المصالحة وتعطيل قضايا الوطن

حجم الخط
يرى كثيرون أن التصدي لقضايا وطنية فلسطينية مرتبط بإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية كشرط هام لإنجاح أي فعل فلسطيني، وهذا صحيح لكن هذه المصالحة لا تزال تراوح مكانها، وتدار من قبل حركتي "فتح" و"حماس"، وباتفاق غير معلن بينهما على ادارة هذا الانقسام وليس انهاءه، ولكل طرف منهما أسبابه لعدم التقدم للأمام لاستعادة الوحدة، فمن جهة الرئيس محمود عباس يتعامل مع المصالحة كورقة دعم لمشروعه السياسي، ولشد حماس والقوى الأخرى لهذا المشروع، خصوصاً بعد أن شجعه رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل في أكثر من مناسبة على ذلك عبر اعلانه الاستعداد للاقتراب من برنامج أبو مازن، وهو ما فتح شهية الأخير لاستمرار الضغط على حماس حتى تقترب أكثر من مشروع أبو مازن. مشعل بدوره، يقدم هذه التنازلات ارتباطاً ببروز دور الاخوان المسلمين في مصر وبعض الدول العربية، ورغبة الاخوان في تقديم سندات اعتماد لدى الادارة الاميركية لكي يكونوا مقبولين في النظام الاقليمي، وأهم هذه الأثمان هو تليين موقف حماس، خاصة أن مشروع حماس الاستراتيجي هو مشروع الدولة الاسلامية وليس الدولة الوطنية المستقلة، على رغم أن حماس وافقت على وثيقة الاستقلال التي تنص على المشروع الوطني الفلسطيني عام 2006، الا ان هذه الموافقة ليست أصيلة. كما أن حماس غير مستعجلة للتوصل للمصالحة لأنها تنتظر التغيرات التي تجرى في مصر بالذات وبعض الدول العربية، وتعتقد حماس واهمة أن هذه التغيرات ستكون لصالحهما، كما أن حماس تهدف من المصالحة إلى وجود شرعي لها في منظمة التحرير الفلسطيني وهي كذلك غير مستعدة لتقاسم الحصص في المنظمة مع فتح بعيداً عن الانتخابات لاختيار ممثلي الشعب الفلسطيني، كما ان حماس غير مستعدة أن تتخلى عن نفوذها في غزة فالمصالحة بالنسبة لكليهما تعنى استمرار نفوذ فتح في الضفة وحماس في غزة، وهذا أحد مظاهر الاتفاق بينهما على ادارة الانقسام وليس انهاءه، والمؤشر على هذا التوجه ان اتفاق الدوحة أسقط هدف توحيد المؤسسات الفلسطينية من اهداف الحكومة المؤقتة المنوي تشكيلها، وحدد مهمة الحكومة في اعمار غزة واجراء الانتخابات بما يعني استمرار الوضع على ما هو عليه في غزة والضفة. هذا بالاضافة الى عدم رغبة كل من عناصر فتح وحماس وقياداتهما بالتخلي عن المنافع الفئوية والشخصية التي حققها كل منهما من وراء الانقسام. اذا كان هذا الحال من قبل فتح وحماس فالمصالحة بعيدة، خاصة وأن قوى اليسار، البديل المحتمل لكليهما، لم تتمكن من القيام بفعل جاد لإنهاء هذه الحالة، كما أن الحالة الشعبية الجماهيرية في حالة انتظار ولوم للقوى السياسية كافة وغير جاهزة بعد للتحرك الفاعل للضغط لإنهاء الانقسام. اذاً كان الوضع كذلك، هل علينا كوطنيين فلسطينيين تعليق كل فعلنا المناهض للاحتلال والمطالب بالحرية والعدالة والديموقراطية الى حين اتمام المصالحة التي ليس في الأفق أي اقتراب نحو اتمامها، جوابي لا، علينا أن نتحرك لمعالجة بعض القضايا الوطنية حتى في ظل هذا الوضع الذي أدرك جيداً أنه يشكل عقبة حقيقية نحو أي فعل وطني، لكن هذا الادراك والحقيقة يجب ان لا تمنعنا من معالجة القضايا الوطنية المحددة، وقد يكون العمل على بعض هذه القضايا الرئيسة عامل مساعد في لحلحة ملف المصالحة. إننا كشعب فلسطيني نواجه احتلال بغيض يحتل أرضنا ولا يعترف بحقوقنا ويمارس بحقنا كل أشكال القمع والبطش، وهو ما يتطلب العمل أولاً على وقف المفاوضات التي تجري بين الرئيس أبو مازن واسرائيل. إن هذه المفاوضات بعينها ضارة في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، كما ان الاستمرار بها بهذا الشكل سيلحق ضرراً إضافيا بنضال شعبنا، ففي ظل هذه المفاوضات يستمر العدو في احتلال أرضنا، والتوسع في عملية الاستيطان، واستمرار عدوانه على شعبنا الى حد الهجوم أكثر من مرة على مدن مختلفة في الضفة الغربية، كذلك فقد تم في ظل هذه المفاوضات الهجوم العدواني الشرس على غزة في عام 2008، وفي ظل هذه المفاوضات ها هو العدو الصهيوني يصعد مطالبه من المفاوض الفلسطيني، فها هو يضغط على المفاوض الفلسطينيين للاعتراف بيهودية الدولة، كما يستمر في ظل هذه المفاوضات التنسيق الأمني واعتقال المقاومين ومحاولة اجتثاث فكرة المقاومة وبنيتها. إذاً فإن هذه المفاوضات هي كما قلنا سابقاً عبثية وضارة ورغم أن الرئيس أبو مازن أعلن أكثر من مرة أنه لن يعود للمفاوضات إلا بوقف الاستيطان (ولو لفترة مؤقتة) وتحديد مرجعية هذه المفاوضات، ورغم أنه توجد قرارات في المجلس المركزي واللجنة التنفيذية بهذا الصدد إلا أن الرئيس أبو مازن لم يلتزم بقرارات المنظمة ولا بما صرح به هو شخصياً. بناءً على ما تقدم ما هو الموقف الذي يجب أن نتبناه ونناضل من أجله ومحاولة تحشيد أوسع إجماع فلسطيني عليه، خاصة وأن هذا الموقف أضحى موقفاً فلسطينيا مجمع عليه تقريباً، مما يسهل عملية التحشيد للموقف التالي: - إيقاف كل هذه المفاوضات العبثية والضارة. - إعادة ملف القضية الفلسطينية إلى الامم المتحدة ومطالبتها بإنفاذ قراراتها التي تنصف الشعب الفلسطيني. - فتح كل الخيارات المتاحة امام الشعب الفلسطيني لاستئناف نضاله حتى نيل حقوقه. وعندما نقول التوجه لمجلس الأمن، والجمعية العامة وكل مؤسسات الأمم المتحدة لاستصدار قرارات ضد الاحتلال، وبطشه وعدوانه وانتهاكه لحقوق الانسان واستمرار استيطانه، فإننا نقصد يكون هذا التوجه ضمن خطة مبرمجة وجادة في إدانة إسرائيل وحليفتها أمريكا، ويكون هذا التوجه جزء من معركة ديبلوماسية ضد الاحتلال ومن يدعمه، كل هذا يجب أن يكون مقروناً بمعركة شعبية تشمل العرب ودول الإقليم وكل حركات السلام في العالم لدعم مطالب الشعب الفلسطيني العادلة، مع الإدراك أننا أثناء معركتنا الديبلوماسية هذه يجب أن نكون دوماً متمسكين بثوابتنا الوطنية، هذه المعركة الدبلوماسية بديلاً عن المحاولات الاستعمالية لهذا التوجه. القضية الثانية، التي لا يجب أن نقبل برهنها بحالة الانقسام الداخلي، هي حق شعبنا في ممارسة كل أشكال المقاومة ضد الاحتلال، فالبديهية الأولى أننا شعب محتل ويجب علينا مقاومة هذا الاحتلال كخيار رئيسي لدحره، وتحقيق أهدافنا في الحرية والاستقلال، بعد ذلك يأتي السؤال الذي علينا الإجابة عليه حول ما هي أشكال هذه المقاومة؟ وكيف نجعل هذه المقاومة أكثر نجاعة في إيذاء العدو وتقليل خسائرنا؟ وما هو تكتيك المقاومة المناسب الذي يجب أن نتبعه، بمعنى أين ومتى وكيف نقاوم؟ وفي صلب هذه المقاومة، يأتي شكل المقاومة المسلحة، فلا خلاف بين الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني منذ الغزو الصهيوني لفلسطين على أن المقاومة المسلحة هي شكل رئيسي من أشكال مقاومة الاحتلال، ولقد مارس الشعب الفلسطيني هذا الحق المشروع دولياً، ونقول أنه آن الأوان لمراجعة جديدة لأساليب وتكتيك المقاومة على أساس أنها حق وواجب، فهذه المقاومة يجب أن تكلف الاحتلال أثمان احتلاله لأرضنا وتنكره لحقوقنا، ما يستوجب أولاً تشكيل قيادة موحدة للقوى المقاومة حتى تحدد تكتيك المقاومة، ولا يكون هذا الأمر مناط بهذه الحكومة أو بتلك، أو بهذا التنظيم أو ذاك، بعد ذلك على المقاومة أن تعمل بسرية وبشكل جدي، بما يؤدي الى عدم كشف بنية المقاومة للعدو أو حتى للأجهزة الامنية التابعة لهذه الحكومة أو تلك. أما المقاومة الشعبية وهي شكل نضالي جاد من أشكال المقاومة، التي جربها شعبنا طويلاً خاصة في السنوات الأولى من الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987. إن هذا الشكل يستوجب إشراك كل قطاعات الشعب الفلسطيني به وأن تكون المقاومة الشعبية مقاومة جادة وليست عملاً موسمياً تلفزيونياً فقط، وأن تؤدي هذه المقاومة الشعبية إلى إحراج العدو وتبيان مدى قمعه لنا امام الرأي العام العالمي. وهذا يستوجب وقف اللقاءات مع العدو ومصافحته وهو يقمع شعبنا بهذه الشراسة، والتوقف عن كل المحاولات السرية والعلنية للتعامل مع العدو بعيداً عن الإرادة الشعبية الحقيقية ومواقف الإجماع الوطني، كما أن المقاومة الشعبية تستوجب المقاطعة الحقيقية الاقتصادية والثقافية لعدونا الإسرائيلي، والتوقف عن كل السلوكيات من بعض الفلسطينيين لضرب هذه المقاطعة مثل التطبيع العلمي أو الثقافي أو الاقتصادي، كل ذلك يعزز التضامن الشعبي العربي والعالمي مع هذه المقاومة. وثالث هذه الأشكال من المقاومة هي المقاومة الدبلوماسية والسياسية كما أسلفنا من قبل. إن نجاح كل أشكال المقاومة هذه يستوجب ايفاء كل عناصر الدعم والصمود لأبناء شعبنا ومقاومته، فهذا الدعم يستدعي مكافحة كل مظاهر الفساد، والإسراف ودعم لفئات الفقيرة والمهمشة إضافة إلى توقف كل أعمال القمع وانتهاك الحريات للمواطنين ومنعهم من التحرك والتعبير عن رأيهم إلا حسب هوى حكومة غزة أو رام الله، فمن يقمع شعبه ويعتقله غير مؤهل لقيادة نضاله الوطني من أجل الحرية والاستقلال. ومن المواضيع الهامة والرئيسية التي يجب أن نتصدى لها في ظل هذا الانقسام هو إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، فنقول أن المنظمة هي احدى النتائج الإيجابية لنضالات وتضحيات الشعب الفلسطيني في معركة التحرر وهذه المنظمة هي التي تمثل وحدة الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات وهي الإطار الجبهوي الذي يقود نضال الشعب الفلسطيني لتحقيق أهدافه في الحرية والاستقلال، لكن الحفاظ على هذه المنظمة كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني يستوجب ما يلي: - إعادة الاعتبار لبرنامج المنظمة التوحيدي التحرري وإزالة كل الشوائب التي علقت به خاصة بعد مسيرة أوسلو ومدريد وما تلاهما. وهذا يستوجب حوار وطني فلسطيني جاد للاتفاق على برنامج الحد الأدنى الفلسطيني الذي نلتزم به جميعاً ولا نتجاوزه. - إن دمقرطة منظمة التحرير الفلسطيني هي أحد أهم الوسائل للحفاظ عليها كممثل للشعب الفلسطيني وهنا يجب علينا انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني في الوطن والشتات بالتمثيل النسبي الكامل حتى يكون هذا المجلس معبراً عن كل قطاعات الشعب الفلسطيني. - ثم علينا أن نقوم بعملية إصلاح إداري جدي لكل مؤسسات المنظمة، إصلاح ينهي كل أشكال الفساد والمحسوبية والفئوية والتكلس، ويجب أن تكون المنظمة مؤسسة فاعلة تتعامل مع كل قطاعات الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات. - كما يتوجب علينا إنهاء تبعية المنظمة للسلطة الفلسطينية - خاصة التبعية المالية – لصالح استعادة استقلالية منظمة التحرير المالية. قد تكون الانجازات الممكن تحقيقها في هذه القضايا في ظل استمرار الانقسام جزئية أو محدودة لكن يجب أن ندرك أن مجرد رفع هذه القضايا والتحريض من أجلها يبقي جذوة الفعل الوطني الفلسطيني المناهض للاحتلال متقدة في اطار صراعنا الطويل لنيل حريتنا واستقلال شعبنا. • عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين