الجماهير الشعبية أداة التغيير في مواجهة أنظمة الاستبداد والتطبيع

حجم الخط

 

تعددت أشكال التطبيع العربي المخزي والمذل مع العدو الصهيوني، قبل توقيع كل من الإمارات والبحرين و السودان الاتفاقيات الرسمية، برعاية إدارة ترامب المتصهينة، وتم ذلك في وقت كان يزداد فيه طابعه اليميني القمعي الفاشي، وكل هذه الأشكال كانت تعبر في حقيقتها عن هزيمة النظام العربي الرسمي، في مواجهة المشروع الصهيوني المدعوم، بشكل أساسي من الإمبريالية الأمريكية، حيث لم تتخذ جامعة الدول العربية التي تمثل هذا النظام على مستوى المنظمات الإقليمية، أي موقف مناهض لهذه الأشكال واكتفت بموقف الصمت أولًا ثم التأييد بعد توقيع الاتفاقيات، حيث اعتبرت التطبيع شأنًا داخليًا للأعضاء، وهو موقف متخاذل، لأنه يعتبر في حد ذاته خروجًا عن سياسة التضامن العربي ووحدة الصف، وأيضًا ميثاق الجامعة نفسه.
فضائية الجزيرة القطرية التي رخصت لها الحكومة الإسرائيلية، منذ فترة ماضية طويلة؛ مكتبًا إعلاميًا كان باكورة مكاتب التمثيل التجاري والإعلامي العربي في دولة العدو.. إلى زيارة وفود إسرائيلية متعددة إلى البحرين، كان إحداها وفدًا يضم حاخامات يهود، شاركهم ملك البحرين نفسه بالرقص على شاكلة تشبيك الأيدي.. إلى زيارة نتنياهو إلى سلطة عمان واستقباله من قبل السلطان الراحل قابوس.. إلى مشاركة السفير السعودي في الحفل الذي أقامته السفارة الإسرائيلية في القاهرة بمناسبة بمناسبة مرور 71 عامًا على تأسيس الكيان عام 1948، والذي يسميه الإعلام الإسرائيلي بعيد الاستقلال... إلى عزف النشيد الوطني الإسرائيلي ورفع علم دولة العدو، في أبو ظبي بدولة الإمارات، على هامش مشاركة رياضيين إسرائيليين.. إلى ما صدر عن وزيرة الخارجية السوداني بعد عزل الرئيس البشير من إمكانية التطبيع مع العدو... هكذا كل هذه الأشكال تمت قبل الاعتراف الرسمي، بوجود الكيان الصهيوني من قبل الدول الثلاث، بحيث أصبح التطبيع الرسمي العربي، بعد ذلك، أي في هذه المرحلة السياسية التي تمر بها المنطقة؛ ظاهرة علنية تتسابق فيها قوى الرجعية العربية؛ بسبب تبعيتها المطلقة للمعسكر الرأسمالي الإمبريالي وكسب رضا الولايات المتحدة الأمريكية؛ زعيمة هذا المعسكر، لذلك ليس غريبًا على هذه الرجعية، خاصة منها الخليجية القبلية المتخلفة؛ التهافت على القيام بإجراءات التطبيع، وكان آخرها زيارة نتنياهو بصحبة وزير الخارجية الأمريكي بومبيو للسعودية، بدعوة من ولي العهد محمد بن سلمان. 
لقد جرت متغيرات نوعية كثيرة، جعلت المنطقة العربية، مسرحًا للتدخل الإقليمي والدولي، وقد انسحبت هذه المتغيرات على الموقف من العدو الصهيوني، فبسبب توجيه متعمد إلى الدور االإيراني، ذي الصبغة الطائفية في المنطقة، والسعي التركي لإعادة الهيمنة العثمانية من جديد؛ بارتداء نظام أردوغان عباءة الإسلام السياسي؛ أصبح العدو الصهيوني لا يشكل عند كثير من الأنظمة العربية؛ عدوًا رئيسيًا لها، غير أن أهم هؤلاء الأعداء على هذه الأنظمة السياسية القمعية الآن وفي هذه المرحلة السياسية هي الجماهير الشعبية التي أخذت تخرج للشارع؛ مطالبة بإسقاط النظام، كما حدث في الانتفاضات الماضية التي انطلقت من تونس على إثر حادثة البوعزيزي، ثم انحرفت بوصلتها؛ بتعميم الفوضى السياسية، بدلًا من تعميم الديموقراطية أو الاحتجاجات الشعبية التي جرت بعد ذلك في الجزائر ولبنان والعراق، والتي أطلقت وسائل الإعلام عليها في ذلك الوقت بالموجة الثانية لما سميت بثورات الربيع العربي، وهو ما يؤكد على أن هذه المرحلة السياسية هي مرحلة الثورات الشعبية التي تقودها الجماهير كأداة أساسية للتغيير؛ بسبب ما تعانيه من أوضاع معيشية بائسة، وذلك بعد تراجع دور الأحزاب والقوى السياسية والنقابات المهنية عمومًا؛ بسبب أزمتها البنيوية وغلبة الفكر السياسي الإصلاحي الذي يتعاطى مع المصالح التنظيمية على نهجها النضالي، خاصة منها الأحزاب القومية واليسارية، وذلك عما كانت عليه أيام المد القومي، وكذلك أيضًا فشل الانقلابات العسكرية في أحداث التغيير الوطني الديمقراطي المطلوب؛ كون العسكرتايا، كفئة قمعية فاشية معادية أصلاً للعملية الديمقراطية (انقلاب السودان)، وهو تراجع وفشل تداعياته السلبية، أنه يأتي في مرحلة تشهد انحطاطًا سياسيًا وأخلاقيًا عربيًا، غير مسبوق ومظاهره الرئيسية الثلاثة: الاستبداد، والفساد والتطبيع، وكلها تتجلى للعيان في الواقع السياسي العربي، بأقبح صورها المشينة.