سد النهضة واحتمالات المواجهة للمخطط العدواني

حجم الخط

سد النهضة الإثيوبي الذي يعود الاهتمام به إعلاميًا هذه الأيام بسبب المباحثات التي تجددت بشأنه بين مصر والسودان، حيث قام عبد الله حمدوك رئيس وزراء السودان بزيارة القاهرة واجتماعه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتكثيف التنسيق بين دولتي المصب مصر والسودان في مواجهة الاستعداد لبدء المرحلة الثانية من ملء الخزان.. هذا السد هو في الأصل مخطط عدواني قديم بدأ التفكير به منذ ستينيات القرن الماضي بإيعاز من الكيان الصهيوني؛ طمعًا بتزويده بالمياه إلى صحراء النقب عبر سيناء، وبمشاركة الخبراء والمهندسين الإسرائيليين في تصميم بنائه وبتشجيع أيضًا ومساعدة البنك الدولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم التمويل، وهو بنك يستخدم عادة كأداة ضغط سياسي واقتصادي من قبل واشنطن على الدول المناوئة للسياسة الأمريكية، وقد حدث أن رفض هذا البنك تمويل مشروع السد العالي؛ بسبب رفض مصر بقيادة عبد الناصر لهذه السياسة الاستعمارية وتحقيق انتصارات في مواجهة خطر الأحلاف العسكرية وكسر احتكار بيع السلاح والانفتاح على المعسكر الاشتراكي. هكذا فإن مشروع سد النهضة بدأ التفكير به منذ البداية كجزء من المخطط الصهيوني الإمبريالي في المنطقة، وبهدف تحديدًا أضعاف وابتزاز مصر الدولة العربية الكبرى؛ من حيث تعداد السكان من خلال نقص نصيبها كدولة مصب من مياه النيل التي هي شريان الحياة لمائة مليون مصري يقيمون غالبيتهم على ضفاف النهر. وقد لقي المشروع أيضًا تعاطفًا كبيرًا من دول الغرب الاستعماري من واقع العلاقة الدينية التي تربطه مع إثيوبيا المسيحية بأغلبية مذهبها القبطي.

إن علاقة إثيوبيا السياسية والدينية بالعرب على المستوى التاريخي هي علاقة عدائية يشوبها التوتر؛ بسبب التباين القومي والديني بين العرب والأحباش، ويزيد حدة ذلك التوتر والحقد ارتباط اليهود التاريخي بالإمبراطورية الإثيوبية السابقة (يهود الفلاشا)، حيث كان يفتخر الإمبراطور هيلا سلاسي بأصوله اليهودية وتعلقه بنجمة داود الإسرائيلية وحادثة ترحيل يهود الفلاشا الذي تمت إلى الكيان الصهيوني عن طريق السودان في عهد الرئيس جعفر النميري ما زالت عالقة في الأذهان، وقد كان التباين القومي والديني كذلك هو وراء حرب صحراء الأوجادين بين إثيوبيا والصومال وكذلك انفصال إريتريا وتحريرها من قبضة الهيمنة الاحتلالية الأثيوبية وحرب المياه التي من المتوقع أن تجري بين مصر وإثيوبيا في حال عدم التوصل إلى اتفاق؛ عبر عملية المفاوضات السياسية التي تجري بين حين وآخر والتي من المقرر أن تشهد قريبا جولة هامة لها بمشاركة الاتحاد الإفريقي ستكون هذه المواجهة العسكرية خيارًا وحيدًا لمصر للدفاع عن حقوقها الوطنية، وأيضًا ستسجل في التاريخ السياسي للمنطقة كحلقة من حلقات العداء بين الأمة العربية وجيرانها من الأمم المجاورة ذات النزعة القومية كالفارسية والطورانية (إيران و تركيا )، مما يدلل على أن العامل القومي هو محور الصراع في المنطقة كلها لذلك يستوجب من الأمة العربية، ومن قواها الوطنية والقومية والديمقراطية الوقوف مع مصر العربية الشقيقة في دفاعها عن حصتها من مياه نهر النيل باعتبار ذلك جزءًا من الأمن القومي المصري والعربي أيضًا. ومع تطور المواجهة العسكرية إذا ما جرت بين مصر وإثيوبيا باعتبارها ضرورة تستدعيها تأثير وخطر السد على حصة مصر المائية، فقد يكون للكيان الصهيوني دورًا أساسيًا من خلال تقديم المساعدة العسكرية للجيش الإثيوبي، مما يكشف طبيعة المشروع الإثيوبي وارتباطه العضوي بالمخطط الصهيوني الإمبريالي، وفي ضوء ذلك على النظام المصري أن يعود بمصر الشقيقة الكبرى إلى دورها القيادي في المنطقة العربية من خلال التخلص من تبعات العلاقة السياسية والأمنية مع الكيان الصهيوني، واعتبار ذلك مهمة عاجلة؛ بسبب التداخل العميق بين القضايا الوطنية والقومية حتى يتوفر لها التفاف كبير من قبل الجماهير العربية لقضاياها الوطنية، وذلك شبيه إلى ما كان الحال عليه في عهد المرحلة الناصرية، حيث كان الدعم العربي الرسمي والشعبي لمصر في تأميم قناة السويس وبناء السد العالي وغير ذلك من القضايا الوطنية المصرية الأثر الكبير في صمودها وهزيمة القوى الاستعمارية والصهيونية والرجعية.