المناضل التقدمي/ بهجت أبو غربية: حرية المرأة وحرية الوطن

حجم الخط
"لا يزال العالم عالم رجال. أنا في الخمسينات كنت أقول إن الرجل تسلّط على المرأة، وحجزها واستأثر بالحياة، وجعلها "أثاثاً". ومن هنا لفترة طويلة، صار فيه استقرار لوضع معين، وهو أن المرأة للبيت والرجل للشغل؛ مع العلم إنه فيه مناطق في فلسطين، المرأة الفلاحة بتشتغل أكثر من الرجّال. الثقافة والتربية، بتحدّ من دور المرأة أن تنزل الى الشارع". بهجت أبو غربية ***** بعد قراءة العشرات من المقالات، التي تناولت الإرث الفكري والسياسي والإنساني، للمناضل الكبير: "بهجت أبو غربية"، على مدى سنوات عمره المديدة، التي بلغت ستة وتسعين عاماً، وبعد حضور حفل التأبين، الذي أقيم للمناضل، في عمان، في العاشر من آذار 2012، وحين لم أجد ذكراً لموقفه من المشاركة السياسية للمرأة، ولم أستمع إلى متكلمة، تشارك المتحدثين، ضمن برنامج حفل التأبين؛ وجدت من الضروري، أن أسلط الضوء على الموقف التقدمي للمناضل "بهجت أبو غربية"، تجاه المرأة، والذي يشير إلى أفق مفتوح، وإنساني، طبع شخصية المناضل. ***** من خلال شهادته على المشاركة السياسية للمرأة الفلسطينية منذ الثلاثينيات، ضمن مشروع التأريخ الشفوي، - الذي بادرت إلى تنفيذه إدارة المرأة/ وزارة التخطيط، عام 1998- ؛ توهَّجت ذاكرة بهجت أبو غربية، لتستحضر المشاركة السياسية للمرأة، تلك المشاركة التي يغفلها الكثير من المؤرخين، أو يقللوا من شأنها. أكَّد ما ورد في التاريخ المدوَّن، حول العمل السياسي للمرأة المدينية، كما أضاف إلى ما كان قد أُهمل، حول المساهمة السياسية للمرأة القروية: "أنا كنت عضو قيادة الأردن لحزب البعث، وكان عنا تنظيم نسائي؛ بس إحنا قبل ذلك، النساء الفلسطينيات كانوا يشاركوا في السياسة، وعقد أول مؤتمر فلسطيني للنساء. وفي سنة 33، صار عنا نوع من العصيان المدني، وشاركت النساء في أكثر من مظاهرة، واصطدموا مع الشرطة، شوف عينيّ، والبوليس لم يحترمهم وضربهم وفرّقهم. ومع ذلك أرسلوا وفداً منهم وقابلوا المندوب السامي، وقدموا له مذكرة، وطافوا على كل السفارات الأجنبية. وفي ثورة 36، وأنا شاركت في الثورة. فيه بالمدن قتال، هجمات خلينا نسميها؛ لكن في الجبال والقرى، حرب عصابات، أنا بعيني في قرية بلعا مثلاً، يمكن بعد 10 و11 بالليل، كانت تمر مجموعة من النساء، اللي حاملة خبز، اللي حاملة ميّ، اللي حاملة جبنة، ومين ما تعشى يا شباب؟ بنص الليل بتلاقي ها البنات يلفّوا، وكانوا يسعفوا جرحى، ويملّوا ميّ أثناء القتال. حصل أيضا في منطقة جنب القدس، ما فيها مواصلات، اسمها: عرب السواحرة/ بدو، هذه المنطقة كانت بالنسبة لثوار القدس ملجأ، وكان فيهم امرأة أسميناها: "أم المؤمنين"، كانت تقعد تخبز على الصاج، وتقعد من الصبح لنص الليل، ما تقومش وهي تخبز للمقاتلين. أيضا في ثورة الـ 36، فيه بعض قرى، مثلاً قرية الطيبة، قرب طولكرم، فيه نساء حملت بنادق وقاتلوا. هي وزوجها، هو حامل بارودة، وهي حاملة بارودة". وحين يحدِّد مستوى تدريب المرأة العسكري، الذي أهَّلها لحمل السلاح، جنباً إلى جنب مع الرجل؛ لا يبالغ المناضل؛ بل يتحدث بما شاهد وعايش: "هو كلنا كنا مش مدربين. فيه تدريب؛ ولكنه تدريب أوّلي. في الـ 48، صار فيه مشاركة أكثر". وحين تحدَّث عن إضراب عام 1936؛ أكَّد مشاركة النساء في إنجاح الإضراب، وتحدَّث عن دورهن الرئيس في إغلاق الطرق بحواجز من حجارة. أما عن دورهن بعد انتكاس الثورة في ال 39 وما قبل قرار التقسيم 47، ورغم أن المرحلة كانت "مرحلة ترقب أكثر منها مرحلة نضال، مع ذلك، مارسنا فيها عمليات مقاطعة البضائع اليهودية، والإنجليزية. وطبعاً موضوع المقاطعة، يعني كانوا يشاركوا (النساء) طبعا في المقاطعة، يعني ها الدور في الفترة هذه، من مجالات النضال الفلسطيني، انه كان نوع من مقاومة انتقال الأراضي لليهود، لما اليهود كانوا يحاولوا يشتروا، كان يصير مقاومة، يعني دور الستات، نقل المعلومات عن اللي ممكن يتصرفوا بأراضي، وكان لا مؤاخذة اللي يثبت عليه يقتل يقتل". وعن مشاركة النساء عام 1948؛ تحدث المناضل عن دور النساء في التمريض، في معركة القسطل، حيث كانت تسعف المقاتلين: "فيه طبيب اسمه: مهدي الحسيني، ابن عمه لعبد القادر، زوجته لبست كممرضة، وطلعت معنا على القسطل". ***** تحدّث القائد عن أحداث مجزرة دير ياسين، يوم 9 نيسان 1948، القريبة من القسطل، وتأثيرها على معنويات المقاتلين، بعد أن أشيعت مسألة اغتصاب سيدات في القرية، خاصة أن معظم المقاتلين كانوا ينتمون إلى أصول فلاحية. ركَّز على المقاومة الشرسة لأهالي القرية، كما شكك بالروايات التي تحدثت عن اغتصاب الفتيات، وبقر بطون الحوامل، واعتبرها دعاية صهيونية، كانت تجب مقاومتها؛ لتأثيرها السلبي على معنويات الناس: "أنا ما بأحب إنه تستغل حادثة دير ياسين. في المعركة، ما قدروش اليهود يخترقوا دير ياسين ثلاث مرات؛ لكن اليهود كانوا يعيدوا التنظيم، ويزيدوا العدد والقذائف، وفي النهاية دخلوا. بالنسبة للاعتداء على النساء؛ بصراحة لم أسمع منهم عن أي حادثة اعتداء جنسي؛ إنّما طافوا فيهم في شوارع (مشريم وبن يهودا) بالسيارات، زي اللي بيستعرض موكب النصر، هذا حصل". ***** أيها المناضل القائد، اتسق موقفك من أهمية المشاركة السياسية للمرأة، مع حياتك الثورية، على امتداد حياتك، ومع إيمانك بالطاقات الهائلة التي تختزنها الشعوب العربية، والتي تجعلها قادرة على الانتصار في معركتها، لنيل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. لم تكتفِ بالتمسك بالمبادئ التي آمنت بها؛ بل عملتَ على تجسيدها، دون كلل أو ملل. قلتَ إنَّ المناضلين لا يتوقفون عن النضال، ويصنعون الأحداث ولا يلهثون وراءها. وها أنتَ قد صنعتَ الأحداث مع رفاقك الثوار، كقائد عسكري ميداني، وقائد قومي وحدوي، ومؤسس لمنظمة التحرير الفلسطينية. فلسطينياً كنتَ حتى النخاع، وعربياً حتى العظم، وإنسانياً من الرأس حتى أخمص القدمين، ومكانك في قلب الذاكرة الجماعية الفلسطينية والعربية والإنسانية