عن أزمة الماركسية ارتباطاً بأزمة أحزاب وفصائل اليسار العربي

حجم الخط

أزمة الماركسية عندنا، تتجلى في كونها تعيش حالة قطيعة أو إرباك مع تراثها، ارتباطاً بالأزمة الفكرية لدى أحزاب اليسار العربي، وهذه الأزمة أسهمت في ضياع بوصلة تلك الأحزاب، الفكرية والسياسية، ليس بسبب التبعية الميكانيكية تاريخياً للمركز في موسكو، أو بسبب الوعي المسطح أو البسيط على مستوى الاعضاء فحسب، بل أيضاً بسبب هشاشة وضعف الوعي في معظم الهيئات القيادية التي عاشت نوعاً من غياب الوعي الماركسي أو اللامبالاه – والرفض العلني أو المبطن- للفكر الماركسي، إلى جانب الاغتراب أو العزلة عن قواعدها التنظيمية وجماهيرها، فضلاً عن حالة الجمود الفكري والتنظيمي البيروقراطي وتراكم المصالح الطبقية الانتهازية بتأثير العلاقة مع هذه السلطة أو هذا النظام أو ذاك.
كما تجلت الأزمة أيضاً، في المنتسبين إلى هذه الأحزاب وهيئاتها القيادية، لا سيما ضعف وعيهم للدور الذي على الماركسية أن تقوم به في مجتمع متأخر تابع ومستباح، وبالتالي الضعف الشديد لتأثيرهم أو غيابه في أوساط الجماهير، بدليل اشتعال الانتفاضات العربية دونما أي دور ملموس لأحزاب وقوى اليسار فيها التي غيبت نفسها بسبب تفاقم أزماتها ، وعجزها وقصورها الذاتي على الرغم من نضج الظروف الموضوعية المتمثلة في الاستلاب الوطني الناجم عن وجود القواعد العسكرية والاحتلال الصهيوني من جهة، ومن جهة أخرى، في الاستلاب والاستبداد الطبقي الناجم عن شدة بشاعة استغلال الطبقة الحاكمة وحلفائها لجماهير الفقراء اللذين خرجوا بالملايين مشاركين في الانتفاضة بصورة عفوية، سرعان ما احتضنتها قوى الإسلام السياسي والقوى الليبرالية، إلى جانب قوى الثورة المضادة، في ظل غياب محزن للطليعة اليسارية المدافعة عن أماني وأهداف الجماهير.  
نستنتج مما تقدم، إلى أن ما يوصف بأنه "أزمة الفكر" لدى أحزاب اليسار العربي هو في الحقيقة أزمة الممارسة بسفحيها: النظري والعملي، فثمة بون شاسع بين الممارسة النظرية، مثلاً، وبين انتقاء وجمع وتوليف مجموعة من الأفكار والمبادئ والتصورات، قُطعت عن منظومتها الفكرية، وانتُزعت من سياقها التاريخي، عبر مسميات خجولة أزاحت النص الصريح بالالتزام بالماركسية، لحساب نصوص تلفيقية أو توفيقية أو تحريفية، أو عناوين استرشادية جاءت انسجاماً مع مواقف العديد من الأحزاب الشيوعية التي تخلت عن اسمها أو بعض الفصائل والحركات الأخرى التي اتجهت صوب الخلط الفكري بين الليبرالية والماركسية، أو حتى شطب الماركسية من أدبياتها، ذلك الخلط أو الشطب، سيعزز تراجعها المتصل، وتهميشها وسيعجل بنهايتها.