الهدم الذاتي لمنازل المقدسيين.. سيف مسلط على رقابهم لإذلالهم وتشريدهم

fWH1G.jpg
حجم الخط
نجيب فراج _ بيت لحم
 

أصبح نهج عمليات الهدم المنزلي لأصحابه سيفًا مسلطًا على المواطنين المستهدفة منازلهم بالهدم وجميعها في أماكن سكنية ب القدس الشرقية وهذا ينسحب ليس فقط على التكلفة المالية الباهظة على المواطنين المستهدفين ولكن أيضًا على نفسياتهم ونفسيات أبناء عائلاتهم وهذا ما وثقه مركز أبحاث الأراضي التابع لجمعية الدراسات العربية وسرد قصة للطفلة شذى والتي لوحت لزميلاتها في المدرسة وهي تركض عائدة للبيت، يقرص معدتها الجوع وتعلم أن أمها ستطبخ لهم اليوم المقلوبة التي تشتهي، فوالدها لن يذهب للعمل بسبب عيد العرش اليهودي، قالت لنفسها سيتلقفني أبي حال وصولي البيت في حضنه اذ أنه في الصباح عندما خرجت للمدرسة كان يغط في نومه.

توقفت شذى عند مفرق الشارع بانتظار سيارة مسرعة، ثم قطعت الشارع وانحرفت لليمين باتجاه طريق عين سلوان وأسرعت خطاها باتجاه البيت المختبئ في فرع جانبي خلف شارع العين، مرَّت ببيت جيرانهم فشاهدت جارتهم أم محمد تقف ضاربة كف على كف، خافت من منظرها فقد كانت عيناها متعلقة بشذى والقت عليها التحية ولكن وجه الجارة بقي مكفهرا وتمتمت "كان الله في عونكم"..!!! استغربت شذى لكنها لم تهتم واصلت السير صعوداً وبدأ العرق يتصبب من جبينها، سرحت قليلاً وهي منهمكة في ان تذهب لتستحم قبل الغذاء وتبسمت بفرح فقبل أن يبني لهم والدها الغرف الإضافية للبيت وهي عبارة عن غرفتي نوم ومطبخ وصال، كانوا يستخدمون غرفة واحدة قديمة من زمن جدها، حينذاك كانوا يستحمون مرة واحدة في الأسبوع.

اقتربت شذى من فناء البيت فإذا بعدد من الجيران يقفون وينظرون بأسى والدموع في عيونهم، وجارتهم أم سلامة تصرخ: "حسبي الله على إسرائيل وإللي جابها علينا"، فجأة.. تحجرت شذى وتوقّفت كأنها في كابوس حلم ثقيل، مشهد صعقها وجمد الدماء في عروقها، حاولت الاقتراب لم تستطع تحريك قدميها، حاولت الصراخ فلم يخرج صوتها، لم تعد تسمع أصوات الناس المتجمهرين.. لم تصدق ما ترى.. والدها يهدم في بيتهم الإضافي الجديد وغرفتها أصبحت كومة من الردم، والدتها تبكي بصمت وأخفت وجهها بكلتا يديها عندما لمحت إبنتها! ووالدها يضرب بمعوله بعنف شديد وبكل قوته! أدار ظهره لها عندما رآها وواصل الهدم بعنف أشد.

جريمة الهدم الذاتي.. ابتزاز وإذلال!

ويقول تقرير المركز إنّ جريمة الهدم الذاتي هو شكل صارخ من أشكال الجرائم الاحتلال ولربما تخص فقط الاحتلال الاسرائيلي فهي غير مسبوقة في كل عصور الظلام منذ نشأة الخليقة حتى القرن الحادي والعشرين.

والهدم الذاتي هو أن يقوم صاحب المنشأة "مجبرًا" على تنفيذ عملية هدم مسكنه أو منشأته بنفسه بصمت، وهذا النمط من الهدم كان يتم بصمت في الخفاء دونما إعلام، يتم في الظلام حرجًا وخجلاً في أن يصرح المواطن بأنه "خرب بيته أو منشأته بيده".

رغم أن أعداد حالات الهدم هذه كثيرة إلّا أنها اليوم في ازدياد مما دفع المواطنين ضحايا الهدم "الإجباري الذاتي" بالتصريح عنها وفضحها.

كيف يتم إجبار المقدسي هدم بيته!؟

ويستهدف هذا النوع من الهدم أهالي القدس المحتلة ويعتبر من الخروقات الصارخة للحق في السكن وجريمة في حق الإنسانية لا يقبلها أي منطق. فذريعة الاحتلال بإصدار هذه القرارات: "البناء بدون ترخيص" حيث يحمل نص الاخطار الموجه لصاحب المنزل المستهدف.

(بيتك قائم بدون ترخيص فهو غير قانوني وعليك هدمه وإزالته في أقرب فرصة، وأن تقوم بتصوير البناء بعد هدمه وتسلمها إلى قسم التفتيش عن البناء والتنظيم في البلدية، وعليك تحديد تاريخ كسقف زمني تنفذ فيه هدم بيتك أو الجزء المخالف منه – هذا التاريخ يعتبر خطاً أحمراً لا يمكن تجاوزه أو تأجيله -، وفي تاريخ تحدده البلدية لاحقاً ستنعقد محكمة البلدية للشؤون المحلية للنظر في عدم تنفيذك قرار الهدم وستفرض عليك غرامة مالية، وستقوم البلدية بهدم وإزالة بيتك على نفقتك أي انك ستدفع كافة تكاليف تنفيذ قرار الهدم إلى بلدية الاحتلال، وإذا لم تدفع ستُسجن إلى حين دفع كل ما هو مطلوب منك).

ويقول التقرير إن الكثير من المقدسيين – لا سيما الفقراء منهم – يضطرون لهدم مساكنهم بأنفسهم لتقليل الخسائر الناجمة عن هدم الاحتلال وغراماته غير المحدودة.

ماذا يفعل الاحتلال في حال عدم قيام المالك الفلسطيني بهدم مسكنه بيده؟

يقوم الاحتلال بالهدم دون إخطار وفي وقت قريب ومفاجئ، غالباً في ساعات الفجر الأولى قبل بزوغ الشمس.

يحاصر جيش الاحتلال وشرطته العسكرية الحي السكني الذي يحوي المسكن المستهدف بقوات مدججة، ويفرض منعاً للتجوال ويحتجز سكان الحي في مساكنهم لحين انتهاء عملية الهدم.

يلقي الكثير من قنابل الغاز السام والرصاص المغلف بالمطاط والمعدني اتجاه أي مواطن أو جيران يحاولون الخروج من منازلهم أو التجمهر أو وقوفهم على أسطح منازلهم المجاورة.

ويمنع الصحافة ويمنع التصوير ويصادر أي كاميرا أو جهاز خلوي يستخدم لتصوير عملية الهدم ويعتقل من يقوم بذلك.

ويتم تكليف شركة هدم خاصة بالقيام بكل ما يطلبونه منهم – سنأتي على تفاصيل ذلك لاحقاً-.

كما يتم الإيعاز لسائقي الجرافات بتخريب مساحات أكبر للمنطقة يتجاوز هدم المسكن المستهدف، مما يؤدي إلى تصدع مساكن الجيران ومحلاتهم، وتقطيع شبكات المياه أو الهاتف أو الكهرباء وتدمير الطريق المؤدية للسكن، وهذه أضرار تُعقّد حياة وظروف الحي السكني برمته، وتكبدهم خسائر وغرامات مستقبلية.

يقوم الاحتلال أثناء حملة الهدم إذا رفض صاحب المنزل المستهدف هدمه بيده استئجار مقاول هدم، ومعه عمال لتفريغ المسكن، وكل ذلك يقيّد على نفقة صاحب المسكن، وتكليف قوة عسكرية لمرافقة المقاول لحمايته ومعها كلاب بوليسية (وهذه أيضاً لها تكاليف عالية تقيّد على صاحب المسكن المستهدف بما فيها أثمان قنابل الغاز والصوت والرصاص المطاطي التي تستخدم أثناء عملية الهدم).

أثناء عملية تفريغ المسكن من قبل عمال شركة الهدم تتم عملية تحطيم للأغراض والأثاث والأجهزة بصورة متعمدة.

الكلاب البوليسية وبإيعاز من القوة العسكرية تقوم بالاعتداء على المواطنين الذين يقتربون خاصة أصحاب المسكن نفسه.

غالباً ما يتم ضرب أفراد الأسرة – ردًا على غضبهم واحتجاجهم- ويتم اعتقال بعضهم ولا يفرج عنهم إلّا بدفع غرامات أخرى وبكفالات باهظة.

ويقدمون للأسرة فاتورة هدم تحوي تكاليف المقاول والجرافات وأجور العمال، والحراسة وكافة مستلزماتها العسكرية، وتكاليف استئجار كلاب الحراسة، وتكاليف مخاطرة.

وقال التقرير إن أمر ازالة الركام من قبل أصحاب المنزل مدتها خلال 48 ساعة وإلا سيتم فرض غرامة تتصاعد يومياً إذا لم ينفذ المالك ذلك.

الهدم الذاتي في القدس بالأرقام:

وثق مركز أبحاث الأراضي خلال العشر سنوات الأخيرة 246 مسكنًا مقدسيًا قد تم هدمها بأيدي مالكيها مرغمين تحت وطأة التكاليف الباهظة وعجز المالكين عن مواجهة هذه السياسات السادية، وقد أثر ذلك على ما يزيد عن 1332 فرداً أصبحوا بلا مأوى منهم 670 طفلاً.

ووثق قسم مراقبة الانتهاكات "الإسرائيلية" التابع للمركز المنازل التي أجبر الاحتلال أصحابها على هدمها منذ العام 2010 وحتى العام الحالي، اذ جرى في العام 2010 هدم 13 منزلاً، ويقطنها 102 مواطن بينهم 61 من الأطفال، وفي العام التالي جرى هدم 15 منزلاً ويقطنها 88 مواطنًا بينهم 56 طفلاً، وفي العام 2012 جرى هدم 14 منزلاً ويقطنها 92 مواطنًا بينهم 53 طفلاً، وفي عام 2013 جرى هدم 13 منزلاً ويقطنها 107 مواطنًا بينهم 64 طفلاً، وفي عام 2014 جرى هدم 11 منزلاً ويقطنها 88 مواطنًا بينهم 31 طفلاً، وفي العام 2015 جرى هدم ستة منازل ويقطنها 31 مواطنًا بينهم 14 طفلاً، وفي العام 2016 جرى هدم 28 منزلاً ويقطنها 125 مواطنًا بينهم 56 طفلاً، وفي العام 2017 جرى هدم 17 منزلاً ويقطنها 90 مواطنًا بينهم 55 طفلاً، وفي العام 2018 جرى هدم 20 منزلاً ويقطنها 125 مواطنًا بينهم 65 طفلاً، وفي العام 2019 جرى هدم 39 منزلاً ويقطنها 174 مواطنًا من بينهم 82 طفلاً، أمّا في العام 2020 الذي لم ينتهي بعد فقد سجل أعلى احصائية في الهدم وبلغت 70 منزلاً ويقطنها 310 مواطن بينهم 133 طفلاً.

إحصائية الهدم منذ 01/01- 20/09/2020

ويوضح الرسم البياني المرفق عدد المساكن المهدومة – هدماّ ذاتياً- خلال السنوات الماضية (2010 – 20/09/2020)

121002376_2278308188981261_3579777119620133955_o.jpg
 

ويقول التقرير إن الهدف من استخدام هذا النوع من الهدم في القدس المحتلة هو تهجير الفلسطينيين من القدس المحتلة لتصبح ذات غالبية يهودية. وتتعمد قوات الاحتلال أن تُظهر أن الفلسطينيين يهدمون بيوتهم بأنفسهم اعترافاً منهم بخطئهم كذلك يبرئ الاحتلال نفسه – شكلاً – من جريمة الإخلاء والهدم، ويوفر الاحتلال على نفسه تعقيدات إجراءات ومواجهات واحراجات الهدم، كذلك إنّ التأخر في تنفيذ الهدم الذاتي يشكل مصدر دخل مربح للاحتلال (إصدار مخالفات بعشرات آلاف الشواقل).

أما الآثار السلبية التي تلحق بالأسرة عند تنفيذ عملية الهدم الذاتي فهي متعددة فيعد الهدم الذاتي من أشد الأنواع ألماً وقهراً ليس كالهدم الذي ينفذه الاحتلال.. فعند قيام الاحتلال بهدم المسكن فالأسرة تبقى متماسكة حاقدة على الاحتلال خاصة الأطفال بينما عندما ينفذ أمر الهدم رب الأسرة ويهدم المسكن الذي يأوي أسرته تُظهره أمام أبنائه بأنه ضعيف لا يحميهم ولا يوفر لهم الأمن والأمان مما يجعل الأسرة مفككة تشعر بعدم الاستقرار (فرب الأسرة الذي من المفروض أن يحميهم ويبني لهم مأوى يلائمهم يقوم بهدم مأواهم) فلذلك يحبط الأطفال نفسيًا ويعيشون حياة ممزقة مأساوية تنعدم فيها الثقة بالأسرة والمجتمع وبالتالي الثقة بالمستقبل، بالإضافة إلى ذلك الخسائر المادية التي سيتكبدها المواطن، وشقاء عمره كله يذهب هدرًا.

خلفية قانونية

ونوّه التقرير إلى أنّ المعاهدات والاتفاقيات الدولية ومواثيق حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني لا تنص نصاً صريحاً يناقش أو يقدم فتوى قانونية وحقوقية بخصوص جريمة إجبار مواطني الأراضي الواقعة تحت الاحتلال على هدم مساكنهم بأيديهم، علماً بأن هذه المعاهدات قد جرِّمت انتهاكات أدنى من ذلك بكثير، والسبب هو أن من صاغوا هذه المعاهدات لم يكن ليخطر ببالهم هذا الصنف من جرائم قد يقوم بها أي احتلال مهما كان جبروته وساديته، حيث لم يسجل التاريخ مثل هذه الجرائم الغريبة والتي لم تخطر على بال أعتى الشياطين.

ودعا المركز خبراء القانون الدولي الإنساني ونشطاء حقوق الإنسان في العالم بدراسة هذه الجريمة والقيام بحملة دولية من أجل تجريمها ومعاقبة أي دولة إحلال تقوم بها.