كلام سياسي في حال الترقب والانتظار

حجم الخط
بقلم / محمد الريفي

ما سمعناه في اجتماع الأمناء العامين في رام الله وبيروت أمس برئاسة السيد الرئيس محمود عباس أبو مازن، كونه خطوة تنظيمية هامة على طريق تجسيد وحدة الموقف السياسي  الفلسطيني أمام المجتمع الدولي، غير أنه على أرضية الواقع السياسي يبقى مجرد كلام سياسي معروف ومكرر، ذلك أنه لم يعد لهذا الكلام المختلط بالعاطفة والحماس غريبًا على سماع  المواطن الفلسطيني الذي أصابه الإحباط وخيبة الأمل من لفظية الشعارات السياسية التي تطرح عادة عند كل أزمة يمر بها الوضع الفلسطيني؛ بسبب عدم إنجاز خطوات على طريق الوحدة الوطنية، سواء فيما يتعلق بإنهاء الانقسام أو بإعادة تفعيل منظمة التحرير وجعلها إطارًا للكل الفلسطيني وهما مطلبان كانا دائماً منذ مدة طويلة يتصدران قائمة الخطوات السياسية لتصليب الموقف الوطني أمام ما يخطط من مشاريع تصفية للفضية الفلسطينية. 

لقد جاءت كلمات كل الأمناء العامين حول هذين المطلبين إنهاء الانقسام السياسي مع المحافظة على شعار المقاومة بكل أشكالها بما فيها الكفاح المسلح وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني على أن تتحول إلى اطار للكل الفلسطيني على أساس الشراكة الوطنية؛ جاءت هذه الكلمات تأكيدًا على أهمية تفعيل الفكر السياسي الفلسطيني والعربي، في هذه المرحلة في مواجهة تعابير ومصطلحات جرى استخدامها في الخطاب السياسي الفلسطيني والعربي، بعد إبرام اتفاقيات التسوية والاعتراف بالكيان الصهيوني، ولكن كل ذلك يبقى أيضًا.

مجرد كلام سياسي في حال انتظار التحقيق، لأنه ليس من  السهولة تطبيق  ما تم الحديث عنه  بسبب الارتباط والتعلق بالمصالح التنظيمية والمكاسب الفئوية والامتيازات الشخصية، وهي أمور كفيلة بإعاقة، أي عمل سياسي مخلص يستهدف إصلاح الوضع الداخلي  الفلسطيني ويجعله على مستوى التحديات والأخطار المطروحة، وقد حدث ذلك بالفعل طيلة أربعة عشر عامًا من عمر الانقسام السياسي، حيث لم يتم الالتزام بالاتفاقيات الموقعة... إن إصلاح الوضع الداخلي الفلسطيني في ظل هرولة التطبيع العربي الذي كان بسبب تراجع مكانة القضية الفلسطينية لدى أطراف عديدة خليجية وغيرها في النظام السياسي العربي الرسمي، لم يعد يكتفي بتحقيق هذين المطلبين فقط: إنهاء الانقسام السياسي وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، بل الضرورة السياسية والوطنية تقتضي العمل الحثيث على طريق تجديد كامل للمشروع الوطني، حتى يستطيع مواجهة المشروع الصهيوني الذي بدأ يحقق نجاحات سياسية وأمنية واقتصادية، لم يحلم بها مؤسسوه الأوائل.. تجديد في المشروع الوطني ينال كل مكوناته الرئيسية التنظيمية والسياسية والفكرية  ابتداء بالقيادة السياسية ومرورًا بالبرنامج السياسي والكفاحي بالبحث عن قواسم مشتركة إلى تغيير في البنية الهيكلية، فالضرورة السياسية الوطنية تقتضي إيجاد قيادة جديدة بديلة عن الفئة  الاجتماعية التي ارتبطت مصالحها كشريحة متنفذة باتفاقية أوسلو وملحقاتها الأمنية والاقتصادية؛ قيادة وطنية تحررية شابة قادرة على التفاعل مع المتغيرات السياسية الإقليمية والدولية، وتسعى على تكوين تحالف مع دول عربية وإسلامية وأجنبية، وحركات وأحزاب سياسية مناهضة للتطبيع ولديها الرغبة المتزايدة في نصرة القضية الوطنية كقضية سياسية. وفي سياق الدعوة الى التجديد والمقاومة وإنهاء الانقسام وتفعيل المنظمة، كذلك الشروع بالعمل على إنهاء هذا التشرذم السياسي الفلسطيني التي أحدثته الانشقاقات الداخلية التي سجلت في مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة، والتي كانت في غالبيتها ليست بسبب بروز خلافات سياسية وفكرية داخل الفصيل الواحد، بقدر ما كانت جريًا وراء تقلد أوضاع قيادية والحصول على بريق إعلامي، ومما ساعد في ذلك نمو كيانات قطر ية في المنطقة العربية  وترسخها وبعضها كان تجاهه قوميًا عمل على  الاهتمام بالشأن السياسي الفلسطيني على أساس احتضان بعض الانشقاقات، وكان ذلك التشرذم الذي تحقق في الساحة السياسية الفلسطينية، وأن لا معنى لتجديد المشروع الوطني دون العودة  إلى الأصل، وذلك بالقيام بعمل اندماج وحدوى طوعي للفصائل التي تتوافق في برامجها السياسية والفكرية، حتى يتخلص النضال الوطني الفلسطيني من عبء هذا التعدد التنظيمي الذي أثقل مسيرته الكفاحية، حيث بعض الفصائل الوطنية أصبحت بعد خروج مقاتلي الثورة الفلسطينية من لبنان، وكذلك بعد توقيع اتفاقية اوسلو مجرد أرقام لا فاعلية سياسية أو كفاحية  لها على أرض الواقع، إضافة إلى أن هذا التعدد هو ظاهرة سلبية منافية للديموقراطية الثورية كأسلوب لحل الخلافات السياسية والفكرية، ومخالفة أيضًا لواقع حركات التحرر الوطني التي تقوم عادة على جبهة واحدة أو اثنتين او ثلاث على أكثر تقدير لكل واحدة منها برنامجها السياسي والفكري.