إنهم يتمسكون بأوسلو من بوابة القدس

حجم الخط

من يعتقد بأن تأجيل الإنتخابات التشريعية مرتبط بقضية الإصرار على اجرائها في القدس انتخاباً وترشيحاً ودعاية انتخابية تحت اشراف لجنة الإنتخابات المركزية،والمقصود هنا في البلدات والقرى المقدسة التي تقع ضمن دائرة سيطرة بلدية الإحتلال،والمعرفة مجازا ب"قدس 1"،21 بلدة وتجمع مقدسي فهو واهم ،من "نزل" عليه الوحي فجأة وأصبح يقول بأنه يريد انتخابات في القدس كما هي في رام الله ونابلس وغيرها ،يدرك تماماً بأن ميزان القوى مختل لصالح دولة الإحتلال،ولا يسمح بإجرائها في المدى المنظور،وفق هذا التصور والطرح،وهذا كلمة حق يراد بها باطل،وسلاح لمحاربة من يقولون بأن علينا ان نجري الإنتخابات،ونعمل على فرضها على الإحتلال في مدينة القدس،ونبحث عن الطرائق والأليات التي تمكننا من اجرائها ومشاركة المقدسيين فيها ...وعندما طرحت مسألة الإشتباك السياسي والشعبي والجماهيري مع المحتل تحت عنوان الإنتخابات،خرج علينا من لا يستطع تشكيل قائمة انتخابية ولا يستطيع ان يجتاز نسبة الحسم بالمطلق،ولم تقم فتح بضمان مكانة له في قائمتها،وادرك بأن نهاية دوره التاريخي واغتصابه لهذه المواقع قد وصل الى نهايته،  خرج ليقول لنا بأننا نريد انتخابات في القدس،وليس اشتباك فيها ... نسقوا ووزعوا الأدوار فيما بينهم بتواتر تصريحاتهم وبياناتهم واعلامهم والعديد من الأنشطة والفعاليات التي تخدم هذا الهدف والغرض،ولكي يصلوا الى مبتغاهم في إلغاء الإنتخابات وليس تأجيلها،وخرجوا ليقولوا لنا بأنهم لا يستطيعون السير في الإنتخابات دون مشاركة المقدسيين فيها،ولكن بالمقابل هم ينتظرون ضغوطاً أوروبية وأمريكية على اسرائيل ،لكي تسمح بإجرائها في القدس ،وكأن اسرائيل ستنزع عن نفسها صهيونيتها وستتخلى عن كل المكاسب التي حققتها وخاصة بعد ما نقلت امريكا سفارتها للقدس واعترفت هي والعديد من الدول الهامشية بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال،وتسمح بإجراء الإنتخابات في القدس بالطريقة التي يتحدث عنها الرئيس عباس، وهو المدرك تماماً بان اتفاق أوسلو الذي ما زالت سلطته ممسكة به،والذي اجل قضية القدس الى ما يسمى بالمرحلة النهائية،التي لم تأت رغم مرور 27 عاماً،عمل فيها الإحتلال ليل نهار من أجل أن يهود ويأسرل مدينة القدسة،وضمن هذا الإتفاق وافقت السلطة على اجراء الإنتخابات في القدس ،بأن يشارك المقدسيون في هذه الإنتخابات بأن ينتخب عدد محدود منهم لا يزيد عن 5327 مقترع في خمسة مراكز بريد اسرائيلية كرعايا في دولة أجنبية وتحت اشراف جيش الإحتلال وبدون مراقبين لا محليين ولا دوليين ولا وجود لمندوبين عن المرشحين،وبقية المقترعين يقترعون في مراكز اقتراع في ضواحي مدينة القدس،مع التأكيد على عدم ممارسة الدعاية الإنتخابية في القدس ،وتكرر نفس المشهد في الإنتخابات التشريعية في كانون ثاني /2006 مع زيادة عدد المقترعين في مراكز البريد الإسرائيلية الى (6300) مقترع،وستة مراكز بريد اسرائيلية وليست خمسة ....ولذلك أقصى ما يمكن إن ان ينتزعه الأوروبيين الغربيين وأمريكا وكل الضغوط الدولية التي تمارس على دولة الإحتلال، لن تتجاوز سقف أوسلو ....والسلطة التي تريد الإنتخابات في القدس،تدرك تماماً بأن التمسك بإجرائها في مكاتب البريد الإسرائيلية مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتراجع عن التحلل من التزامات اوسلو الأمنية والسياسية والإقتصادية في 17/1/2020،هذا التحلل الذي رفضت أغلب القوى الفلسطينية،ولكنها عادت ولتشارك في هذه الإنتخابات،والتمسك من قبل السلطة بهذا الخيار هو تمسك باوسلو تمهيداً للعودة الى ماراثون المفاوضات العبثية بالرهان على الإدارة الأمريكية الجديدة....ولذلك أرى من الهام الضروري بأن تعلن كل القوى الفلسطينية التي عارضت تأجيل الإنتخابات الفلسطينية مع القوائم الإنتخابية عن رفضها المشاركة في أي انتخابات تجريها السلطة وفق صيغة أوسلو،والإصرار على أن تعلن السلطة عن خروجها من مسار أوسلو ووفق العمل بكل التزاماته،وتغيير دور ووظيفة السلطة وبأن تصبح خادمة لشعبنا  كلكل وأداة من أدوات منظمة التحرير الفلسطينية التي يجب أن يعاد لها الإعتبار وأن  يعاد تشكيلها بما يضمن كل القوى السياسية  الفلسطينية،ووفق المتغيرات التي حصلت من بعد الإنتخابات التشريعية كانون ثاني/2006،وكذلك كل المستجدات التي حصلت مؤخراً ....هذه السلطة التي المتذرعة بقضية القدس من اجل الغاء الإنتخابات،والتي وجدنا التصريحات " الثورية" للعديد من قادة من يمسكون بالسلطة وقيادة فتح الرسمية يقولون بأنهم سيفرضون الإنتخابات في القدس انتخاباً وترشيحاً رغم أنف الإحتلال،وليخرج قائداً اخر ملهم وألمعي ليقول بأن حركات التحرر لا تجري إنتخابات تحت الإحتلال،والإنتخابات جرت ولمرة واحدة،والمصيبة الكبرى أنه كان يشارك في قيادة ملف الإنتخابات والإتفاقيات مع حركة ح م ا س،وجرى انتخابه في مركزية فتح في مؤتمرين للحركة عقدا تحت الإحتلال.

تأجيل قضية الإنتخابات غير المسقوف زمنياً والذي يشير الى الإلغاء مرتبط بجملة من القضايا الداخلية والخارجية،ففي الجانب الداخلي نرى بأن السبب الجوهري هو،فشل الصفقة الثنائية مع حركة ح م ا س بخوض الإنتخابات ضمن القائمة المشتركة او الوطنية الموحدة  ودخول الأسير القائد مران البرغوثي على خط الترشح للرئاسة،بما يغيير من موازين القوى في المجلس التشريعي الجديد وكذلك عدم ضمان فوز الرئيس عباس بالرئاسة كمرشح توافقي،وكذلك فإن حالة التشظي والخلافات والإنقسامات داخل القوى السياسية،وبالذات وجود اكثر من قائمة محسوبة على فتح ( العاصفة والحرية والمستقبل) ووجود 15 قائمة أخرى "تغرف" من رصيدها وجمهورها ومصوتيها ،وبما يترتب على ذلك من تغير في توزيعة  نسب وحجوم القوى السياسية في المجلس التشريعي الجديد،والذي قد لا يفرز فتح كقوة أولى،وبما يفقدها السلطة والمنظمة،وفي الإطار الداخلي قد تجد نفسها مضطرة للتنسيق مع ح  م ا س من أجل تشكيل الحكومة أو ربما تحتاج للتعامل والتفاوض مع قوائم " الحرية والمستقبل".

هذه المتغيرات التي قد تحصل بالتأكيد اسرائيل التي لا تريد الإنتخابات الفلسطينية بشكل عام وليس الإنتخابات في القدس وأمريكا  كذلك الراغبة في إعادة إطلاق الماراثون التفاوضي العبثي من جديد،ستجد نفسها أمام قيادة  جديدة "تصدع" لها رأسها وتغادر النهج والخيار السابقين،والأكثر خطورة انها ستجد نفسها مضطرة للتعامل مع رئيس موجود في الأسر،وما قد يسببه لها ذلك من إحراجات كبيرة على المستوى الدولي.

بعض الفصائل التي تتمتع بمواقع وامتيازات والمغتصبة التمثيل والقرار باسم الشعب الفلسطيني ،والتي وصل دورها التاريخي الى محطته الأخيرة،وهي تلفظ أنفاسها ،بعد ان عفى الزمن على قياداتها المتكلسة والمحنطة والمتنمطة ،والتي لم تستطع ان تشكل كتلة إنتخابية ،ولن تستطيع عبور نسبة الحسم،وبعد أن رفضت فتح أن تحملها في مواقع مضمونة،لكونها لم تتسع لإبنائها،فكيف ستتسع لمثل هؤلاء،ولذلك ركبوا موجة تأجيل أو الغاء الإنتخابات من بوابة القدس .

التمسك بمشاركة المقدسيين في التصويت بمراكز البريد الإسرائيلية، لا يغير من جوهرية فلسطينية القدس،ولكن هذا التمسك مرتبط  بصلة وثيقة بعدم التحلل من التزامات اوسلو تمهيداً لتحضير المسرح السياسي الفلسطيني للعودة للمفاوضات مجدداً وفق صيغة اوسلو والتزاماته.

اما في الإسباب الخارجية فهناك رفض اسرائيلي وعربي ودولي لإجراء هذه الإنتخابات ،وعبر عن ذلك رئيس " الشاباك" الإسرائيلي نداف ارغمان في لقائه مع الرئيس عباس،والذي خرج علينا البعض ليقول بأن الرئيس عباس وبخه لطلبه عدم اجراء الإنتخابات الفلسطينية خوفاً من فوز ح  م ا س فيها،وكذلك تأجيل الإنتخابات الفلسطينية وعدم اجرائها خوفاً من فوز ح  م ا س فيها كان محور حديث بين وزيري خارجية دولة الإحتلال اشكنازي ووزير الخارجية الأمريكي بلينكن.

نحن أمام تحديات وتداعيات خطيرة  ستنتج عن تاجيل الإنتخابات او الغائها،فهي ليس فقط ستعمق من حالة فقدان الثقة ما بين القيادة والقوى من جهة وبين الجماهير الشعبية من جهة أخرى،وبأنه لن يكون هناك انتخابات في ظل وجود مثل هذا النظام السياسي الفاقد لشرعيته،ولن تكون هناك انتخابات نزيهة في ظل الإنقسام والسلطة المهيمنة والإحتلال، بل الأمور ستصل الى حد مخاطر انتشار الفوضى والفلتان الأمني وسلطة المليشيات  وانتشار الجهوية والعشائرية والقبلية وتفكك المبنى الوطني والمجتمعي ،والخضوع أكثر للشروط والإملاءات الخارجية ودولة الإحتلال،وظهور دعوات ليس تدعو فقط الى اعادة بناء منظمة التحرير وترميمها بشكل جذري،بل ربما الدعوة الى تشكيل منظمة بديلة  والدعوة الى اسقاط السلطة تحت شعار "إكرام الميت دفنه" .

السلطة لن تغادر نهج وخيار وثقافة اوسلو ولن تخرج من تحت عباءة  المحور العربي- الأمريكي .