بيان صادر عن المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

بيان صادر عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين 

جماهير شعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية:

في اندفاعة جديدة للمشروع الأمريكي الصهيوني على صعيد الوطن العربي وعموم المنطقة وفي القلب منها فلسطين أرضًا وشعبًا، أعلن الرئيس الأمريكي ترامب في الثامن والعشرين من يناير الماضي برفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خطته المسماة صفقة القرن التي هي الترجمة العملية للرؤية الإسرائيلية لما يسمى تسوية الصراع، بعد أن طُبخت فصولها على مدى سنوات عديدة قبل وبعد وصول ترامب لسدة الرئاسة الأمريكية، وبعد أن توفرت الظروف والبيئة المناسبة لها فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا، ليجري تنفيذها بالفعل مع استمرار أزمة الوضع الفلسطيني وتعمق حالة الانقسام الداخلي، وزيادة تفكك النظام الرسمي العربي وتعمق تبعيته وتبنيه لمخططات معادية لشعوب أمتنا وتسارع وازدياد وتائر التطبيع مع العدو الصهيوني، وتراجع دور الأمم المتحدة على صعيد الصراعات الدولية وفي القلب منها القضية الفلسطينية، في ضوء هيمنة وتوحش الإدارة الأمريكية عليها وإدارة ظهرها للقوانين والمعاهدات والقرارات الصادرة عنها.

إن هذه الاندفاعة متواصلة الحلقات والمراحل منذ التأسيس لزرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي باتفاقية سايكس بيكو التقسيمية مرورًا بوعد بلفور وصولًا لنكبة فلسطين عام 1948 وما تبع ذلك من مؤامرات ومخططات وهزائم، وصولًا إلى هذه الصفقة التي هدفت وتهدف إلى تطويع وإخضاع وفرض الاستسلام على مجمل الواقع العربي ومنه الفلسطيني بوسائل عسكرية وسياسية واقتصادية، وتحقيق جوهرها المتمثل بالاعتراف بيهودية الدولة، بما يعني الإقرار بأن الصراع عرقي وديني، وفرض التسليم بالرواية الدينية التوراتية التي على أساسها يُعتبر اليهود قومية، وهم الأحق بأرض فلسطين دون غيرهم، وأن المطلوب من العرب والفلسطينيين أن يعملوا حُرّاس أمن لها، مقابل الوعود بازدهار اقتصادي لا يتعدى في جوهره مقولة: الغذاء مقابل الأمن.

وفي السياق ذاته، لم يصل المشروع الأمريكي الصهيوني لهذا المستوى من الخطر الوجودي على شعبنا الفلسطيني وقضيته وحقوقه، كما الوجود العربي بمجمله، بانتقاله إلى مرحلة مطالبتنا بالاستسلام الواضح والصريح لما جاءت به الصفقة، إلا بكونه تتويج لمسار طويل من التراجعات الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية، والارتهان لنهج التسوية ومفاوضاته الذي اُفتتح رسميًا بكامب ديفيد وصولاً إلى اتفاقيات أوسلو الكارثية ووادي عربة، الذي كان يفتح باستمرار شهية العدو الأمريكي الصهيوني ومشروعه الإمبريالي التصفوي لتحقيق المزيد من التقدم والتوسع والانتصار والهيمنة على حساب الشعوب العربية وأرضها وحقوقها ومقدراتها وثرواتها، والذي لن تتوقف شهيته عند حدود صفقته هذه إذا ما قدر لها النجاح، بل ستبقى مفتوحة باستمرار لالتهام المزيد والمزيد من الأرض والحقوق والمقدرات والثروات.

وعليه، فإن وعي طبيعة وتاريخية الصراع واتساع أبعاده ومدياته، مع المشروع الصهيوني وكيانه، والتأسيس لمرحلة مواجهة شاملة جدية لمشروع التصفية، يتطلب من الجميع وفي المقدمة منهم نحن الفلسطينيون أن نرتقي لمستوى المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا، من أجل حماية شعبنا وقضيته وحقوقه ووجوده ومواجهة الصفقة وإفشالها، بالخروج من دوائر تبديد الوقت بالمواقف الانتظارية والعائمة إلى الموقف والعمل الفاعل على مختلف المستويات، ومغادرة القيادة المتنفذة في المنظمة مراهنتها المستمرة على نهج التسوية ومفاوضاته، والكف عن المواقف الاستخدامية لقرارات المجلسين الوطني والمركزي التي طالبت بإنهاء تعاقد أوسلو بجميع ملاحقه السياسية والأمنية والاقتصادية وقطع العلاقة مع "إسرائيل" وسحب الاعتراف بها، من خلال تنفيذها فورًا، ووقف المراهنة على ما يسمى بمبادرة السلام العربية التي صيغت لتشريع مجرى التطبيع مع العدو الصهيوني على المستوى الرسمي العربي، والتوجه جديًا لمعالجة الوضع الداخلي الفلسطيني، وتجاوز الانقسام وطي صفحته السوداء وبناء أسس الوحدة الوطنية التعددية، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية ودورها التحرري المبني على أسس وطنية كفاحية وتنظيمية ديمقراطية، وتوفير عوامل الشراكة في إدارة الشأن الوطني، وكل مقومات ومتطلبات الصمود لشعبنا، وصوغ استراتيجية وطنية جامعة، مرتكزها المقاومة بكافة أشكالها وفي مقدمتها المقاومة المسلحة التي تتطلبها مرحلة التحرر الوطني لتحقيق أهداف شعبنا في الحرية والعودة والاستقلال الكامل على أرض فلسطين التاريخية.

إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وربطًا بقناعتها الكاملة أن المرحلة التي وصلنا لها تتطلب تجسيد الأقوال بالأفعال، فإنها تؤكد على التالي:

أولًا: إن مواجهة صفقة القرن ومقاومتها، لا يمكن لها أن تنجح مع الاستمرار في ذات النهج والمسار السياسي الذي قاد إليها، والتي لا زالت تؤكده التصريحات والمواقف وخاصة التي جاءت عليها خطابات الرئيس أبو مازن، في اجتماعات "القيادة الفلسطينية" برام الله، ووزراء الخارجية العرب، ومجلس الأمن الدولي بتجديد رهانه على المفاوضات وإعلان تمسكه بمرجعية اللجنة الرباعية بمشاركة أمريكية في أية مفاوضات قادمة، وحصر نضالات شعبنا في المقاومة السلمية، ورفض المقاومة المسلحة التي يصفها بالعنف والإرهاب، وغيرها من المواقف التي تم اختبارها ولم يكن حصادها إلا نتائج ضارة وكارثية على شعبنا وقضيتنا وحقوقنا.  

ثانيًا: إن كل ما صدر من خطابات وتصريحات وبيانات من قبل مسؤولين عرب ومؤسسات رسمية عربية، ومنها البيان الختامي لوزراء الخارجية العرب، رغم ما يبدو فيها من دعم للفلسطينيين، فهي لا تعدو عن كونها ذر للرماد في العيون، ولا تتعدى المواقف اللفظية التي تتعاكس في الجوهر مع مواقف بلدان عربية عديدة عبرت صراحةً وضمنًا تساوقها مع الصفقة، بحضور بعض سفرائها مؤتمر إعلان الصفقة، ودعوات أخرى للتمهل والمطالبة بدراستها، والتحريض على استمرار التسوية ومفاوضاتها بالرعاية الأمريكية، وتشجيع دخول دول أخرى إلى حظيرة التطبيع، كما جرى مع برهان السودان، وما يثار عن استعداد دول خليجية لتوقيع اتفاقية عدم اعتداء مع العدو الصهيوني.

ثالثًا: رغم أهمية اللجوء إلى المؤسسات الدولية لاستصدار مواقف وقرارات منها؛ فقد أثبت اجتماع مجلس الأمن الدولي في جلسته بالأمس بعدم قدرته وفشله في إصدار قرار يدين صفقة القرن ويرفضها، بسبب الموقف الفلسطيني المهادن لمواقف دولية ترى غير ذلك، وبسبب السلوك العربي المساوم ومستوى الضغوط والهيمنة الأمريكية عليه، وفي السياق، فإن أية مواقف دولية ترفض ولا تؤيد الصفقة ستبقى عاجزة عن التأثير على مسار تطبيقها ما لم تتوفر العوامل الفلسطينية والعربية القادرة على ترجمة مواقفها المعلنة إلى أفعال، وتحشيد كل من يرفضها ولا يؤيدها في إطار مواجهتها بهدف إفشالها، وليس بالرضوخ إلى القرارات والإملاءات الأمريكية.

رابعًا: ضرورة عقد اجتماع عاجل للجنة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية، من أجل البدء بتجسيد اتفاقات إنهاء الانقسام وصوغ الإستراتيجية الوطنية للمواجهة والمقاومة التي تُجمّع وتُحشّد وتؤطر طاقات شعبنا في الوطن ومواقع اللجوء، باعتباره مرتكز أساس في عملية المواجهة الشاملة للصفقة ولمشروع التصفية برمته، وإقرار الصيغ الوطنية لقيادة هذه المواجهة.

خامسًا: تُوفر صفقة القرن الظروف الموضوعية لإعادة الصراع إلى أسسه وجذوره الرئيسية باعتباره صراع عربي صهيوني بالأساس، والتأكيد على الطابع الوطني والقومي لنضالنا التحرري، مما يستوجب تحديد وسائل العمل التي يجب إتباعها، من خلال تفعيل دور الجبهة العربية التقدمية، والتواصل وتنظيم العلاقة مع قوى وأحزاب شعوبنا العربية، واستمرار التحركات الشعبية الرافضة للصفقة والداعية لمقاومتها، والمتمسكة بالقضية والحقوق الفلسطينية كاملة، والمُجرّمة للتطبيع مع العدو الصهيوني ومن يقف خلفه، وتصعيد هذه التحركات في مختلف البلدان العربية والعمل على تعزيز محور المقاومة الذي أثبت جدارته في مقاومة المخططات الأمريكية الصهيونية واقتراب إفشالها في كل من اليمن والعراق وسوريا والخليج.

سادسًا: تفعيل دور الجاليات والتجمعات العربية والفلسطينية في الخارج وضرورة تنظيمها وحشد كفاءاتها واستثمار إمكانياتها وقدراتها في تحشيد الرأي العام العالمي ضد الصفقة الأمريكية الصهيونية، وفي إطار مساهمتها بمهمة مجابهة ومقاومة النظام الإمبريالي المعولم بقيادة الولايات المتحدة، بما يستلزم العمل على صعيد الجبهة الأممية، بمد جسور العلاقات وتوثيقها مع كل القوى الرافضة لهذا النظام وهيمنته على العالم ودوله ومقدراتها البشرية والمادية ومؤسساته الدولية، وتناصر حق الشعوب بتقرير مصيرها.

سابعًا: اعتبار الولايات المتحدة الأمريكية عدو لشعبنا وأمتنا ولكل شعوب العالم الطامحة للتحرر والاستقلال والوحدة والتقدم، بفك أسوار الاستعمار والهيمنة والتبعية التي تخضع لها، بما يوجب مقاومة الوجود الأمريكي في البلدان العربية وعموم المنطقة، ومقاطعة المصالح الأمريكية، بما يحولّ مشروعها الإمبريالي إلى مشروع خاسر ينهي هيمنتها ووجودها الاستعماري.

التحية كل التحية لشعبنا الذي انتفض وتوحّد ضد صفقة ترامب

التحية للشعوب العربية وقواها التي عبّرت بمسيراتها الواسعة عن رفضها للصفقة، ودعمها لشعبنا وتمسّكها بالقضية الفلسطينية كقضية مركزية للأمة العربية

التحية للأسرى البواسل الذين يواجهون بصلابة إجراءات القمع والعزل، ويخوضون بدمهم ومعاناتهم معركة التحرر والاستقلال وتصفية الاحتلال بكل تعبيراته من على أرضنا

المجد للشهداء والنصر لشعبنا

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

المكتب السياسي

12/2/2020