موضوعان ثانيهما .. إسرائيل - أمريكا .. من يحكم من؟

حجم الخط
د. فايز رشيد سؤال قديم جديد في العلاقة الأمريكية-الإسرائيلية يتمثل في:من يستطيع فرض السيطرة والقرار على الآخر:الولايات المتحدة أم إسرائيل.البعض يقول بأن أمريكا تستطيع فرض سياساتها وقراراتها على إسرائيل, وآخرون يقولون:بأن إسرائيل هي التي تتحكم بالولايات المتحدة من خلال اللوبي الصهيوني فيها. أصحاب وجهة النظر الأولى يعتمدون على جملة حقائق أبرزها:ما فرضه الرئيس أيزنهاورعلى إسرائيل إبّان العدوان الثلاثي(الفرنسي-البريطاني-الإسرائيلي) على مصر عام ,1956 من تراجع بالانسحاب من سيناء وما فرضه على بريطانيا وفرنسا من انسحاب من على ضفتي القناة.يعتمدون أيضاً على انسحاب إسرائيل من سيناء بعد اتفاقية كمب ديفيد في عام 1979, وغيرها من الأدلة. أصحاب وجهة النظر الثانية يعتمدون على جملة من الحقائق مناهضة للأولى جوهرها:أن الولايات المتحدة لا تعصي لإسرائيل أمراً،وهي ببغاء يردد المقولات ووجهات النظر الإسرائيلية من التسوية وغيرها،وأيضاً فإن أوباما(على صعيد المثال وليس الحصر)،تراجع عن شروطه لإسرائيل بضرورة وقف الاستيطان في الضفة الغربية مقابل العودة إلى المفاوضات مع الفلسطينيين, ويعتمدون على غيرها من الحقائق. في الواقع فإن العلاقة بين الصهيونية والظاهرة الأستعمارية تعود إلى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين أي منذ ما قبل المؤتمر الصهيوني الأول في عام 1897, وبعده, عندما استقر القرار الصهيوني على إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين.جاء بعدها مؤتمر كامبل-بنرمان للدول الاستعمارية في عام 1908 الذي تم الاتفاق فيه على إنشاء قوة صديقة للغرب ومعادية لسكان المنطقة في فلسطين, لتمنع التواصل الجغرافي بين شطري الوطن العربي في آسيا وأفريقيا, ولتقف عقبة أمام تحرر العالم العربي, وتخطط لمنع توحيد أقطاره. بعد ذلك،تتابعت الأحداث فجاءت اتفاقية سايكس-بيكو ووعد بلفور والانتداب البريطاني على فلسطين،والهجرة اليهودية إليها،وإقامة إسرائيل في عام 1948.واقع الأمر أنه ومع أفول الإمبراطورية البريطانية وبدء تصاعد نجم الولايات المتحدة إبّان وبعد الحرب العالمية الثانية،انتقل مركز ثقل الصهيونية من أوروبا إلى أمريكا وكان ذلك في العام 1942 (بعد مؤتمر بالتيمور) وبداية تشكليها للوبي الصهيوني،الذي كانت عناصره من الأساس موجودة ودفعت السياسة الأمريكية إلى تبني قيام دولة إسرائيل. للعلم: اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لا يتكون من اليهود فقط،وإنما أيضاً من رأسماليين ومسيحيين أمريكيين(هشام شرابي،المقاومة الفلسطينية في وجه إسرائيل وأمريكا،دار النهار،بيروت 1970) يؤمنون عقائدياً بأهمية دعم إسرائيل(لأسباب دينية) وهؤلاء عُرفوا فيما بعد بالتيار الصهيو-مسيحي الذي يمتلك آلاف الكنائس والآلاف من الوسائل الإعلامية(من الفضائيات إلى الصحف) والملايين من المؤيدين في كل أنحاء الولايات المتحدة(د.يوسف الحسن،البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي-الصهيوني،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،1990)،بمعنى آخر فإن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة هو أضعاف أضعاف عدد اليهود فيها. لقد قبلت الحركة الصهيونية في أن تكون جزءاً أساسياً من منهج الرئيس الأمريكي ترومان , السياسي وهو مفهوم الاحتواء(Containment ) الذي يرتكز على مفهوم توراتي يقول(من ليس معنا فهو ضدنا)-هذا النهج ردده بوش الابن, ولم يكن من بنات أفكاره. واعتمدت الصهيونية أيضا منهج ترومان المتمثل في مبدأ القوة ولو تناقضت مع القانون الدولي.لقد قبلت الحركة الصهيونية أيضاً بأن تكون جزءاً مهماً من الاستراتيجية الأمريكية بالنسبة للشرق الأوسط و للمنطقة، وأن تكون أيضاً جزءا من منظومة في مواجهة الخطر الشيوعي(هذا بالرغم من أن الذي تسلم الحكم في إسرائيل إبّانها هي حكومة حزب العمال-وما تفرع عنه فيما بعد من أحزاب) ليس على صعيد الشرق الأوسط فقط،وإنما على الصعيد العالمي.هذه العلاقة تطورت فيما بعد إلى الحد الذي اندمج فيه اللوبي الصهيوني تماماً في الاستراتيجية الأمريكية. أما بالنسبة لمن يحكم الولايات المتحدة من الضروري التأكيد على:أن الرئيس الأمريكي المنتخب وبغض النظر أكان جمهورياً أم ديموقراطياً فهو واجهة للحكم الفعلي في الولايات المتحدة وهو المجمع الصناعي-العسكري-الرأسمالي.وكدليل على إثبات وجهة النظر هذه نورد بالنص الطويل ما ذكره الرئيس الأمريكي أيرنهاور في خطابه الوداعي إلى الأمريكيين مساء يوم 17 يناير من عام 1961 عن خطر هذا المجمع حيث يقول: "علّي أن أقول صراحة أن هناك الآن مجموعة صناعية، عسكرية، مالية، سياسية،فكرية،تمارس نفوذاً غير مسبوق في التجربة الأمريكية،ومع أننا نتفهم الظروف التي أدّت لنشأة هذه المجموعة،فإننا لابد وأن نحذر من استمرار وصولها إلى موقع التأثير المعنوي والسياسي والعلمي على القرار الأمريكي،لأن ذلك يشكل خطراً شديداً علينا قبل أن يكون على غيرنا....ويستطرد....إذا ظل تأثير هذا المجمع على القرار الأمريكي فإن الخطر سوف يصيب حرياتنا،وممارستنا الديموقراطية،وقد يصل إلى حجب الحقائق عن المواطنين والخلط ما بين أمن الشعب الأمريكي وحرياته،وبين أهداف أطراف هذا المجمع ومصالحهم". إضافة إلى ما ورد،فإن المراقب للسياسيتين الأمريكية والإسرائيلية إن بالنسبة لشؤون الشرق الأوسط وبخاصة بالنسبة للتسوية سواء مع الفلسطينيين أو مع العرب, أو بالنسبة للقضايا الدولية،فإنه سيلحظ:تماهياً كبيراً بين الطرفين.هذا لا يعني عدم وجود تعارضات بالنسبة لهذه القضية أو تلك،لكنها ليست التعارضات التي تؤثر على التحالف الاستراتيجي بين الجانبين, وهو تعارض مؤقت بالضرورة.أما بالنسبة لإجبار أيزنهاور إسرائيل على الانسحاب من سيناء في عام 1956 فهو لأن لا بريطانيا ولا فرنسا حينها أبلغت الولايات المتحدة بالهجمة على قناة السويس(بعد تأميمها من قبل الرئيس الراحل جمال عند الناصر).أيضاً فإن أيزنهاور اعتبر توقيت العدوان غير مناسباً،نظر لانشغاله في الانتخابات الأمريكية. ولو دققنا(وعلى سبيل المثال وليس الحصر) في مبدأ"الضربات الاستباقية" لوجدنا أن إسرائيل تتبنى هذا المبدأ الأمريكي في الأساس.كذلك الحال بالنسبة لمبدأ"من ليس معنا فهو ضدنا". جملة القول:أن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل هي: التقاء مصالح بشكل كامل،وليس الأمر أن طرفاً بينهما يتلقى أمراً من الطرف الآخر.والموضوع مطروح للنقاش. تنويه من الموقع : المقال الاول على الرابط التالي http://www.pflp.ps/news.php?id=1501