في ذكرى يوم الأرض..وتبقى الأرض عربية

حجم الخط
كم كانت ثقيلة ومرهقة عقود وسنوات تلك المسافة الزمنية بين يوم 30/03/1976 ونظيره من عام 2012، بما حملته من ممارسات عدوانية، عنصرية وفاشية ممنهجة اتجاه شعب فلسطين، واتجاه الحد الأدنى من حقوقه وثوابته الوطنية كما نصت عليها قرارات الشرعية الدولية. كم كانت ثقيلة وضاغطة يوميات الاحتلال على ذلك الجزء الأساسي من شعبنا في الأراضي المحتلة منذ عام 1948، إنه راية الصمود وعنوانه.. كم هي دموية وعنصرية سياسة الصهاينة في الضفة الغربية، من تمدد استيطاني لا يترك مجالا لمواصلة مسار دورة الحياة العادية لمواطنيها.. إلى الخطوات المتسارعة لتهويد القدس العربية، ثم الإبقاء على قطاع غزة ومقاوميه، متنقلا بين مربع الحصار والإغلاق إلى مربع النار.. يشكل الثلاثين من مارس من كل عام محطة هامة في حياة الفلسطينيين، يتجدد بها التناغم والترابط بين كافة حلقات سلسلة التجمعات الفلسطينية. في الوطن بكل أجزائه المكونة لفلسطين التاريخية، وفي الشتات الموزع بمختلف القارات. إنه يوم الأرض الذي سطره أهل الأرض الحقيقيين بدمائهم في المناطق المحتلة عام 1948 في مدن وقرى الجليل، منطقة المثلث... إن إحياء هذه المناسبة في هذه الفترة يتمايز بوجود مجموعة من العوامل باتت تدعم وتعزز التفاؤل الاستراتيجي بحتمية انتصار المشروع العادل: هناك تداعيات الحراك الشعبي ونتائجه في العديد من العواصم العربية، صحيح أن القوى ألاستعمارية وأدواتها وتوابعها في منطقتنا لازالت تحاول تشويه صورة نتائج هذا الحراك وإجهاض أهدافه الحقيقية، إلا أن الصحيح أيضا أن الخوف والقلق على مستقبل الكيان الصهيوني من قبل تلك الدوائر آخذ في التنامي بفعل تلك النتائج ودخولها كمعادلة جديدة في الصراع.. وثانيا: اتصالا بالصمود الشعبي الفلسطيني بكافة مواقعه، وانخراط فئات اجتماعية جديدة في حقل المقاومة، بأشكال جديدة أيضا، هكذا كان حراك الشباب الفلسطيني في الداخل والخارج بتناسق لافت، من الجنوب اللبناني إلى الجولان السوري، في الضفة وغزة، وسقوط العشرات من الشهداء والجرحى في تلك الهبة للشباب الفلسطيني على حدود فلسطين التاريخية في ذكرى النكبة من العام الماضي، والمبادرة في صياغة أشكال نضالية جديدة، ومن ثم تفعيل الاشتباك التاريخي المفتوح مع المشروع الصهيوني الاستعماري، في مشهد ظهر به الصراع وكأنه بدأ للتوّ. في فبراير من عام 1976، هبّ أبناء شعبنا في فلسطين التاريخية، فلسطينيو 48، لمقاومة مخططات الدولة العبرية لمصادرة أراضي البلدات العربية في دير حنا وعرابة، سحنين، دير الأسد وفي الجليل. فبعد أن قامت سلطات الاحتلال الإجلائي بإبلاغ المجالس المحلية لتلك البلدات يوم 15 فبراير من ذات العام بقرارات المصادرة مرفقة بعزمها على إغلاق تلك المناطق بمنع دخولها بعد أن انتزعت أكثر من عشرين ألف دونم وهو ما يمثل ثلثا الأراضي المزروعة والمشجرة والتي يعيش منها أهالي المنطقة الأصليين منذ مئات السنين. دخل أبناء فلسطين بتلك المناطق بمواجهات مع المحتلين دفاعا عن الأرض، واستشهد العديد من شبابها وجرح المئات، إضافة إلى حملة اعتقالات واسعة إلى أن وصلت تلك الهبّة لذروتها بالإضراب الشامل يوم 30 مارس عام 1976، وكانت تلك الهبّة الشعبية تحوّلا نوعيا لتراكم سلسلة متصلة من النضالات في المراحل المتعاقبة لمواجهة القهر الوطني القومي وسياسة التمييز العرقي العنصري، وانعكاسا لمستوى الوعي ضمن هذا الجزء الأساسي من شعب فلسطين ومدى ارتباطه بحركته الوطنية، ويمكن القول أن هذه الهبّة قد شكلت نقلة لمرحلة جديدة، وأكثر بلورة لعناوين كفاحية جمعت بين النضال الوطني والمطلبي وأسقطت شعار الدمج أو الأسرلة . وقد نجحوا في المحافظة على الهوية الوطنية وفي ذات الوقت التكيّف مع الوضع القانوني لمعادلة صعبة في دولة تخوض حربا متواصلة ضد شعبهم، ودولة ليس لكل مواطنيها، لأن خطوات مصادرة الهوية والأرض وهدم المقدسات لا تتوقف. يبلغ تعداد الفلسطينيين في المناطق المحتلة عام 48 أكثر من مليون ومائتين وخمسين ألف نسمة، مع ملاحظة أن عددهم قد كان لدى الإعلان عن الدولة الصهيونية بعد ممارسة حملات التطهير العرقي بالتقتيل والتهجير الإجباري في سياق مجازر ممنهجة حوالي 142 ألف فلسطيني... وأضحت الزيادة في أوساط هذا الجزء الحيوي من شعب فلسطين مصدر قلق للدولة الدموية التي تصفه بالقنبلة الموقوتة. يتوزع فلسطينيو 48، الذين يتصرفون بالمعنى النفسي والمعنوي كأغلبية لأنهم أصحاب الأرض، على 141 تجمعا سكانيا بالإضافة إلى 36 قبيلة بدوية، يتواجد 60% منهم في منطقة الجليل شمالي فلسطين، 30% في منطقة المثلث، والباقي في النقب وجنوب فلسطين، ويتمركزون في مدن الناصرة، شفا عمر وأم الفحم... بالإضافة إلى انتشارهم في العشرات من القرى وستة مدن مختلطة، هذا وتشير الأرقام إلى أن هؤلاء الصامدون المغروسون في الأرض، يملكون فقط حوالي 03% من مساحة الأرض المحتلة عام 1948، وذلك ارتباطا بسياسة قضم الأرض التي لازالت مستمرة حتى هذه الأيام لكن بأشكال وأساليب مختلفة، أما عن دخل الفرد منهم فهو أقل من ثلث دخل الفرد الإسرائيلي. تمحور نضال هذا الجزء من شعبنا في المرحلة الأولى حول الدفاع عن ما تبقى من أرض، ومواجهة قرارات طردهم من قراهم ومدنهم وترحيلهم إلى مواقع أخرى ضمن خطة عنصرية صهيونية ترمي إلى إعادة التوزيع السكاني ورسم خريطته من جديد لضمان الأغلبية اليهودية في كل المناطق... ورافق البدايات النضالية خلال عقد الخمسينيات ولازال بطبيعة الحال القضايا المطلبية وأخرى ضد الميز العنصري، لدرجة أن سلطات الاحتلال قد رفضت فكرة تأسيس حزب سياسي مستقل، كأداة للتعبير عن الشخصية الوطنية الفلسطينية، وبقي العدو يحارب هذه الهوية وتفنن في ممارسة كافة أشكال القهر والاضطهاد الاجتماعي والتجهيل، والعزل الوطني القومي... إلا أن مجمل تلك المحاولات قد فشلت في انتزاع هذا الجزء من كينونته الوطنية والعربية، مع حصول التطورات التي حملها عام 1967 تم الانتقال إلى مرحلة أخرى وتطور الأداء الوطني السياسي والاقتصادي بفعل تجدد الاتصال بين مختلف التجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة والقطاع مع مناطق 48... بعد أن تمدد الكيان الصهيوني على أثر عدوانه عام 1967 على البلدان العربية المحيطة بفلسطين، حيث توفر له الدعم الأمريكي اللامحدود. مع بداية معاناة جديدة تولدت منها مرحلة نضالية جديدة، وتبلورت أكثر صيغ العمل السياسي والاجتماعي والجماهيري وصولا إلى تشكيل الأحزاب كترجمة لتراكم التجربة والخبرة في مقاومة المحتلين، وبالرغم من الاختلافات بين برامج الأحزاب التي تكونت، إلا أن عملها السياسي أصبح أكثر وضوحا بالانشداد للنضال الوطني الفلسطيني ومواكبته، بل ومؤثرا به. وفشلت المخططات الصهيونية في تكسير هذا الترابط الموضوعي وهو الشيء الذي أكدته المسيرة التحررية لشعب فلسطين في كافة محطاتها. إن ما يتوجب طرحه الآن والتصدي له لا يتصل بما عليهم، بل بما لهم في إطار أهداف الحركة الوطنية الفلسطينية ورؤيتها الإستراتيجية حول ركائز هذا الاشتباك التاريخي المفتوح بين المشروعين: التحرري الفلسطيني العربي من جانب، والصهيوني الاستعماري من جانب آخر، مع مراعاة خصوصية هذا الجزء على وجه التحديد. وبشكل مكثف نقول :- يتوجب على كل من الوضع الفلسطيني والمؤسسة العربية إعادة النظر في الموقف التقليدي الذي يزيد من الظلم الواقع على أولئك المرابطون في أرضهم ومن أجلها..ومن ثم توفير مقومات الدعم لهم، وتبني قضاياهم في مواجهة التعسف الصهيوني، وفتح المجال للاستجابة إلى تلك المعاناة على طريق إفشال المشاريع الفاشية للصهاينة التي تستهدف الانتقام من صمودهم كتوطئة لتجسيد الدولة اليهودية. ارتباطا بما يؤشر نحوه هذا اليوم من معاني خالدة، يتوجب على الحالة الفلسطينية بكل مكوناتها، تحويله إلى محطة للمراجعة السياسية، للمكاشفة. ماذا أفرزت التجربة: إن تحقيق الوحدة المستندة إلى برنامج الإجماع الوطني، وبلورة استراتيجية سياسية جديدة، والابتعاد عن الرؤية الأحادية، وعدم ربط الخطوات الوحدوية بميزان تقاسم الحصص... الخ للخروج من أزمة المصالحة والمفاوضات، وأزمة السلطة التي لم تعد سلطة، حيث صادر الاحتلال كل صلاحياتها، ومغادرة سياسة الانتظار والمراهنة على نتائج ما قد يحصل من تطورات.. هذا ما تحتاج له القطاعات الشعبية المختلفة. • ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في جمهورية الجزائر الشقيق.