بيان سياسي صادر عن المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

بيان سياسي

صادر عن المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

عقد المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سلسلة اجتماعات في الأيام الماضية، توقف خلالها أمام العديد من القضايا والملفات على الصعد الدولية والعربية والفلسطينية.

على الصعيد الدولي، رأى خطورة السياسات العدوانية للإدارة الأمريكية، حيث تعمل وبكل طاقتها وقوتها على أن تبقى الولايات المتحدة قوةً أولى ومهيمنة على النظام الدولي، دون أن ينافسها أو يهددها أحدٌ على هذا الموقع؛ من خلال شن حروبها المختلفة في أربِعة أرجاء الأرض، أبرزها في الوقت الحالي ضد فنزويلا وإيران والصين وروسيا، ومنها على نحوٍ أشدّ الحرب الاقتصادية وأحد أدواتها فرض الحصار عليها، في محاولة منها لإضعاف وتقويض هذه الدول من الداخل على طريق الحد من قدراتها وتطلعاتها، أو تحييدها عن منافستها، أو جعلها تدور في فلكها أو إسقاطها من الداخل.

ولقد أثبتت مجمل تجربة الإدارات الأمريكية السابقة والحالية برئاسة ترامب على وجه الخصوص، بأنها لا تقيم وزنًا لا من قريب أو بعيد إلى الأمم المتحدة ومجلس أمنها، ولا لشرائع وقوانين ومواثيق دولية، ولا للاتفاقيات بين الدول، وعبرت عن ذلك من خلال انسحابها من العديد من تلك الاتفاقيات من طرف واحد، وضربها للكثير من القرارات الأممية المتعلقة بحقوق الدول وسيادتها عرضَ الحائط، وكل ذلك يأتي في سياق تأكيد الشعار الذي أطلقه ترامب "أمريكا أولًا".

وفي مواجهة هذه السياسة العدوانية، التي يؤكد المكتب السياسي للجبهة على إدانته لها، وعلى حق الشعوب والدول المستهدفة في مواجهتها حفظًا لحقوقها وسيادتها وثرواتها وتقرير مصيرها بيدها، وعلى تضامنه الكامل مع الشعوب والدول التي تستهدفها السياسة العدوانية الأمريكية تلك، ووقوفه الكامل إلى جانبها، تتطلب من القوى والأحزاب التقدمية والديمقراطية في العالم إلى اتخاذ مواقف مشتركة لمواجهة هذه السياسة الإمبريالية العدوانية.

وفي السياق ذاته، وجه المكتب السياسي التحية والتقدير للموقفين الروسي والصيني، الداعميْن لشعبنا وحقوقه المقرّة من قِبل الشرعية الدولية، في الدولة وتقرير المصير.  

أما على الصعيد العربي، حذر من التداعيات الخطيرة الناجمة عن واقع النظام الرسمي العربي الذي يمر بأضعف حالاته، والمرشح للتفكك والانهيار من داخله، بفعل الصراعات والانقسامات والتجاذبات الكبيرة بين أقطابه المختلفة؛ مما يعني بقاء هذا النظام في حالة من التآكل الداخلي على طريق التفكك؛ وتزداد الخطورة مع حجم وطبيعة التدخلات والمهددات الدولية والإقليمية، التي تعمل على استمرار استنزاف ثرواته ومقدراته ومصالح ووحدة شعوبه، ويبرز ذلك من خلال: سوء العلاقات الداخلية، والحروب البينية، وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ومصادرة الحريات الشخصية والعامة، وانتشار التنظيمات الإرهابية والقوى المتطرفة، والفوضى وغياب الأمن، والانقسامات المذهبية والطائفية والإثنية، وغيرها من المخاطر الجدية التي تهدد النظام العربي ككل، وكذلك كل دولة على حدة.

في ضوء هذا الواقع، وفي ظل تراجع الدول المركزية على صعيد الوطن العربي، برز الدور الفاعل لدول الرجعية العربية، الخاضعة والتابعة للإمبريالية الأمريكية، وعلى وجه الخصوص بعض أنظمة الخليج التي تشن حربها العدوانية ضد اليمن ودول عربية أخرى، وتعمل باستمرار على إذكاء الصراعات والانقسامات ودعم قوى الإرهاب والتطرف في المنطقة، جنبًا إلى جنب مع فتح الأبواب لنسج علاقات سرية وعلنية مع الكيان الصهيوني، وتطبيعها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا وثقافيًا ورياضيًا وإعلاميًا..إلخ؛ على طريق تشريع هذا الكيان ووجوده على الأرض العربية الفلسطينية، وبما يخلق أرضية مناسبة لتنفيذ ما يسمى "صفقة القرن"، يكون الأساس فيها تصفية حقوق شعبنا وتطلعاته في الحرية والعودة والاستقلال والدولة المستقلة وعاصمتها القدس.

كما تزداد الخطورة من خلال حرف الصراع عن بوصلته الرئيسية مع العدو الصهيوني وذلك من خلال "شيطنة" قوى المقاومة الفلسطينية والعربية، مرورًا بضرب فكرة المقاومة ذاتها وجدواها في التعامل مع المشروع التصفوي الصهيوني الأمريكي الذي يواجهه الوطن العربي، وبما يكرس ذهنية ومقولة "حتمية الهزيمة"، وصولًا إلى اعتبار إيران هي العدو وليس الكيان الصهيوني الذي يحتل أرضنا ويشرد شعبنا ويسرق ثرواتنا ويهدد كامل منطقتنا.

وفي مواجهة هذا الواقع العربي، يؤكد المكتب السياسي أنه لا خيار أمام القوى الوطنية والقومية العربية التقدمية وقوى المقاومة كافة، سوى أن تسارع للتوحد والتكتل في جبهة عربية واحدة، لمواجهة القوى الرجعية التي تقدم مصالحها الشخصية والطبقية الخاصة على مصالح وتطلعات شعوبنا العربية، وصوغ برنامجٍ واضحٍ وجديٍّ لمواجهة أشكال التطبيع كافة والقائمين عليه، ولتعزيز أشكال مقاومة ومقاطعة الكيان الصهيوني على مختلف المستويات. وفي السياق هذا، يتوجه المكتب السياسي للجبهة بالتحية والتقدير إلى الشعبين السوداني والجزائري، الثائريْن من أجل الحرية والتغيير والديمقراطية والعدالة والمساواة في بلديهما، وتحقيقهما إنجازات مهمة على هذا الطريق، محذرّا القوى الشعبية الثائرة في هذين البلدين الشقيقين من كل المحاولات الهادفة إلى الانقضاض على ثورتيْهما بثورة مضادة كما حصل فيما سُمي بثورات "الربيع العربي". كما يتوجه المكتب السياسي بالتحية والتقدير لكل قوى المقاومة والممانعة في المنطقة، وخاصة سوريا وإيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية، على مواقفها الرافضة للرضوخ لمشيئة الإدارة الأمريكية، ومواجهتها للمشروع الهادف إلى إخضاع المنطقة كاملة لغاياته وأهدافه، ويؤكد بأن الموقف الموحد لهذه القوى والعمل بموجبه سيشكل سدًا منيعًا أمام هذا المشروع واستهدافاته.

كما يثمن المكتب السياسي موقف مصر وشعبها الشقيق الرافض لما أعلن أمريكيًا حول اقتطاع جزء من أراضي سيناء لإقامة دولة للفلسطينيين عليها، وكذلك موقف الأردن وشعبه الشقيق الرافض لصفقة القرن، ولفكرة الوطن البديل والتجنيس للفلسطينيين اللاجئين على أرضه، والبناء على ذلك في التصدي الجمعي لصفقة ترامب ولكل المحاولات الأمريكية التي تعمل على الدفع بمصر والأردن لتكونان جزءًا منها.

أما على الصعيد الفلسطيني، رأي المكتب السياسي أن القضية الوطنية وحقوق شعبنا باتت تتعرض لخطر التصفية أكثر من أي وقت مضى، وذلك في ضوء بيئة النظام الدولي المُهيّمَن عليه أمريكيًا والمُتبني كليًا للمخططات والسياسات الإسرائيلية، وطبيعة بيئة وبنية النظام الرسمي العربي واتجاهاته الرئيسية المُشخّصَة في المرحلة الحالية، مع استمرار حالة الانقسام والصراع فلسطينيًا، وفي ضوء بدء تطبيقات ما يسمى "صفقة القرن" التي طالت (قبل إعلانها) الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، واستهداف قضية اللاجئين والأونروا، ودعم الكيان الصهيوني لضم أكبر مساحة ممكنة من أراضي الضفة الغربية، على غرار ضم الجولان العربي السوري. عدا عن دعمه في التنكر للحقوق الفلسطينية، وتجاهل الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني، والتوسع الاستيطاني في أراضي الضفة والعدوان على مدنها وقراها قتلًا واعتقالًا وهدمًا لمنازلها، وتسريع وتائر تهويد القدس ومحاولة تفريغها من أكبر عدد من سكانها الفلسطينيين، واستمرار حصار قطاع غزة، ومحاولة فصله التام عن الضفة، والاستفراد به وتصعيد العدوان بحقه كما جرى في العدوان الأخير عليه، الذي أوقع عشرات الشهداء والجرحى بالإضافة إلى الخسائر المادية الكبيرة.

إن تصاعد وتائر العدوان على وقع المشروع الصهيوني الأمريكي التصفوي المسمى "صفقة القرن"، لا يمكن مواجهته باستمرار الانقسام والتنكر للمصالحة وضرورة الوحدة؛ فليس هناك أهم من مواجهة هذا الخطر الداهم، من خلال معالجات جدية ترتقى لمستوى مشروع التصفية الذي تتعرض له قضيتنا الوطنية، والمسؤولية التاريخية إزاء ذلك، والملقاة على عاتق كل القوى السياسية والمجتمعية الفلسطينية، تتطلب من الأخ الرئيس محمود عباس على وجه الخصوص الإسراع في دعوة لجنة تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية لعقد اجتماع عاجل لها؛ تتوقف خلاله أمام المشروع التصفوي وطرق ووسائل مواجهته، بإستراتيجية موحدة وشاملة، تستثمر كل مقومات ومكونات القوة الفلسطينية، وتحشد معها كل القوى العربية والأممية الرافضة لهذا التغول الإمبريالي الصهيوني، ومن شأن ذلك أن يشكل مدخلًا مناسبًا لإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية المبنية على اتفاقات الإجماع الوطني، وعلى أسس الشراكة السياسية الكاملة، وينهي عقودًا من التفرد والهيمنة والاستئثار في المؤسسات الوطنية.

وإلى جانب ذلك، يدعو المكتب السياسي قوى شعبنا السياسية والمجتمعية إلى العمل معًا من أجل عقد لقاءات وطنية ومؤتمرات شعبية في الوطن ومواقع اللجوء، تعلن من خلالها وحدة شعبنا الفلسطيني ورفضه القاطع لصفقة القرن، وأن يجري خلالها توقيع ميثاق شرف يُلزم الجميع بالتوحد خلف ذلك، وعدم تقديم التناقضات الداخليه على التناقض الرئيسي مع العدو الصهيوني ومخطط التصفية الأمريكي. وعليه فإن المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وهو يؤكد على التمسك بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا شرعيًا ووحيدًا لشعبنا، وعلى ضرورة الحفاظ عليها من خلال إصلاحها وإعادة هيكلة مؤسساتها ودوائرها، على أسس وطنية وديمقراطية، تعيد الاعتبار لها وتعزز من مكانتها ودورها الوطني التحرري والمجتمعي الديمقراطي، فإنه يرى في الدعوة لعقد اجتماع للمجلس المركزي الفلسطيني خلال هذا الشهر خطوة تتناقض وتتعاكس مع المطلوب عاجلًا، من ضرورةٍ لتحشيد كل القوى في مواجهة صفقة القرن وأهدافها التصفوية، كما أنها لا تأخذ طبيعة وجدية الخطر الوجودي المنتصب أمام قضيتنا وشعبنا وحقوقه الوطنية، والذي يتطلب تجنب أية خطوات من شأنها تعزيز الشرذمة والانقسام واستمراره في الساحة الفلسطينية.

كذلك، توقف المكتب السياسي أمام استمرار مصادرة حقوق الجبهة المالية من الصندوق القومي الفلسطيني، الذي يتواصل منذ 18 شهرًا، وأكد على إدانته هذه السياسة، القديمة الجديدة، واعتبرها تجاوزًا ومصادرة لصلاحيات المجلس الوطني، الذي أقر هذه الحقوق لمختلف القوى المنضوية في إطاره، وتعكس تغولًا للقرار الفردي على قرار المؤسسة ومكوناتها.

وشدد المكتب السياسي على أنه عمل خلال الفترة الماضية على معالجة حقوق الجبهة المالية بعيدًا عن الإعلام، ومن خلال التواصل مع اللجنة التنفيذية للمنظمة، والصندوق القومي، واللجنة المركزية لحركة فتح، وفصائل العمل الوطني، إلا أن كل ذلك لم يُجدِ نفعًا، إذ يبدو أن وهم الابتزاز للجبهة ومواقفها لا زال الدافع لصاحب القرار، رغم أنه يدرك يقينًا ومن واقع تجربته أن الجبهة ومواقفها لا تخضع للمساومة والابتزاز؛ فالمصلحة الوطنية وحقوق شعبنا ومواجهة الاتفاقات والسياسات الضارة بها بالنسبة للجبهة لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال خاضعة للمساومة والابتزاز.

كما دعا المكتب السياسي جميع الأطراف الوطنية المعنية، وفي المقدمة منها اللجنة التنفيذية للمنظمة واللجنة المركزية لحركة فتح، إلى وقف هذا التعدي على حقوق الجبهة، وكذلك حقوق الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، التي عوقبت هي الأخرى على مواقفها الوطنية، ووقف سياسة التفرد بالمؤسسة الوطنية (م.ت.ف) وقراراتها، حماية لها ولوظيفتها ودورها التمثيلي الذي نؤكد عليه وعلى ضرورة تعزيزه بالشراكة الوطنية. 

وفي تناوله للعدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة، أكد المكتب السياسي على حق شعبنا الطبيعي في الدفاع عن نفسه في وجه هذا العدوان المتواصل، وفي ممارسة كل أشكال المقاومة ذودًا عن وجوده وحقوقه وأهدافه الوطنية. وحيّا الجهد المقاوم الكبير ودور غرفة العمليات المشتركة في مواجهة العدوان، وحذر من خطورة رهن مقاومة شعبنا "لتفاهمات" ثبت أنها غير قادرة على معالجة الواقع المعيشي والإنساني الخطير في القطاع، الناجم بالأساس عن الحصار الإسرائيلي له، والتي يعمل العدو على استغلالها واستثمارها في جعلها قاعدة لتنفيذ مخططه بفصل الضفة عن القطاع، والبناء على ذلك لتمرير مشروعه التصفوي لقضيتنا وحقوقنا.

أبناء شعبنا الفلسطيني في الوطن ومواقع اللجوء:

إن ثقتنا بشعبنا الفلسطيني وقواه الحية ومقاومته الباسلة هي الأساس في استمرار تمسكنا بنهجنا الوطني الوحدوي، والمحفز لنا دائمًا في رفع لواء المواجهة والمقاومة للمخططات والمشاريع التي تستهدف حقوقنا وقضيتنا ووجودنا، فمن دماء الشهداء الذين يروون يوميًا تراب وطننا الحبيب تُسقى جذوة النضال والكفاح الوطني، وتزداد القناعة بأن هذا النضال والكفاح لن يتوقف رغم عِظم التضحيات المقدمة، ومن عزيمة أسرانا في السجون تُستمد محفزات الصمود والثبات، الذين يجسدون بالمعارك البطولية التي يخوضونها بأمعائهم الخاوية ملاحم مشهود لها على طريق حريتهم وحرية شعبهم ووطنهم، ومن تشبث لاجئينا بحقهم في العودة تستمر أجراسها تُقرع على طريق تحقيق الحرية والاستقلال والدولة وتقرير المصير.

أبناء أمتنا العربية وشعبنا الفلسطيني:

في الوقت الذي ينعي فيه المكتب السياسي شهداء قطاع غزة الأبطال، الذين قضى معظمهم جراء الاستهداف المباشر لهم، وتحت أنقاض منازلهم خلال العدوان الصهيوني الأخير، ينعي أيضًا أحد خيرة أبناء ومناضلي وقادة الشعب الفلسطيني والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الدكتور رباح مهنا، الذي قضى بعد عمر حافل وطويل من الكفاح والعطاء الوطني والمجتمعي، حيث تزامن رحيله مع ثاني أيام العدوان على شعبنا، وكأن لسان حاله يقول: إن هذا العدو لا يجب أن يستريح أو يسجل أرباحًا على حسابنا، بل يجب استنزافه ودك معاقله وتكبيده الخسائر المادية والمعنوية، التي ستجبره وحدها على التسليم بحقوقنا والرحيل عن أرضنا. فللرفيق القائد الوطني والمجتمعي د. رباح وكل شهداء شعبنا المجد ومنا عهد الوفاء. 

المجد للشهداء والحرية للأسرى والنصر حتمًا حليف شعبنا

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

المكتب السياسي

11/5/2019