الرفيق الأسير كميل أبو حنيش يكتب من قلب زنزانته في سجن رامون الصحراوي مقالاً بعنوان نتنياهو ولائحة الاتهام

حجم الخط

بعد مُداولات وتحقيقات مُكثفة استغرقت عدة سنوات حول نتنياهو ما يُنسب اليه من التورط في قضايا فساد قرر المُستشار القضائي للحكومة تقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو تتضمن ثلاثة ملفات يُتهم فيها بالفساد وتلقي الرشوة وخيانة الأمانة، وقد جاء تقديم هذه اللائحة ضد نتنياهو في وقت تعصف بإسرائيل أزمة سياسية غير مسبوقة في ضوء فشل الأحزاب السياسية الإسرائيلية في تشكيل الحكومة بعد معركتين انتخابيتين وإمكانية إجراء الانتخابات للمرة الثالثة في غضون أقل من عام وهو ما يعكس هذا الانقسام الحاد في مجتمع الدولة العبرية وتنامي حدة الصراعات الحزبية والطائفية والطبقية والسياسية الأمر الذي سيدفع نحو تفاقم الأزمة ويفتح الباب على مصرعيه أمام أزمات جديدة لم تعرفها إسرائيل منذ قبل.

ولعل أبرز ما يُميز نتنياهو من بين رؤساء الحكومات والوزراء وكبار المسئولين ممن وجُهت له لوائح اتهام وأُدين وجرى الزج بهم في السجن، إلا أن نتنياهو لم يستسلم وبقي قوياً في حزبه ومُعسكر اليمين ولا يزال مُصراُ على الصراع على بقائه السياسي حتى النفس الأخير، حيثُ كانت ردة فعله فور صدور قرار المُستشار القضائي بإدانته بأن شن هجوماً كاسحاً على جهاز الشرطة ومؤسسة الادعاء العام أي السلطة المُخولة بالحفاظ على القانون وسيادته مُتهماً إياهم باستهدافه شخصياً وأنهم لفقوا له هذه التُهم، وأن ما يجري هو انقلاب عليه كرئيس للحكومة وطالب بإجراء تحقيق مع المُحققين الذين تولوا التحقيق في ملفاته منذ سنوات وهو أمر غير مسبوق في إسرائيل أن يتهم فيه رئيس حكومة أجهزة الدولة ومؤسساتها بالفساد والاستهداف الشخصي والتآمر والتلاعُب في التحقيقات، وهي مؤسسات لطالما تفاخرت بها إسرائيل بوصفها إحدى أهم أعمدة الديمقراطية الإسرائيلية المزعومة وإحدى عوامل استقرارها وتطورها وقد أثارت تصريحات نتنياهو ردود فعل مُتباينة في الأوساط السياسية والإعلامية والجماهيرية ما بين مُستنكر لهذه التصريحات وما بين مُدافع عن نتنياهو ومُردد اتهاماته ضد مؤسسات تطبيق القانون، فهذه التصريحات والاتهامات الخطيرة التي وجهها نتنياهو لجهاز الشرطة ومؤسسة الادعاء العام إنما تُدلل على أنه سيُقاتل حتى النهاية وأنه لن يستسلم بسهولة وأنه سيتشكل في الحكومة مُتحصناً داخل حزبه معسكره اليميني لأن نتنياهو لا يتصور بأن يحل أحد مكانه في رئاسة الحكومة كما أنه لا يتقبل فكرة دخوله الى السجون حتى لو احترق معبد الدولة العبرية.

أما المشهد السياسي المُتأزم أصلاً في ظل الاستعصاء القائم في تشكيل الحكومة الجديدة فإنه سيشهد المزيد من التدهور والتفاقم ولن تجد هذه الأزمة حلولاً في المدى المنظور وربما سيجري الذهاب إلى انتخابات ثالثة دون أي ضمانة للانفكاك من الحلقة المُفرعة التي تدور فيها إسرائيل مُنذ أكثر من عام وسنشهد في الأيام والأسابيع القادمة المزيد من التطورات على هذا الصعيد.

ويتعين علينا الانتباه الى أن نتنياهو قد يلجأ الى تصدير هذه الازمة من خلال الاقدام على خطوات من شأنها خلط الأوراق بهدف حرف الأنظار عما يجري في الساحة السياسية الداخلية وكسب المزيد من الوقت فربما يلجأ نتنياهو الى خطوة ضم الأغوار أو الكُتل الاستيطانية في الضفة أو حتى إمكانية شن حرب في المنطقة فكل الخيارات باتت مطروحة على الطاولة ولن يتردد نتنياهو في اللجوء الى أي خيار من شأنه أن يُنقذه من أزمته ويُطيل أمد بقائه السياسي.

وفي كل الأحوال مهما كانت التطورات على الساحة السياسية الإسرائيلية فإنه بات من المؤكد أن عهد نتنياهو السياسي قد انتهى فيما تستعد الأحزاب السياسية لصراعٍ جديد على السلطة والدخول الى مرحلة جديدة تطوي عقداً كاملاً من حُكم نتنياهو لكنها مرحلة ستكون غريبة وجديدة وحافلة بالتطورات لم تشهدها الدولة العبرية من قبل وهو ما قد يفتح الباب على مصرعيه أمام كافة الاحتمالات، وأهم هذه الاحتمالات انفجار صراعات عنيفة داخل المُجتمع اليهودي الصهيوني قد تأخذ شكلاً دينياً أو طائفياً أو طبقياً وهو ما يُنذر بتحولات كبيرة في إسرائيل ويُدشن عهداً من عدم الاستقرار السياسي فيها.