عدوان صهيوني بحسابات سياسية وأمنية

حجم الخط

لا تحتاج الجريمة النكراء التي ارتكبها الكيان الصهيوني باغتيال القائد في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي؛ القيادي البارز بهاء أبو العطا، إلى مبررات أو ذرائع أمنية لتوظيفها كتغطية إعلامية أمام المجتمع الدولي الذي بات الكثير من مؤسساته الإنسانية المهتمة بإشاعة السلم والاستقرار الدوليين تنظر إليه باعتباره دولة عدوانية فوق القانون الدولي، ذلك لأن هذه الجريمة تأتي من الناحية الأمنية كحلقة من حلقات الصراع المسلح بين المشروع الصهيوني العنصري، ومشروع المقاومة، حيث التناقض الرئيسي بين المشروعين الصهيوني والوطني لا تجدي معهما حلول التسويات السياسية المطروحة أو حالات التهدئة التي تعقد بين فترة وأخرى، بوساطات متعددة؛ لأن المشروع الصهيوني العنصري هو مشروع احلالي اجلائي لا يحقق أهدافه الأمنية والتوسعية إلا بكسر إرادة المقاومة التي حققت قواها السياسية في قطاع غزة تقدمًا كبيرًا من ناحية الاستعداد العسكري والجاهزية القتالية؛ الأمر الذي يدفع الكيان دائمًا إلى التلويح بشن حرب واسعة على القطاع.
أما التوقيت المناسب الآخر، فهو الذي يحقق جملة من الأهداف السياسية، سواء فيما يتعلق بالوضع الداخلي الإسرائيلي أو الفلسطيني. فعلى صعيد الوضع الداخلي الإسرائيلي، فقد جاءت هذه الجريمة الجديدة النكراء في إطار التنافس داخل الكيان الصهيوني بين تجمع الليكود اليميني بقيادة نتنياهو، الذي طال مدته كرئيس لحكومة الكيان المدعومة من قبل قطعان المستوطنين، وبين المعسكر الصهيوني بقيادة الجنرال غانتس، رئيس أركان سابق ورئيس حزب أزرق أبيض، الذي تم تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة تفاديًا لإجراء انتخابات أخرى بعد فشل نتنياهو في تحقيق هذه المهمة؛ لذلك، يرى نتنياهو الذي ما زال يمارس صلاحيته كرئيس لحكومة تسيير الأعمال، والذي أعطى أوامره باغتيال القائد أبو العطا في التصعيد العسكري في جبهة القطاع، حيث توجه له التهمة دائمًا من قبل خصومة، خاصة من قبل ليبرمان، بأنه يمارس سياسة اللين اتجاهه بموافقته على تجديد التهدئة وعلى نقل الأموال القطرية. 
يرى نتنياهو في التصعيد العسكري في جبهة القطاع وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية تقربه من تشكيل الحكومة المرتقبة، وتخلصه من ملاحقة القضاء في تهم الفساد الكثيرة المنسوبة إليه. هكذا فإن الصراع الداخلي الإسرائيلي على السلطة السياسية بين تجمع الليكود والمعسكر الصهيوني، وأزمة تشكيل حكومة وحدة وطنية، من قبل نتنياهو وغانتس، وكلاهما أشد عداء للمقاومة، هو الذي يحرك أكثر النزعة العدوانية المتأصلة أصلًا في المشروع الصهيوني العنصري، كما أن الاهتمام بالوعاء الزمني للأحداث، هو الذي يُسيّر السياسة الإسرائيلية العدوانية. فالتوافق بين فصائل المقاومة وفي المقدمة منها حركة حماس التي تشكل حكومة الأمر الواقع في غزة، وقيادة السلطة في رام الله على إجراء الانتخابات، كضرورة وطنية واستحقاق ديموقراطي لإنهاء الانقسام السياسي، هو ليس في صالح الكيان الصهيوني، وكان من الطبيعي أن يكون التصعيد الإسرائيلي، الذي يبدأ عبر استهداف القيادات، كوسيلة من وسائل عرقلة العملية الديموقراطية برمتها، حتى يبقى الانقسام السياسي البغيض الذي طال أمده وألحق أكبر الأضرار بالقضية الفلسطينية كقضية وطنية قائمًا يشوه النظام السياسي الفلسطيني، وعبره تنمو مشاريع التسوية التي من ضمنها مشروع إقامة دولة غزة وسيناء التي تقترحها التسوية الأمريكية الصهيونية المسماة بصفقة القرن التصفوية.  
المهم في هذه الحلقة من حلقات الصراع المسلح بين الكيان الصهيوني والمقاومة في القطاع، أن حركة الجهاد الإسلامي هي التي تم استهدافها بأسلوب الاغتيال الذي طال أحد قادتها العسكريين في غزة، إضافة إلى محاولة اغتيال القيادي أكرم العجوري المقيم في دمشق، وليست حركة حماس الذي يحملها دائمًا الكيان الصهيوني مسؤولية إطلاق الصواريخ. وفي ثنايا هذه الجريمة رسالة إلى إيران التي تتواجد عسكريًا في سوريا، بأن الصراع المسلح معها سيمتد أيضًا إلى ساحة قطاع غزة، وهو عمل عسكري يعتبره الكيان الصهيوني أسلوب ردع ناجح في مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، وهو ما يدفع دول الخليج العربية أكثر إلى مزيد من التقارب بإجراءات التطبيع، خاصة في المجال الأمني مع الحكومة الإسرائيلية القادمة، بصرف النظر عن رئيسها المنتظر، لكن السؤال الجدير بالطرح بعد استمرار المواجهة التي تقودها حركة الجهاد هو: أين فاعلية محور المقاومة الذي يضم بالأخص حزب الله وكذلك إيران؟ وهل دورهما فقط في مشروع المقاومة ينحصر في الدفاع عن النظام الوطني السوري ذي الصبغة الطائفية العلوية، وكذلك بالاكتفاء في إمداد حركة الجهاد الإسلامي بالصواريخ لخوض المواجهة لوحدها، وما يترتب عن ذلك من رد إسرائيلي مدمر في مناطق القطاع، حيث يواجه مواطنيه العُزل الأبرياء وحدهم الآن بطش آلة الدمار العسكرية النازية المتطورة تكنولوجيًا؟