الذكرى الأولى للرحيل.. د.رباح مهنا: الطبيب الذي سخَّر جهوده في مقاومة الاحتلال

مهنا
حجم الخط

تُوافق اليوم، 5 مايو، الذكرى السنوية الأولى لرحيل عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين وأحد أبرز القيادات الوطنية في قطاع غزة د. رباح حسن مهنا "أبو مروان"، الذي ترجّل في إسبانيا عقب إجرائه عمليةٍ جراحيةٍ عن عمر يناهز (71 عامًا) بعد مسيرةٍ حافلة من النضال على صعيد العمل الوطني والمجتمعي والصحي.

كلمةُ وفاء

بهذه المناسبة، قال عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين كايد الغول، إنّ "الجبهة برحيل الرفيق رباح قد خسرت وبدون شك قياديًا مارس مهامًا متعدّدة في الجبهة، وترك أثرًا في كافة المجالات التي عَمِلَ بها، وكان مؤمنًا أشدّ الإيمان بعدالة القضية الفلسطينيّة وبقدرة الجبهة إلى جانب فصائل المقاومة على مواصلة النضال من أجل دحر الكيان الصهيوني، وإقامة فلسطين الديمقراطيّة على كامل الأرض الفلسطينيّة".

وأضاف الغول لـ"بوابة الهدف"، إنّ "الرفيق رباح كان يؤمن بأهمية العمل المجتمعي، وقد بادر إلى تأسيس اتحاد لجان العمل الصحي في فترة وجود الاحتلال ليلعب هذا الاتحاد الذي أنشىء من خلال مساهماتٍ مجتمعيّةٍ دورًا هامًا خلال تلك الفترة، ولا زال يلعب دورًا في تأمين الرعاية الصحيّة للمحتاجين وتقديم كل أشكال المساعدة لهم"، مُشيرًا أنّ "الرفيق رباح آمن أيضًا بأهميّة الوحدة الوطنيّة القائمة على أساس برنامج سياسي شديد الوضوح، باعتبار الكيان الصهيوني نقيض للشعب الفلسطيني وحقوقه وللأمة العربية ومصالحها، لذلك كان دائمًا يشدّد على أنّ الوحدة يجب أن تستند أولاً إلى برنامج سياسي واضح". و "أيضًا كان يؤمن بأهميّة التحالفات الدوليّة والعربيّة، وقد عمل كثيرًا من أجل ذلك سواء من خلال التواصل المباشر أو غير المباشر؛ باعتبار أنّ قضية الشعب الفلسطيني هي قضية عربية أولاً، وقضية تقدميّة أممية، وكان يدرك أهمية تحشيد وتنسيق الجهود من أجل إسناد الشعب الفلسطيني، ومن أجل مُحاصرة الكيان الصهيوني على مختلف الصعد، وشدد كثيرًا على أهمية دور حملة المقاطعة BDS ليتجذّر دورها أكثر فأكثر باتجاه المقاطعة وتوسيعها"، يتابع الغول حديثه.

وأكَّد أيضًا خلال حديثه مع "الهدف": "كان الرفيق رباح يولي اهتمامًا عاليًا للعملية التنظيميّة للجبهة، وكان دائمًا على قناعة تامة أنّ هناك ما هو كامن لدى عضويّة الجبهة الشعبيّة ولدى جماهير شعبنا، وهذا الكامن يمكن أن يشكّل إضافات نوعيّة كبرى في إطار المواجهة"، مُشددًا أنّه "لم يكن يستكن للصعوبات ولا يستسلم أمامها، بل كان يدرك تمامًا أنّ هذه الصعوبات لا تواجه إلا بمزيدٍ من الصلابة وتنظيم الصفوف، وبالعمل على استخراج كل ما هو كامن لدى الجبهة الشعبية ولجماهير شعبنا بمُختلف فصائله الوطنية".

الجبهة تجدّد العهد

وأردف الغول بالقول: "الرفيق رباح كان إنسانيًا إلى حدٍ كبير، وكان دائمًا يتحمّس لتقديم أي مساعدة ممكنة لأي محتاج، فهو اتسم بصفات إنسانية عديدة"، لافتًا أنّ "الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين تؤكّد في ذكرى رحيل الرفيق رباح بأنّها تجدّد عهدها له ولكل من رحل عنّا من قيادات وكوادر وأعضاء وكافة الشهداء، بأن تستمر في نضالها حتى تحرير فلسطين، وحتى دحر الهجمة الصهيونية عن بلادنا".

وأكَّد الغول أنّ الجبهة "تدرك حجم الصعوبات القائمة الآن، لكن هذه الصعوبات يجب ألا تجعلنا نتراجع إلى الخلف، بل على العكس من ذلك يجب أن تشحن فينا المزيد من الهمم لتسعير النضال ضد الاحتلال، حتى نُخلّص شعبنا وشعوب أمتنا العربية من المعاناة التي تولّدت بفعل الاحتلال والنكبة التي نعيش أيامها في هذا الشهر، هذه النكبة التي أرادت اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه ونفي أي حقوق له".

إنهاء الانقسام ضرورة وطنيّة

وختم الغول حديثه مُؤكّدًا أنّه "وفي ذكرى الرفيق رباح وذكرى النكبة ستظل الجبهة متمسّكة بالمنطلقات التي انطلقت بها، وتتمسك بكاملِ حقوق شعبنا في فلسطين، وبكل أشكال النضال ضد الاحتلال وفي مقدمتها الكفاح المسلح، كما تشدّد على أننا الآن بأمس الحاجة إلى إنهاء الانقسام الذي دعا إلى إنهائه الرفيق رباح مرارًا، وضرورة استعادة الوحدة الوطنية حتى نستطيع الصمود في وجه مخططات التصفية ومواصلة النضال بكافة الأشكال حتى تحقيق أهداف شعبنا".

"نكران الذات والتماهي مع الجماعة"

د.رباح مهنا الذي فقدته فلسطين والجبهة الشعبيّة، كان بمقدوره أن يكون طبيبًا شهيرًا بوصفه أحد أبرز الأطباء الفلسطينيين لعشرات السنوات، لكنه اختار أن يكون طبيبًا يُسخّر كل جهوده في مقاومة الاحتلال، ومساعدة ومساندة أبناء شعبه أينما وجدوا.

وفي السياق، تحدّثت "الهدف" مع المُحامي يونس الجرو، رئيس جمعية الهلال الأحمر لقطاع غزة، وأحد الأصدقاء المقرّبين للرفيق رباح، إذ أكَّد بدوره "أنّه وبعد مضي عام على وفاة وفراق الرفيق أبو مروان نستذكر تاريخه النضالي، ومواقفه الوطنية، وشخصيته العملانية المتحفّزة للعمل المتواصل، والقدرة على اتخاذ القرار في أحلك الظروف"، مُشيرًا خلال حديثه: "في هذه الظروف التي يمرّ بها شعبنا الفلسطيني نحن نحتاج الرفيق أبو مروان، وباستمرار كانت لديه القدرة والجرأة في اتخاذ المواقف المطلوبة والتي كانت تحتاج لقرارٍ سريع".

مصلحة الجماهير أولاً

وأوضح الجرو أيضًا أنّ "الرفيق رباح كان يتميّز بحسن المعاملة وطيبة القلب والتواضع، والعلاقة الحميمية مع كل فئات وطبقات شعبنا وبالذات مع الطبقات الفقيرة والمحتاجة، وكان له مواقف جذرية وصلبة في القضايا الوطنيّة، وبالتأكيد نحن اليوم نعاني من خسارة فادحة بعد فقدان هذا الرفيق العزيز المتواضع، الذي فضّل المصلحة الوطنيّة على كل مصالحه الشخصية، وتفانى بالعمل الوطني وضحى بكل امتيازاته الشخصيّة والعائليّة في سبيل القضيّة الوطنيّة".

وتابع الجرو: "كان الموقف المبدئي للرفيق رباح باستمرار نابع من مصلحة الجماهير وحرصًا عليهم، وكان متعاطفًا بشكلٍ كامل ويتبنى قضاياهم ويدافع باستمرار عن هموم ومآسي شعبنا الفلسطيني، وبالذات الطبقة المسحوقة".

وأشار الجرو خلال حديثه إلى أنّ "الرفيق رباح هو من أسّس إتحاد لجان العمل الصحي ووضع حجر الأساس في ظل ظروفٍ وطنيةٍ واقتصاديةٍ صعبة جدًا، ومع ذلك بذل المستحيل، وأثبتت وجهة نظره أنها صحيحة، وهي أن شعبنا كان يحتاج لهذه المؤسسة التي قامت بدور أساسي في تقديم خدمة للفئات الفقيرة والمسحوقة، وبالذات في المناطق الشماليّة لقطاع غزّة التي كانت تعاني من ظروفٍ اقتصاديّةٍ صعبة، وفعلاً استطاع تأسيس مؤسّسة صحيّة كبيرة على مستوى قطاع غزة، وكان هو صاحب الفضل الأول رغم كافة العقبات".

وختم الجرو حديثه مع "الهدف" بالتأكيد على أنّ "الوفاء للرفيق رباح يكون "بالتمسك ومواصلة السير على الخطى والأفكار والمفاهيم التي كان يتبنّاها ويدعو إليها ويدافع عنها، وبالذات في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها السكّان في قطاع غزة من حالة حصار وجائحة كورونا، ونحن اليوم في أشد الأوقات حاجةً لكل المفاهيم والأفكار والمعتقدات الذي كان يؤمن بها الرفيق الدكتور رباح مهنا الذي تبنى كافة قضايا العمّال والطبقات المهمّشة".  

الرفيق أبو مروان كما يقول رفاقه، انهمك في أيامه الأخيرة ورغم وضعه الصحي الصعب في كيفيّة مواجهة الصفقة الأمريكيّة المُسماة إعلاميًا بـ"صفقة القرن"، وهي المشروع الأمريكي القديم - الجديد لتصفية قضيتنا الفلسطينيّة، ووضع نصب عينيه أنّ حالة الإجماع الوطنيّة الرافضة لهذه الصفقة يمكن استثمارها للدفع بجهود ترميم الحالة الوطنية المنهكة بالانقسام والاحتلال، لمواجهة هذه الصفقة التصفوية.

نختم بكلمة الأستاذ تيسير محيسن التي قالها ممثلاً عن مؤسسات العمل الأهلي والمجتمعي خلال حفل التأبين العام الماضي، والتي استحضر فيها مناقب الرفيق الراحل، قائلاً: "كم كنت شجاعًا وجريئًا وأنت تواجه المواقف الصعبة بحكمةٍ وحنكةٍ وصلابةٍ دون خوف أو وجل، نتذكّر وأنت تقدّم بطاقة عضوية الجمعيّة العربيّة الطبيّة للجندي الصهيوني بدلاً من التصريح، أو حينما تحدّد مكان جلوسك بين ركاب السيارة أو موعد ركوبك من القدس بما لا يلفت الانتباه إليك وأنت تحمل مواد كفاحيّة سريّة".