إعدام عميل: ماذا بعد

حجم الخط
صعقت عندما اطلعت على شريط لاعترافات عميل فلسطيني تم إعدامه ميدانية على يد كتائب شهداء الأقصى التي سربت اعترافات ذلك العميل لبعض وسائل الإعلام. كانت انتفاضة الأقصى في ذروتها، وكنت اعمل في مدينة الخليل، لم أفاجأ بالتفصيل، لكنني دهشت من رد العميل قبيل لحظة الإعدام بالرصاص عندما طلب الملثم من العميل التوبة، كانت الإجابة لا آنا مقتنع، أطلق على هذا العميل الرصاص وطويت صفحته. بصراحة لم يراودني أي شعور عندما شاهدت إعدام عميل عبر الشريط، وهذا الشعور عشته مرة أخرى في بيت لحم عندما اتصل بي احدهم لتصوير جثة عميل اعدم والقي بجثته في بيت ساحور، تحركت وزملائي الصحفيين لأننا أحيانا نكون ضحية صحافة الإثارة أو لنقل الحدث كما هو، شاهدت العميل ملقى على الأرض قمنا بتصويره والتساؤلات التقليدية تنهال على الرأس كالمطرقة لماذا؟؟؟ السؤال الكبير الذي يطرح نفسه في هذه القضية لماذا؟؟؟؟ لكن التعامل مع العدو قديمة بقدم العنف البشري واحتلال الشعوب للسيطرة على مقدراتها الاقتصادية والثقافية والتراثية، ومن المجدي في هذا الإطار الابتعاد عن الطرح التبريري كأن نقول أن الفقر سبب رئيس من مسببات الارتباط بالعدو!!!! أو أن ضعاف النفوس والأساليب التوريطيه لمخابرات الاحتلال للشباب الفلسطيني وذلك خلال التحقيق معهم. كل ما سبق صحيح، ولكن هو نتيجة وليس سبب، وليس صعباً أن نشاهد من نفس البيئة الفقيرة السجين والعميل والشهيد، وقد تكون قضية القيادي الفلسطيني حسن يوسف الذي ارتبط ابنه مع الاحتلال مؤشر واضح على الحالة التي نعيشها حيث استهداف القيادات الفلسطينية والبيوت الوطنية. إن غياب العامل الثقافي والمواطنة التي نختصرها بالحقوق والواجبات والمساواة وغياب قوة المثل عامل رئيس على الاختراق النوعي لشعبنا، ولا يمكن الحديث عن المواطنة التي تشكل اعتزاز الشعوب بتاريخها دون الحديث عن البعد الثقافي الغير مسطح الذي يفترض أن يتلقاه شبابنا، ولا اعتقد آن عمليات التطبيع بالجملة والتعاطي بعادية مع الإسرائيليين تحت شعار الواقعية الجديدة يساعدنا في اجتثاث هذه الآفة القديمة الجديدة؟ نحن أمام منظومة ممارسات ضاغطة ثقافياً ونفسياً على الشباب الفلسطيني، مع العلم ان لا مبرر لان يرتبط أي إنسان بالاحتلال، ونحن في هذا الصدد لا نغرق في الطرح التبريري وإنما اتخاذ أسباب الوقاية من قبل كل أطياف المجتمع الفلسطيني الذي يعيش بحق فراغ ثقافي ساعد على تسلل أمراض خطيرة وعلى رأسها الفساد لمجتمعنا الذي لا زال يعيش حالة الصراع من اجل تقرير المصير. علينا أن نعترف أن حقبة أوسلو رسخت أمراض لا يمكن القفز عنها، ولا يمكن غض النظر عن الارتداد التي أحدثتها هذه الأمراض، ويعتبر غياب المواطنة حتى عند النخب التي أصبحت تفتش عن الخلاص الذاتي عامل رئيس في تعميق الإحباط عند الشباب، والإحباط مقدمة حقيقية للانهيار ألقيمي والفكري، وأنا لا استوعب أن بخرج علينا مجموعة من الاقتصاد الفلسطينيين ليستثمروا بحوالي خمسة مليارات دولار في المستوطنات وشعبهم يجوع دون نتائج سلبية. لا استوعب أن تخرج علينا نخب فلسطينية لتعلن تنازلها عن الثوابت وشطب التاريخ الفلسطيني دون إحداث نتائج غير مسبوقة على شباب حلم بمستقل ضاع في خضم التكالب على السلطة. لا استوعب أن يُشغل الفلسطيني عين على الفلسطيني، ولا استوعب التوظيف على الهوية السياسية، ولا استوعب امتهان كرامة المواطن الفلسطيني من قبل الفلسطيني دون رد فعل اقلها الإحباط، لا استوعب آن عمليات الكذب على الفلسطينيين من قبل القيادات الوطنية لن يكون لها ارتدادات تتمثل بالغربة في الوطن. لا استوعب أن يلقى بالوطنيين على الرصيف من اجل عيون الفلسطيني الجديد الذي ندجنه لسواد عيون أمريكا، ولا استوعب عمليات السحل في الشوارع وفتح الزنازين للوطنيين الفلسطينيين وخوف الفلسطيني من الفلسطيني وليس العكس. لا استوعب أن يحرق ثلاثة أطفال في غزة ونعلن أنهم شهداء، نحن لسنا بحاجة إلى المزيد من الشهداء الذين نضحي بهم بشكل مجاني! ولا استوعب أن نعلن ليل نهار عن حقوق الانسان وحرية التعبير وخلقنا من كل مواطن عميل اخضع نفسه لرقابة ذاتية غير مسبوقة! اعدم عميل في قطاع غزة، ولا اعتقد أن القارئ يختلف معي أن في وسطنا جيش من العملاء، ولا انتقد الحكومة المقالة على إجراءها هذا لان للوطنيين حقوق على شعبهم ومقاومتهم، لكن السؤال الذي يفترض أن يقلق النخب الوطنية الفلسطينية، كيف يمكن اجتثاث ما يمكن من هذه الآفة المجتمعية، وهل الخطاب المنسجم وعدم تشويه مجتمعنا بالخطاب التضليلي والزج بقطاع الشباب في الشارع يساعد على الحد من هذه الظاهرة؟ وهل إعادة الاعتبار للثقافة والمواطنة الفلسطينية وعزيز الشعور الإنساني والوطني عند الشباب يساعد على الحد من هذا المرض؟ أسئلة غير كاملة ضحية حلقة مفرغة من الأداء تطرح على الذي يمتلك الإجابة، اعدم العميل وماذا بعد؟ وأحيانا يتساءل المرء هل حالنا في أداءنا كمن يطلق الرصاص على قدميه؟ شكرًا للذين أنصفوا الشهداء الذين ذبحتهم العيون التي استوطنت في عالمنا، المجد لمن تناثر لحمهم وفتت أجسادهم رصاص الاحتلال لأنهم حلموا بوطن كبقية شعوب العالم.