نكبة القضية!

حجم الخط
بغياب القضية الفلسطينية عن الأجندة الدولية، ومع عدم وجود رؤية وإستراتيجية واضحة من قبل القيّمين عليها بغية حلها (أي حل؟!) بحيث تكون الخاتمة لمآسي الشعب الفلسطيني متعددة الجوانب والأشكال، نلحظ في السنوات الأخيرة، وبالتزامن مع الازدياد الكثيف في وسائل الاتصال والتواصل الجماهيرية (ووسائل الإعلام العربية سيئة التوجه بمعظمها!) التي ساهمت في اتساع رقعة التفاعل مع الأحداث الوطنية، المغالاة في إعلاء شأن الرمزية، المرتبطة بالأحداث والمحطات التاريخية في سيرورة المأسآة أو النضال الفلسطيني. وفي ذلك ما استوجب بدوره استحضار الأيقونات (المفتاح والبرتقال اليافاوي كرمز للتهجير والعودة) والبحث الدؤوب عنها كأداة ضرورية في عملية تحوّل المناسبات الوطنية إلى شعائر ومراسم سنوية لا تخلو من التسابق، المنافسة والمزاودات! أُكرر وأؤكد، أنه بغياب القضية، وتلاشي تأثير النخب الفكرية المثقفة! استحوذت الرمزية مجمل فعاليات العمل الوطني المنظم منه في الإطار الحزبي أو ما سواه، بحيث يكثر حضور الأيقونات ويزداد الحديث عن المآثر والبطولات الأسطورية كركيزة أساسية في عملية التعبئة الجماهيرية الشعبية. بواقع الأمر ليس فيما ورد ما ينفي أو ينتقص من أهمية الرمزية ودور إحياء ذكرى المحطات التاريخية من تاريخ القضية الفلسطينية، من جهة وعيي التام لمساهمتها الفاعلة في تثقيف، توعية وتذكير الأجيال المتعاقبة بالغبن والمأسآة التي لحقت بالشعب الفلسطيني ( وما زالت !) ... من هنا يأتي السؤال الأهم: هل يجوز اختزال القضية بالرمزية؟! بما أن الإجابة بالنفي المُستبطنة في صيغة السؤال هي محور هذا المقال، لا بد من الحديث والإضاءة على بعض الجوانب المغلوطة والمنقوصة والمشوهة في جوهر القضية الفلسطينية منذ النكبة الأولى المؤرخة خطأً في العام 1948.. اقتصرت مدلولات النكبة في عملية التهجير، الإقصاء والنفي لجزء كبير من أبناء الشعب الفلسطيني التي أضحت فيما بعد مسألة (قضية) اللاجئين وحق العودة، (المنصوص دولياً بقرار 194) في حين أن إسقاطات النكبة طالت كل فلسطيني المنشأ أو الجذور. وهنا أؤكد أنها طالت أيضا كل مكونات وشعوب ما يُسمّى "بالعالم العربي" وهذا ما يظهر جلياً في تخبط الأحداث التي تعصف بالدول العربية منذ مطلع العام المنصرم. بواقع الأمر إنّ كل فرد فلسطيني أو عربي هو تجسيد حَيْ لمعنى النكبة، وأستطيع الجزم في هذا السياق أنه لن ينعم أي من "الشعوب" العربية بالحياة الطبيعية، في حضن دولة عصرية متطورة ذات سيادة، طالما أبناء الشعب الفلسطيني يعانون التهجير، الاحتلال، الإقصاء والاضطهاد. خلاصة الكلام متجنباً الإطالة متحاشياً الوقوع في المتاهة أتابع كالتالي ..... انطلاقاً من اعتراف معظم الدول العربية (وشعوبها!!) بوجود دولة إسرائيل وتسليم غالبية الفصائل، الأحزاب والحركات الفلسطينية الفاعلة والمؤثرة في فلسطين الخطوط والأرقام وخارجها بحقيقة وجود إسرائيل كأمر واقع. ومن منطق التغيرات الحاصلة في محيطنا العربي وتغييب أولية القضية الفلسطينية عمداً أو بغير قصد، بات من الضروري صياغة رؤيا جديدة تعيد الأولوية في المنطقة إلى القضية الفلسطينية وتضعها بالواجهة، بحيث أنها البوابة الوحيدة لعبور الشعوب العربية جميعاً نحو التحرر. إذاً.... إنّ السبيل الوحيد "للخلاص" والوصول إلى الحل العادل مع ضرورة التركيز على عادل! يتلخص في بناء (وليس إعادة بناء!!) مشروع وطني شامل لكافة أبناء ومكونات الشعب الفلسطين على مختلف مواقعهم. على هذا المشروع أن يرتكز على أهداف واضحة وثابته مبنية على أساس الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، واعتماد إستراتجية وآليات كفيلة بتحقيق الأهداف، بالتعاون الكامل مع "الدول" العربية الشريكة (غير المتضامنة!) بالقضية الأهم (الوحيدة) في الشرق الأوسط.