أردوغان ودور تركيا في إنشاء الكيان بروايتين

حجم الخط

بالتأكيد ,فإن الحاضر هو امتداد للماضي ,ولا يمكن الفصل بين أحداثهما, حتى أن بيرل باك يقول”إذا أردت فهم الحاضر فادرس الماضي”. أما تشي جيفارا  فيقول “إن الحياة كلمة وموقف , الجبناء لا يكتبون التاريخ , التاريخ يكتبه من عشق الوطن وقاد ثورة الحق وأحب الفقراء”.أما كاتبنا الكبير المرحوم  محمد حسنين  هيكل,فيشبهه قائلا ” وقائع التاريخ الكبرى  مثل عائمات الجليد,طرفها ظاهر فوق الماء , و كتلتها الرئيسية تحته  , و من يريد استكشافها عليه أن يغوص في الماء”. نعم,الرئيس أردوغان يجيد تمثيل دور مزدوج,فبالنسبة لفلسطين  يتهم إسرائيل بالإرهاب وحرب الإبادة , لكن معارضون أتراك له,يبثون فيديو يؤكدون فيه اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل عام 2005,فوفقا للفيديو الذي بثته “المنصة التركية للمعارضة”, ونقلته “اليوم السابع” , عام 2005 زار أردوغان إسرائيل , وحرص رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أرييل شارون على استقباله في القدس (وليس في تل أبيب) ورّحب به قائلا بالحرف”أهلا بك في القدس عاسمة إسرائيل  والشعب اليهودي التاريخية”. امتص آردوغان القول ولم يعترض أو يرد على شارون بشيء!.واستطرد الحساب التركي للمعارضة معلقا, “وبعدها بأسبوع واحد وخلال مؤتمر للاستثمار في تركيا,قال أردوغان:سأنفذ أي استثمارات اتفقنا عليها سواء كانت في العاصمة اليهودية أو في أية عاصمة غربية” .

وبعيدا عن كل هذه التصريحات الحماسية للسلطان العثماني  ,جرى توقيع  اتفاق بين الجانبين في أنقرة والقدس  (28أغسطس/ آب 2016) لتطبيع العلاقات بينهما ,وحل  المشاكل العالقة. ومن أهم بنوده: الاتفاق على أن تدفع إسرائيل 20 مليون لدولار أمريكي لأسر ضحايا السفينة  مرمرة الذين استشهدوا على أيدي القوات الصهيونية عام 2010.عودة التنسيق الاستخباراتي والتعاون الأمني بينهما, استمرار إسرائيل في صيانة الطائرات الحربية التركية والعودة لإبرام عقود أسلحة متطورة. تطبيع كامل بين البلدين يشمل إعادة السفراء إلى أنقرة وتل أبيب.يتعهد الطرفان بعدم إقدام أحدهما على عمل يضر الآخر,وشدد نتنياهو على أن الاقتصاد الإسرائيلي سيستفيد بصورة كبيرة من الاتفاق.وأضاف:”أعتقد أنها خطوة مهمة أن نقوم بتطبيع علاقاتنا”كذلك رحب الوزير الأمريكي آنذاك جون كيري. بالاتفاق.وقد أكد نجل نجم الدين أربكان في حوار له مع وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية  , أن هذه الاتفاقية بمثابة اعتراف صريح ورسمي من حكومة أردوغان بأن القدس عاصمة لإسرائيل, وذلك من خلال عقد الاتفاق في القدس من الجانب الإسرائيلي وأنقرة من الجانب التركي.

كما انتقد الاتفاق كثيرون من الكتّاب الأتراك ,وطالبوا بإلغائه. كما اعتبرت “جمعية الفرقان” الاتفاقية اعترافًا أردوغانيا صريحاٌ بأن القدس عاصمة لإسرائيل.جدير بالذكر أن أردوغان هاجم بشدة بعد التوقيع منظمة “IHH”  التي نظمت أسطول مافي مرمرة في 2010,إذ صرّح قائلا “هل سألتموني قبل أن يخرج الأسطول؟ هل طلبتم مني إذناً”. ويشير موقع “ترك برس” إلى هذه العلاقة,من خلال تقريرٍ يشمل تصريحات وزير الطاقة الإسرائيلي “يوفال شتاينيتز”.وبحسب التقرير المنشور بتاريخ 27 شباط/ فبراير 2016 يقول “لم تتأثر العلاقات التجارية بين البلدين رغم بعض الخلافات الدبلوماسية في 2008 و 2013. وعلى الرغم من التدهور الدبلوماسي للعلاقات المتبادلة بين الطرفين,إلا أنّ حجم التبادل التجاري لعام 2014,بلغ 5 مليارات و832 مليون و180 ألف دولار”.وكان الوزير قال في التقرير ذاته, إنّ “الرئيس أردوغان صرح بأنه في ظل تدهور الأوضاع السياسية في المنطقة بشكل حاد لا نظير له, فإن تركيا بحاجة ماسّة إلى التوافق مع إسرائيل, لمناقشة المسارات التي يمكن من خلالها إحداث تغييرات إيجابية في المنطقة”. لا ننسى بالطبع  الأطماع التركية في ولايتي حلب والموصل(فهو يعتبرهما انتزعتا من السطنة العثمانية) ولا استيلاء تركيا على لواء الإسكندرون  العربي السوري, ولا غزواته الثلاث للأراضي السورية :”درع الفرات”,”غصن الزيتون” ومؤخرا “نبع السلام”, وبدء عمليات التتريك في المناطق التي تحتلها قواته , وإرسال جيشه الغازي إلى ليبيا  (باعتبارها وديعة تركيا منذ عهد أتاتورك) , كما محاولات أردوغان  إحداث خلل ديموغرافي في المناطق السورية المحتلة.

لقد حكمت السلطنة العثمانية الوطن العربي أكثر من 600 عام, وقادته بالاستبداد والحديد والنار,  ومن يقرأ كتابات مؤرخي تلك الفترة يرى بوضوح الطرق والوسائل التي اتبعها السلاطين الطورانيون السلاجقة في فرض الضرائب الباهظة والإتاوات المتكررة , وابتزاز الأموال , ونهب الثروات والمحاصيل , وصرفها في الأمور الترفيهية الاستهلاكية غير المنتجة وتجنيد الشباب العرب في الحروب العثمانية(السفر برلك) وإخفاء المعتقلين وعدم إخبار أهالي أولئك أو هؤلاء عن مصير أبنائهم  . و تحت عنوان : ” ظلامات عهد الظلمات ”  لخّصت جريدة المقتبس الدمشقية النهضوية عام 1910 الوضع من القرن العاشر إلى القرن الثالث عشر الهجري بالجمل التالية : ”  كانت أشقى العصور . لا حكم فيها إلا للقوة ,   ولا عدل يُحْيِها , ولا عِلم يُنهضها , وخصوصا في الأيام التي سادت فيها حكومات الإقطاع ” . أما الاستبداد أيام حكم السلطان عبد الحميد فكان على أشده وبزّ انظمة الاستبداد السلطاني السابقة له بأنه أوقف عجلة التطور في اواخر القرن التاسع عشر وأوجد مناخا فكريا متحجّراً متزمتاً ومتزلفاً للسلاطين وبطانتهم , ومغلِقاً الأبواب أمام التقدم العلمي والانفتاح الحضاري . وحول الحكم العثماني كتب د. عبالكريم غرايبة في كتابه “مقدمة في تاريخ العرب الحديث” :” وسعى سلاطين بني عثمان إلى إضفاء هالة من القدسية حول أنفسهم . فهم حماة الشريعة الذائدين عن دار الإسلام و وخدّام الحرمين الشريفين . واستغلّوا بدهاء العديد من الآيات الكريمة وفسّروها وفق مصالحهم . وغدوْا حكاما مطلقي الصلاحية لا يحدّ من سلطانهم وسطوتهم شيء.  حتى  الشريعة الإسلامية , فسّروها وفق اهوائهم , واصدروا الفتاوى المؤيدة لسياستهم.

في الرواية التركية , ومعظم الإسلامية المؤيدة لها والكتب والمناهج المدرسية والجامعية العربية, والتي ترى فيي السلطة العثمانية استمرارا للخلافة الإسلامية, هؤلاء يؤيدون كل ما اقترفته هذه من ظلم واستبداد وموبقات في الوطن العربيكما تأخيره للعرب عن متابعة الحضارة والعلوم ستة قرون بأكملها,ويبررونه ,بل ويمتدحونه باعتباره لزومية لضبط الحكم الإسلامي,الذي يواجه مؤامرات من قبل الكفار! ووفقا لرواية “ترك برس”,فإنه  من الأمور البديهية المعروفة بشكل كبير في الوطن العربي ,هي قصة رفض السلطان عبدالحميد الثاني بيع فلسطين لرئيس الوكالة اليهودية ثيودور هرتزل ,الذي قدم إلى إسطنبول في حزيران/ يونيو 1896 وحاول لقاء السلطان عبد الحميد الثاني لإقناعه بالسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين مقابل سداد ديون الدولة العثمانية بشكل كامل,لكنه رفض رفضا مطلقاً. واستكمالا للرواية :أنه  ولحماية فلسطين من الهجرات اليهودية, أصدر مذكرة قانونية بعنوان “مذكرة الأراضي العثمانية” ,وحسب هذه المذكرة القانونية منع السلطان بيع الأراضي العثمانية وخاصة الفلسطينية لليهود منعًا باتًا, وجهز وحدة شرطة خاصة للقيام بهذا الأمر ومتابعته.وأوردت الوكالة قول السلطان لمنعوث هرتزل: “لا أستطيع بيع حتى ولو شبر واحد من أرض فلسطين ,لأن هذه الأرض ليس ملكٌ لشخصي بل هي ملكٌ للدولة العثمانية. نحن ما أخذنا هذه الأراضي إلا بسكب الدماء والقوة ,ولن نسلمها لأحد إلا بسكب الدماء والقوة ,والله لإن قطعتم جسدي قطعة قطعة لن أتخلى عن شبرٍ واحد من فلسطين”.

تبين مصادر كثيرة , “اليوم السابع-ا وائل السعودي- وآخرون: أن الجذور اليهودية ممتدة في الدولة العثمانية منذ القرن 16في زمن السلطان سليمان القانوني,بواسطة زوجته “روكسانة” اليهودية الأصل,والتي كان لها دور في قيادة الخلافة, فتغلغل اليهود في الخلافة وتحكموا في قراراتها,وتم تنصيب ابنها سليم الثاني كخليفة,وقدد أعطى الحق لليهود للهجرة إلى الدولة العثمانية,ليشكلوا لوبي ,وعرفوا فيما بعد”يهود الدونمة” بزعامة “ساباتاي زيفي” وهو دعا إلى إنشاء دولة لليهود في فلسطين,وبظهور هرتزل تغلغل رجاله في خلافة السلطان عبدالحميد الثاني عن طريق صديق مشترك لهما “فنيلونسكي” . بعدئذ قادت “جمعية الاتحاد والترقي” انقلابا ضد السلطان عبدالحميد عام1909 ,وقد كانت خاضعة للتأثيرات اليهودية والماسونية, ذلك وفقا للتايمز الأمريكية 1911 . لقد تواصل اختراق اليهود لتركيا وكان طلعت بك رئيس الوزراء منتميا إلى محفل المشرق الأعظم الماسونى . آمنت الجمعية بمبدأ التفوق التركى على العرب.نعم, تغيرت التركيبة العثمانية ,وأ صبحت الدولة اليهودية فى فلسطين واقعا , عام 1923 ألغى أتاتورك الخلافة ولمعرفة كيفية العلقات التركية الإسرائيلية يمكن مطالعة نص محضر مؤتمر “لوزان” الذى أورده الباحث مرشد الزبيدى فى بحثه عن الجذور التاريخية للتحالف التركى الصهيونى. ساهمت تركيا في تسليم فلسطين للصهيونية وتهجير اليهود.. عقدت تركيا معاهدات مع بريطانيا وفرنسا عام1939 ,ومع  الولايات المتحدة عام 1947 ,واشتركت أيضا فى اتفاقية تعاون استعماري أوروبي عام 1948 وانضمت إلى حلف الأطلسى عام 1952 .أردوغان هو استمرار للسلاطين العثمانيين.