كم الرقص جميلٌ مع امرأة لها ماضِِ!

حجم الخط

"سنرد على الهجوم الكيميائي في سوريا سواء من خلال مجلس الأمن أو من دونه" هذا ما قالته نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة في جلسة مجلس الأمن التي انعقدت في نيويورك 9 نيسان 2018 لمناقشة مسرحية الكيماوي في دوما في الغوطة الشرقية.

ثم نهضت المندوبة البريطانية لتعلن بدورها وبحسم: "لقد وجدت عدة حالات إستخدام كيميائي من قبل داعش والنظام".

لم يتأخر مندوب فرنسا ليرقص على ذات الإيقاع قائلا: "تم إستخدام الكيميائي في دوما بإلقائها في الملاجئ، هذا إرهاب دولة مدعومة من روسيا وإيران، فالمواد المستخدمة من مستوى عسكري ولا تملكه إلا الحكومة السورية".

ثم ومن بعيد أنضمت إسرائيل للكورال فأعلنت والدموع بعينيها: إن سوريا باستخدامها الكيماوي في دوما ارتكبت"جرائم ضد الانسانية".

كم هو "جميل" هذا التناغم في الرقص على إيقاع سيمفونية "الدفاع عن الإنسانية" و "ضحايا الكيماوي" في سورية من قبل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل، فهي دول يشهد لها التاريخ البعيد والقريب كم "ضحت وكم عانت" وهي تدافع عن الشعوب المقهورة والمظلومين في مشارق الأرض ومغاربها... بل وحتى من يعانون في باطن الأرض أيضا.

فتحت راية "The White Man's Burden /حمل الرجل الأبيض" لم تقصر هذه الدول يوما بتحمل "مسؤولياتها الكبرى" والقيام "بواجبها الإنساني "جدا جدا وعلى أكمل وجه ويزيد.

فأمريكا مثلا؛ لم تقصِّر لا في هيروشيما ولا في ناغازاكي وهي تنظف المدن اليابانية من سكانها بالقنابل الذرية، وقبلها لم تقصر أبدا في ممارسة "مسؤولياتها الإنسانية" بتحضير الهنود الحمر من خلال إبادة الملايين منهم بسبب رفضهم هذه المهمة "النبيلة"... وفي الأثناء تحملت أمريكا كل الصعوبات والويلات وهي تشحن على السفن ملايين الأفارقة كعبيد من أجل تحضيرهم في مزارع الرجل الأبيض في أمريكا، وبعدها لم تقصر أبدا بواجبها في فيتنام وقرية "ماي لاي". وهنا بالتأكيد لن ننسى دورها المدهش في "تحرير شعب العراق" حتى لو كان من نتائج هذه العملية استشهاد أكثر من مليون عراقي.. بل إنها اضطرت أن تمسح مدينة الرقة السوريةعن وجه الأرض في سبيل أن يمارس الشعب السوري حريته.. بل إنها حتى قامت بنقل الدواعش بطائراتها وحملتهم بعيدا (يقال إلى أفغانستان وليبيا) حيث سيخضعون لدورات تأهيل وتدريب وبعدها ستستخدمهم كمدربين لحقوق الإنسان من أجل المساعدة في تحضير شعوب كثيرة"متخلفة" في المنطقة والعالم.

أما بريطانيا، فهي الأعرق في تحمل مسؤولياتها التاريخية دفاعا عن الإنسانية وحقوق الإنسان، فقد تحملت المسكينة "عبء استعمار" نصف شعوب الأرض لكي تنقلها من الظلام والوحشية وتعلمها الإتيكيت وفق معايير البلاط البريطاني... بل إنها اقتطعت في 2 تشرين ثاني 1917 جزءا غاليا على قلبها من أرضها وراء القنال الإنجليزي اسمه "فلسطين" لكي تحل مشكلة "الشعب اليهودي الذي بلا أرض" لتقيم له دولة اسمها إسرائيل... وبهذا فإنها قامت حتى بتحمل مسؤولية تنفيذ "وعد الله"...

أما فرنسا... هذه الدولة الديمقراطية والإنسانية جدا فقد تحملت أيضا ما تحملت من تعب وجهد وتضحيات وهي تحاول تعليم الشعب الجزائري أبجديات الحرية والإخاء وتشبعه خبزا وفق شعارات الثورة الفرنسية.. لقد أدت هذه المهمة العالية بكل جد واجتهاد إلى الدرجة التي أضطرت فيها لقتل مليون ونصف جزائري وهي تحاول أقناعهم بأن الجزائر جزء من فرنسا الأم... وذات الشئ قامت به في سورية بعد الحرب العالمية الثانية وفي الكثير من دول إفريقيا، كما أنها لم تبخل بعلمها وحضارتها حين قامت بإهداء إسرائيل مفاعل ديمونا النووي لكي تستخدمه في تطوير بيارات البرتقال وأشجار الزيتون في فلسطين...

تبقى إسرائيل.. هذه بصراحة تفوقت على الجميع في احترام حقوق الإنسان... لهذا فإن معها كل الحق أن تتهم سورية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في الغوطة... معها حق إسرائيل هذه... فهي دولة لا يفوقها أحد في حماية المدنيين واحترام حق الشعوب في تقرير مصيرها... فهي لم تشرد شعبا بكامله من أرضه منذ سبعين عاما لا سمح الله، كما أن أصابع جنودها لا ترتبك وهي تضغط على الزناد أثناء محاولاتهم تعليم الأطفال الفلسطينيين أصول اللياقة واحترام حقوق الإنسان، بل إنها "تضطر" دائما لوضع بضعة آلاف منهم في الزنازين لكي يتعلموا الأدب ... كما أنها اضطرت "مكرهة" لاستخدام بعض القسوة أو كما يقولون بعض "القوة المفرطة" لكي يتعلم الشعب الفلسطيني الهمجي أصول الحضارة.. حدث هذا في دير ياسين وكفر قاسم والقبية وفي غزة وفي كل مكان عاند فيه الفلسطينيون رغبة إسرائيل في "تحضيرهم" ونقلهم من مجتمع متوحش إلى شعب حضاري.. وبالمناسبة هذه العملية "الإنسانية التحضيرية التنويرية" لا تزال إسرائيل تقوم به حتى اللحظة وبكل أمانة.. فكان آخرها محاولاتها تعليم أبناء غزة بديهيات السلوك الإنساني.. إلى الدرجة التي اضطرت معها لقتل بعض العشرات منهم... وهذا بالطبع مفهوم ومقبول تماما كآثار جانبية لعملية التحضير الجارية.

باختصار كلمات مندوبي أمريكا وبريطانيا وفرنسا في مجلس الأمن ومعهم من بعيد إسرائيل... لم تأت من فراغ... إنها كلمات تواصل تأدية رسالة الرجل الأبيض في تحضير وأنسنة وتأديب الشعوب الأخرى... فهذه الدول كما يقول التاريخ وكما تشهد الجغرافيا لها ماضٍ عريق في "الدفاع عن الإنسانية والحرية والاستغلال ومواجهة الظلم والقهر ونشرالديمقراطية وزرع بقاع العالم بقيم ومبادئ حقوق الإنسان".

ما تقدم يذكرني بجورج برنارد شو... حين طلب من سيدة أن تراقصه، فاعتذرت، ولما سألها عن السبب قالت:

ـ إنني لا أرقص إلا مع الرجل الذي له مستقبل!

فابتسم وسكت.. عندها سألته:

ولماذا تريد أن ترقص معي بالذات؟!

أجابها:

لأني أحب أن أرقص مع امرأة لها ماضٍ!

نعم ونحن ايضا في فلسطين وسورية والعراق واليمن ولبنان وفي كل المنطقة، ومعنا روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا والكثير من شعوب أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا نحب أن نرقص أيضا... فالرقص جميل جدا مع دول لها ماضٍ... إذن هيا لنرقص!