حاخامات يدعون إلى إبادة شعبنا

حجم الخط

دعوة الحاخامات إلى قتل الفلسطينيين ليست جديدة بالطبع. لكن أن يدعو حاخام إلى إبادة الفلسطينيين كشعب ربما تكون جديدة في تطور العنف والقتل في الإيديولوجيا «الإسرائيلية» إلى مستويات أعلى ثم أعلى. الغريب، أن دعوة الحاخام كانت علناً ولم تثر للأسف أي رد فعل لا إقليمي أو عالمي! وهذا دليل جديد على أن دويلة الاحتلال وبعد سبعة عقود على زرعها في أرضنا الفلسطينية وفي منطقتنا العربية مسموح لها اقتراف المذابح دون أن يحاسبها أحد. أتصور مثلاً لو دعا أي مرجع ديني إسلامي إلى إبادة كل اليهود ستقوم الدنيا ولن تقعد، أما أن يدعو حاخام أساسي في «إسرائيل» إلى ذلك فهو سيفسر لدى دول كثيرة وعلى رأسها الولايات المتحدة، بأنه دفاع «إسرائيلي» عن النفس! هذه الأسطوانة التي نسمعها وراء كل عملية قتل لفلسطينيين وعرباً، ووراء كل عدوان «إسرائيلي» على إحدى الدول العربية.

الحاخام يتسهار دافيد دودفيتش، يدعو صراحة إلى إبادة كل الشعب الفلسطيني. فهو قد صرّح قائلاً: «إننا أصحاب البيت هنا، لا يوجد محمد، هذه أمة تعيش على حد السيف مقابل أمة تقدم الخيرات للعالم. هم ليسوا شركاء في هذه البلاد، بل هم غرباء تماماً، نحن الذين عدنا إلى البيت بعدل ورحمة. يحق لنا أن نقوم بإبادة هذه الأمة القاتلة».

هذه أقوال صريحة تحرض على إبادة شعب، حسب ميثاق الأمم المتحدة الذي يؤكد «منع ومعاقبة جريمة إبادة شعب».

في تحقيق نشرنه «هآرتس» (الجمعة 16فبراير/‏شباط الحالي 2018) للباحثة البروفيسورة نعمة برزيل (نشرته في كتاب صدر حديثاً بعنوان: «المستوطنون في القلوب» - إصدار الكيبوتس الموحد - للعلم، ساكنو الكيبوتسات يدّعون العلمانية اليسارية) تتناول فيه الباحثة المسيحانية الاستيطانية في المناطق المحتلة منذ عام 1967 وحتى الآن. تبين الباحثة بأن شرعية طرد وقتل الفلسطينيين في المناطق التي احتلت في حرب الأيام الستة كانت موجودة منذ البداية. لكن منظرين في حركة الاستيطان الدينية وغوش ايمونيم بمن فيهم الحاخام تسفي يهودا كوك أطلقوا أقوال (بشكل عام أو بطابع ديني) بأنه لا يجب إعطاء العرب حقوق مواطنة، ويجب تشجيع هجرتهم، وهناك شرعية لقتلهم دون تمييز أثناء الصراع العسكري. معظم الجمهور «الإسرائيلي» لم يلاحظ ذلك في البداية، الآن هذا الخطاب يجري علناً، بل يعتبر مشروعاً يترتب تنفيذه. لذلك يجب عدم الدهشة من الاقتراحات التي تطرح علناً «حل نهائي» لمشكلة الفلسطينيين: بدءاً من ضم المناطق ومروراً بخطة المراحل لعضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش (البيت اليهودي) وانتهاء بالتطهير العرقي وإبادة شعب حسب اقتراح دودفيتش الصريح.

حسب عالم الاجتماع ماكس بيبر، فإنه في الدولة الحديثة، يحق للذين وجدوا أنفسهم فاقدين للقوة التي كانت لهم في السابق من شأنهم تحدي صلاحيات الدولة الكولونيالية التي تغتصب إرادتهم. المستوطنون البيض في إفريقيا وفي وسط أمريكا تصرفوا وكأن استمرار وجود الوطن والإمبراطورية مرتبط بهم وليسوا طارئين على الدولتين! وحسب رأيهم فقد كان لهم بسبب ذلك الحق في تجنيد الدولة لخدمة جميع مصالحهم ونزواتهم. أيضاً بعد إلغاء العبودية حسب القانون الأوروبي، استمر مستوطنون في ألمانيا وفي فرنسا وبريطانيا وغيرها، باعتبار السود في الدول الإفريقية عبيداً، ومارسوا بحقهم الإهانة والسلب والاستغلال الاقتصادي.

وعندما بلغ السيل الزبى رد المواطنون الأصليون بالمقاومة. لذا، طلب زعماء المستوطنات المساعدة من الجيش الذي رد بعنف وقتل عشرات آلاف البشر. الآن تتكرر الصورة في دويلة «إسرائيل» بعد الاستيطان الثاني (إثر احتلال 67) والذي تلا الأول في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي. بدوره، فإن الفيلسوف فرانس فانون أكد ميزة المقاومة ضد الاحتلال والقمع والاضطهاد. «النضال العنيف» حسب فانون هو علاج مهم للمرض الذي سببه الاستعباد الكولونيالي. من جانب آخر، كما أن الأمم المتحدة شرّعت للشعوب المحتلة وفقاً لقرارين واضحين رقم (3034) عام 1972 على «الحق الراسخ للشعوب التي لا تزال رازحة تحت نير الأنظمة الاستعمارية أو العنصرية والأشكال الأخرى للسيطرة في تقرير مصيرها وتحرير أرضها». والقرار الثاني رقم (3314) عام 1974، «وحقها في المقاومة بكافة الأشكال والسبل، بما في ذلك الكفاح المسلح».

نقول ذلك من أجل المزيد من معرفة «إسرائيل» وما يتطور فيها بعد سبعة عقود على إنشائها! وليعرف أكثر هذه الحقيقة ممن يراهنون على ما يسمى ب «حل الدولتين» من خلال «نهج المفاوضات»!