الفجوة الهائلة بين الأثرياء والمحرومين (12-18)

حجم الخط

إن »الفجوات بين الطبقات الثرية والميسورة والمحرومة، تزداد اتساعا وعمقا، وفي ظل هذه البنية الطبقية الهرمية التي تحتكر فيها القلة السلطة وثروات البلاد، وتشغل الطبقة الوسطى وسط الهرم، وتتكون القاعدة من غالبية السكان (الجماهير الشعبية الفقيرة)، يعاني الشعب حالة تبعية داخلية شبيهه بالتبعية الخارجية ومتممة لها، فتمارس عليه وضده مختلف أنواع الاستغلال والهيمنة والقهر والإذلال اليومي«(1).

وفي ظل هذه الأوضاع أو السمات الاجتماعية »يعيش الإنسان في المجتمع العربي على هامش الوجود والأحداث لا في الصميم، مستباحاً معرضاً لمختلف المخاطر والاعتداءات، قلقاً حذراً باستمرار من احتمالات السقوط والفشل والمخاطر، تحتل السلع والمقتنيات والاهتمامات السطحية روحه وفكره، يفكر، لكن ليس بقضاياه الأساسية أو العامة، ينفعل بالواقع والتاريخ أكثر مما يعمل على تغييرهما، إنه إنسان مغَّرب ومغترب عن ذاته، ولأن إمكانات المشاركة نادرة وضيقة، فهو لا يجد مخرجاً سوى الخضوعِ أو الامتثالِ القسريِّ أو الهرب«(2).

هذا التعميم في وصف حياة الإنسان العربي، والقريب من الواقع الى درجة كبيرة، تكمن قيمته –من وجهة نظر موضوعية- في تحفيز القوى القومية التقدمية العربية لدراسة واقعها الاجتماعي ومسار تطوره الاجتماعي وخصوصياته التي اختلفت من حيث النشوء التاريخي للشرائح والفئات الرأسمالية بين هذا القطر أو ذاك، ولكن هذا الاختلاف في ظروف النشأة لهذه الشرائح ومنابعها وجذورها، لم يعد قائما في لحظة معينة من التطور المعاصر للبلدان العربية، الذي بات متشابها الى حد كبير في هذه البلدان كافةً.

فعلى الرغم من الاختلاف في ظروف النشأة التاريخية للشرائح الرأسمالية العربية العليا وتباين أشكالها كما يقول د.محمود عبد الفضيل »حيث نشأت في مصر من أصول زراعية وإقطاعية واضحة، بينما نشأت في سوريا عبر ارتباطها أساسا بالتجارة في المناطق الحضرية والمدن الكبرى، وفي السودان ارتبطت نشأتها بنمو التجارة القافلية البعيدة المدى في أفريقيا، ونشأت في العراق من تداخل التجارة والإقطاع معاً«(3)، إلا أن »تزاوج رأس المال الأجنبي مع الدولة الكولونيالية، وكذلك مع دولة »ما بعد الاستقلال«، لعب أدواراً مهمة في تسهيل عمليةِ نموِّ البورجوازيات المحلية في معظم البلدان العربية وتوسّعِها، الى جانب الدور الهام الذي لعبه رأس المال الأجنبي تاريخياً، »ورأس المال الدولي« حديثاً، خاصة فيما يعرف بحقبة البترودولار، التي شكلت العنوان الأبرز لتبلور العلاقات البرجوازية المشوهة، وكل هذه العوامل هيأت الظروف الموضوعية لنشأة جناح مهم (وخطير) من أجنحة الرأسمالية العربية، المعروف بجناح »البورجوازية الكومبرادورية«(4) التي بات التداخل بينها وبين أجهزة الدولة البيروقراطية –في كل بلدان النظام العربي-، وثيقاً وعضوياً الى درجة أن بعض التحليلات تقول بظهور »الدولة الكومبرادورية«، التي تحكمها »بورجوازية الصفقات« أو اقتصاد المحاسيب والأقارب أو ما أطلق عليه الاقتصادي الإنجليزي المعروف »جون ماينارد كينز« »اقتصاد الكازينو« في إشارته الى الفساد الذي ساهم في تفجير الأزمة الرأسمالية العالمية عام 1929. ..... يتبع

1- د.حليم بركات –المصدر السابق- ص24.
2- 
د. هشام شرابي-البنية البطريركية-سلسلة السياسة والمجتمع-دار الطليعة-بيروت-1987-ص30.
3- 
د.محمود عبد الفضيل –مصدر سبق ذكره- ص137/138.
المصدر السابق – ص140