرد "حماس" بحكم غزة مشكلة للحركة وأزمة للمشروع الوطني الذي يتآكل في الضفة وغزة وليس هناك حل سوى بأن تكون "حماس" جزءاً من النظام السياسي الموحد وأن تكون غزة جزءاً من حكومة موحدة وفي هذا حل لـ"حماس" ولغزة أيضاً. Atallah.akram@hotmail.com