شقائق النعمان ٢٠١٢

حجم الخط
أثقلت عليّ الأفكار وأنا عائدة من بروكسل لعمان يوم الأربعاء الماضي. يومين في مؤتمر نظمته الأونروا بعنوان مشاركة الشباب اللاجئ مع كل الشركاء والمعنيين. استمعت لأراء ٢٤ شاب حضروا من مخيمات لبنان وسوريا والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة‫. وكذلك استمعت لأراء‬ منظمة الأونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية والدول المضيفة وبعض الدول المانحة. وتابعت المؤتمر وردات الفعل عليه على تويتر. سمعت لخطابات عادية تقليدية سمعتها من قبل‫.‬ واستمعت لخطاب غراندي الختامي والتزامات الأونروا العشرة‫.‬ وتخلل المؤتمر بعض الملاحظات المستفزة وأخرى الملفتة للانتباه‫.‬ وها أنا أحاور أفكاري المتشابكة ‫….‬ نعم‫.‬ طبعا‫.‬ يجب على الجميع من الأونروا والدول الأجنبية والمنظمة الفلسطينية والدول المستضيفة السعي الجاد للتطبيق الفوري لحق العودة والتعويض‫.‬ وطبعاً يجب مساءلة إسرائيل وإجبارها على إنهاء الاحتلال والتقيد بالقانون الدولي وتنفيذ حق العودة والتعويض للاجئين. وطبعاً يجب على الدول المستضيفة التعامل مع اللاجئين بإنسانية وتوفير عيشة كريمة وعدم التمييز ضدهم. وإن لم يكن لهم ذات الحقوق السياسية مثل مواطني الدولة المستضيفة إلا انه يجب أن يكون لهم حقوق اقتصادية واجتماعية متساوية. وأكيد يجب على الأونروا أن تقدّم أفضل خدمات للاجئين وان ترفع من مستوى التعليم والصحة والبنية التحتية وعليها كذلك أن تشرك اللاجئين بالقرارات وتتواصل معهم كما قال غراندي في خطابه الختامي. وكذلك على المجتمع الدولي أن يمّول الأونروا فهو مسئول أيضا عن تاريخ الصراع‫.‬ وطبعاً على العرب في كل الدول بالذات حيث نجحت الثورات أن لا تتعامل مع إسرائيل بل أن لا تتعاط مع الولايات المتحدة إن لم يكن هنالك الآن حل عادل وقانوني للاجئين. أما بالنسبة لمنظمة التحرير، فبالطبع عليها ان ترتقي بأدائها وان تناضل من اجل عودة وتعويض اللاجئين وعليها كذلك أن تكون على ترابط وتواصل مع اللاجئين في داخل وخارج المخيمات. وعليها أن تقطع تنسيقها مع إسرائيل وأمريكا وكل جهة لا تضغط على إسرائيل لعودة اللاجئين الآن. وهذا السيناريو هو السيناريو الصحيح الوحيد‫.‬ بالتأكيد لهذه المواقف مضاعفات. فإن سعت الأونروا لتنفيذ حق العودة ستشن إسرائيل حملة عليها‫ ‬فتوقف حركتها في الضفة والقطاع وتضغط لوقف تمويل الأونروا. فتتوقف المعونات‫-‬ يتوقف الطحين. يتوقف التعليم وتتوقف الخدمات الصحية. وربما في اخذ المنظمة والسلطة لمثل هذا الموقف ستوقف إسرائيل تحويل العوائد المالية للسلطة وتحجز على أموالها وربما تقيد حركة أعضائها وتعتقل بعضهم. وربما في اخذ المجتمع الدولي والدول العربية مثل تلك المواقف مضاعفات غالية أيضا دولياً وبالذات مع الولايات المتحدة. يكفي. ما أريد أن ابر‫زه هو:‬ التصرف الصحيح واضح. ومضاعفاته واضحة. والواضح الثالث هو أن هذه المواقف القوية لم تؤخذ في الثلاثة والستين عام السابقة. كل هذا لم يحصل بالشكل الكامل أو بالتنسيق أو التسلسل المناسب‫.‬ فماذا بعد؟ ماذا نفعل نحن الشباب الفلسطيني اللاجئ ونحن الآن في أوج حماسنا مستمدين بعض الإلهام ممن حولنا من شباب؟ هل نبقى نُطالب الآخرين بإحقاق الحق إلى حين أن تلتقي الظروف المواتية وتتحقق مطالبنا؟ وفي هذه الأثناء والى حين إحقاق الحق هل نوجه جهدنا لقضايانا المعيشية‫ من إغاثة وتنمية وخلق فرص عمل وتمكين وكل هذه المفاهيم‬؟ يعتقد صديقي حسن أن في متابعة الأمور المعيشية خيانة للعمل الرئيسي‫.‬ ويعتقد كذلك أن الانروا سوف تبقى دائما مُقصرة بإرادتها أو بالأغلب بإرادة مموليها كي يبقى اللاجئ مشغول بأموره المعيشية‫.‬ غير متأكدة إنني اتفق معه بالتفاصيل ولكنني متأكدة من أن مطالبة الآخرين بان يقدموا لنا حق العودة ويعرضوا لنا آليات العودة والتعويض طريق منقوص‫.‬ فان أرادوا أو استطاعوا فعلاً لكانوا فعلوا ذلك من قبل‫. يجب علينا أن نسعى للعودة بأنفسنا دون ان نطالب الآخرين بالقيام بعملنا بالنيابة عنا ولنا. وان كنا ظُلمنا لا يعني أننا غير قادرون على تمثيل ذاتنا أو القيام بواجبنا لأنفسنا. ‬ الآن لدينا فرصة ومساحة وطاقة للحراك‫،‬ وبالذات الشبابي‫.‬ فالأولى ان يكون الحر‫اك للعودة لبيوتنا وليس لتحسين السجن أو المخيم. ما هو شكل هذا الحراك أو الجهد الجماعي؟ كيف نصممه لينجح في وضعنا على الخارطة وإعادتنا لبيوتنا. سأجيب على هذا السؤال في الفقرة التالية لانني اعتقد ان هذه تفاصيل، في البداية يجب ان نعي دور كل واحد منا في تحقيق هدفنا وعلينا ان نُقرر ان ننظم حراك قوي ومُنسق وعلينا ان نُقرر أننا سننجح. فهنالك أمران يقفان أمام هذا الحراك: أولاً إيماني بإمكانية نجاحه وثانياً تحمل المعارضة التي سأواجهها. سيعارض الآخرون الحراك اما بشكل علني او بشكل مُبطن. وسيقولون ان تفكيرك غير منطقي. وعليك إعادة حساباتك لأنك لا تفهم الجيوبوليتك الحالي. وانك لا تُدرك معاني الانتخابات الأمريكية والإسرائيلية. وسيقولون انك تُساهم في تفتيت الوضع الداخلي الفلسطيني المهترئ. أو انك تتنافس مع لاعبين أساسيين في المخيم وحراكك يبرز ضعفهم. وان لم تسمع وتقدمت سيهددوك بقطع المعونات ومن ثم يشنوا عليك حملة لتشويه سمعتك بأنك مدسوس أو مُقلِد. وبعدها يضغطوا اكثر وربما يتهموك ويعتقلوك وان لم تتوقف وكبر حراكك فربما يهددوا بقطع المعونة وربما التعليم ومُرتبات المعلمين وربما الصحة ومُرتبات موظفي الصحة وذلك لتفكيك صفوفك ولقلب أهلك عليك. وفي هذه الحالة- يصبح بناء القوة التعاونية في الحراك المُنظم بأهمية بناء القوة الموجهة ضد الاخر. ففي الانتفاضة الفلسطينية الأولى فُتحت صفوف تعليمية في الأحياء وفي البيوت حين توقف التعليم تماماً. وزُرعت الأراضي بالبندورة والخضروات. وفي حراكات أخرى بالعالم تجد ذات الدرس. الكل يتحدث عن روزا باركس كونها أطلقت مقاطعة الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية للباصات ونظامها العنصري. والقليل يتذكر ان قيادة الحراك خلقوا نظام مواصلات بديل لتمكين أنفسهم من المقاطعة ولكي يصلوا لعملهم دون تأخير. فأتى نظام السيارات الجماعية على الا يكلفهم اكثر من سعر تذكرة الباص الذي قاطعوه. وهنالك العديد من الأمثلة حيث يبني أهل الحملة او الحراك قوة جماعية ليتحملوا تبعة مواقفهم أو المقاومة لهم. ولكن الأغلب ان لا تقطع الدول المانحة او المستضيفة او الأونروا كل المعونة او كل الخدمات بل ربما تقطع بعضها كونك تطالب بمطلب قانوني وتعمل بشكل قانوني. ولذلك ربما سيدخلوا عليك او يبثوا لأعضاء حراكك أفكار لجهد جماعي من نوع آخر - النوع الذي يفقدك ارضيتك وقيمك لما فيه من عنف لفظي او جسدي او مادي ضد أيا من الشركاء بما فيهم الانروا والدول المستضيفة والمنظمة الفلسطينية. فلذلك همَّك أن تُبقي حراكك سلمياً وقانونياً وقِيمياً وان لا تجيش أعضاءك أو تعبئهم ضد أي من الشركاء. فهم شركاءك وان كانوا غير فاعلين كشركاء في هذه اللحظة. ‬ والآن كيف سيكون شكل حراكي للعودة ؟ كيف لي ان أصممه بذكاء لأضمن تقدماً ناجحاً؟ في السنوات الثلاث السابقة رأينا جهوداً واعدة ومبادرات ناجحة ولو انها متفرقة مثل مسيرات العودة التي حصلت في أيار العام الماضي من لبنان وسوريا والأردن الذي ردت الروح للشباب كما قال الشباب بالمؤتمر‫.‬ وكذلك جهود مثل الدعاوي القانونية للحفاظ على البيوت الفلسطينية مثل النجاح الذي حققه اهالي قرية لفتا في القدس لوقف المشروع الإنشائي وإلغاء العطاء للبناء على أراضي وبيوت لفتا‫.‬ ومثل استرجاع عائلة الدجاني صيانة قبر الدكتور دجاني في يافا ولاحقاً تسمية دوار باسمه‫.‬ وجهود قائمة مثل خلق قاعدة لتسجيل الفلسطينيين في المخيمات وفي الخارج ‫(‬في إطار انتخاب المجلس الوطني‫). وهنالك أيضاً الكثير من الأفكار من تجارب لاجئين آخرين بالعالم. وأنا استطيع ان‬ أضيف أفكار للحراك ولكنني لن افعل‫ لسببين: ان كُنتَ تنتظر الوصفة السحرية المؤَكدة للنجاح لكي تتصرف فلا يوجد وصفة. ‬ بعض الأفكار ستنجح وبعضها ستفشل‫.‬ المهم ان نقتنع انه‫:‬ غير مهم‫-‬ غير مهم ان نطور ونتبنى أفضل إستراتيجية وتكتيكات ونتأكد من نجاحها كشرط للعمل‫.‬ الأهم ان نُقرر‫ و‬نبدأ ونتعلم من فشلنا ونجاحنا ونُعدل ونُغير ونبقى متماسكين في هذا المشوار‫. والسبب الثاني لعدم إضافتي لأفكار للحراك لأنني أؤمن انه من الأفضل أن نطور برنامجنا العملي معاً - برنامج جذري طورناه بحوارنا وتجربتنا - لم نقرأه في مقالات او نسمعه من خبراء. ننظر لأنفسنا وللتجارب حولنا. فكما قال لي د. زياد في استراحة المؤتمر: المهم ان يكون العمل له معنى حقيقي للمُتَصرف. نابع من القلب، متلائم مع القيم ودائم التطور. وأُضيف انا المهم ان يكون الجهد مُنظم. ليس مجرد حراك وضجيج وصخب وتعبئة وتجييش. الجهد الجماعي الجذري بحاجة لبناء فرق قيادية محلية -العديد منها- مثل ما كان الحال حين دافع أهل مصر عن أحياءها في ليالي الثورة ومثل تلك التي تشكلت في الانتفاضة الأولى. فهو بناء قابل للانتشار وشامل للفصائل والمؤسسات ولكنه لا يُأطَر بهم فيمتدد خارجهم لكل شارع وحي. وسيسهل تنسيق اللاجئين فيما بينهم باستخدام الانترنت. وسأكتفي بالقول ان هذا النهج من العمل الجماعي القيادي يجب ان يولد من قيم واضحة ومن واقع قصصنا ويُنمي في كل لحظة هويتنا الفلسطينية ومعرفتنا التاريخية والسياسية والادبية والفنية. ‬ ختاما أخاطبك‫:‬ إن كنت تعتقد ان في هذا الطرح سذاجة. أسألك أليس بانتظار الآخرين لإحقاق حقك عشرين سنة إضافية سذاجة؟ وان كنت تعتبره استهتار‫،‬ أسألك ألا تعتقد أن توقعك بان يتحمّل جيل آخر من الشباب النابض بالحياة حياة اللاجئ استهتار؟ وإذا كنت تعتقد أن هنالك فرصة سياسية ذهبية على الأبواب وأنه يجب علينا الانتظار او إعطاءها مجال أقول لك إن عملنا المنظم الآن سيكون اكبر دعم لهذه الفرصة‫-‬ فتستطيع القول أن أهل الأمر قائمين عليه ولا يسعهم الانتظار- دعونا نُعجل‫.‬ وان كنت مقتنع بطرحي‫، سؤالي لك:‬ ماذا ستفعل الآن؟ كيف ستطوره من خلال مجموعة في مخيمك أو حيّك‫؟‬ كيف ستروي لهم قصتك وألمك وأملك الذين يدفعونك لقيادة هذا الجهد؟ ما هي القيم التي تجمعكم معاً وتبني هويتكم المشتركة؟ ______________ مدونة فلسطينية وباحثة مختصة في تنظيم المجتمع