حول التبعية والتخلف والإسلام السياسي

حجم الخط
إن استمرار هيمنة الفكر الديني السلفي المنغلق عبر تيارات الإسلام السياسي ، على المستوى المعرفي عموماً ، وفي الوعي العفوي الشعبي على وجه الخصوص ، وفي مساحة كبيرة من الإنتاج الثقافي في الوطن العربي ، يعني استمرار فعل آليات التخلف المعرفي كانعكاس للتخلف المجتمعي في واقعنا العربي ، إضافة الى استمرار حالة التبعية التي تعني اننا سنظل - الى درجة كبيرة – محكومين في إنتاجنا المعرفي بكل جوانبه ، الى الفكر الرأسمالي الإمبريالي المعولم والى العلاقات الرأسمالية المشوهه السائدة في بلادنا (وفي بلدان العالم الثالث عموما) ، في مقابل " ندرة الممارسة النظرية الفلسفية في حقل الإنتاج الثقافي ، وهي ممارسة نظرية لا تمتلك حضوراً واسعاً في محيط الثقافة العربية المعاصرة ، بسبب نخبويتهاكما يقول المفكر المغربي كمال عبد اللطيف، ورغم صحة هذا الاستنتاج ، إلا أن هذه النخبة من المثقفين والمفكرين العرب المعاصرين ، استطاعوا إضاءة وتحليل ونقد جوانب هامة من الثقافة العربية السائدة ، واستطاعوا أن يقدموا أفكاراً إبداعية في دعم الرؤية العقلانية العلمانية ونقدهم للتراث في سياق مفهومي الحرية والتقدم ، نذكر منهم الياس مرقص، ياسين الحافظ، اسماعيل صبري عبدالله، حليم بركات، محمد أركون ، نصر أبو زيد ، محمود العالم ، سمير أمين ، مهدي عامل ، محمد الجابري ، هشام غصيب ، عبد العظيم أنيس، نبيل الهلالي، كريم مروه، سلامة كيلة، جاد الجباعي، عبدالله الحريف، ماهر الشريف، هشام جعيط، كمال عبد اللطيف، وغيرهم الكثير. ولكن العقبات التي تحول دون حوارهم معا عبر منبر ثقافي يجمعهم ، ودون انتقال هذه الأفكار من طابعها النخبوي الى الطابع الطليعي الأوسع ، مازالت قائمة . ولعل من أخطر ما يعوق الحوار في فكرنا العربي المعاصر، كما يقول محمود أمين العالم " هذا الالتباس والتداخل وعدم التحديد في كثير من المفاهيم والمصطلحات المتداولة" بين المدارس الفكرية بمختلف منطلقاتها ، خاصة على صعيد المدارس الليبرالية والوضعية والقومية والماركسية حيث أن هذه الأخيرة أصابها حالة من التفكك والضبابية، على صعيد الفكر والتنظيم ، لم تشهدها في كل تاريخها ، وهذه الظاهرة لا تتوقف عند الالتباس والتداخل والتفكك في فصائل واحزاب اليسار العربي فحسب ، وإنما تشير أيضاً الى عجز الواقع العربي وهزاله الشديد في عملية إنتاج المعرفة من جهة ، وفي هذا التداخل المربك ، والإكراهي ، بين المحددات الداخلية لتطور مجتمعاتنا العربية المحكومة بآليات التخلف والتبعية والخضوع ، وبين المحددات الخارجية المتمثلة في طغيان مظاهر ومفاهيم السيطرة والعدوان الرأسمالي الأمريكي / الصهيوني المعولم من جهة ثانية .