بين سايغون وكابول: هل ممكن تجنب المقاربة؟!

حجم الخط

لم يكن من الممكن تجنب المقارنة إلا لتشكّل مقاربة رغم اختلاف البيئة الأمنية والسياسية، والمقصود هنا العودة، إلى اضطرار الولايات المتحدة العام 1975، وبعد هزيمتها المنكرة في فيتنام من إنقاذ ديبلوماسييها من على سطح سفارتها في سايغون في اللحظة الأخيرة من نهاية حرب خسرتها بفعل المقاومة الفيتنامية وذلك بمقاربة المشاهد الأخيرة التي رأيناها في مطار كابول، إذ يحاول الرئيس الأميركي بايدن تجنب هذه المقاربة عندما يكون «لن يكون هناك من يجب إجلاؤه جواً من على سطح السفارة الأميركية في كابول، لا يمكن المقارنة على الإطلاق» هكذا يقول بايدن ومع أنّ تفاصيل كل مشهد منقول من سايغون وكابول قد يكون مختلفاً عن الآخر، لكن جوهر المقاربة هنا يتعلق بسيناريو اللحظات الأخيرة لهزيمة الولايات المتحدة في كل من أفغانستان كما كان الأمر عليه في فيتنام، وكذلك هناك اختلاف في سرعة وصول المشهد إلى المتلقي، فقد تم توثيق إجلاء وهروب الديبلوماسيين الأميركيين والمتعاونين الفيتناميين من على سطح السفارة في سايغون، لكي يتم بث هذا المشهد بعد ساعات. أمّا، اليوم، فإن المشهد الذي رأيناه في كابول وعلى مرأى من كل العالم في لحظة واحدة من المسافة صفر زمنياً.

لم تكن هناك أي فرصة لتجنب هذه المقاربة، خاصة على ضوء ما يجمع المشهدين من فوضى الإجلاء سواء من سطح السفارة أو من مطار كابول، وحتى في التفاصيل فإن المقاربة بين المشهدين تصبح حدثاً بحد ذاته، ليس فقط فيما يتعلق بهزيمة أميركا ولكن أيضاّ بتخليها عن عملائها والمتعاونين معها في فيتنام كما في أفغانستان.

ولزيادة التأكيد على أنه لم يكن ممكناً تجنب هذه المقاربة فإن إدارة بايدن قد وضعت خطة مبكرة للانسحاب المنظّم من أفغانستان مع نهاية الشهر الجاري سواء لقواتها أو لقوات حلف «الناتو» إلاّ أنه مع استمرار سيطرة «طالبان» على المقاطعات والمدن الأفغانية بشكل متلاحق ومتسارع واحدة تلو أخرى وكأننا أمام مشهد للعبة الدومينو، مع ذلك أشار «البنتاغون» إلى أن سقوط كابول بيد «طالبان» ممكن بعد ثلاثة أشهر إلاّ أن الأمر استغرق ثلاثة أيام فقط، ما نريد الإشارة إليه هناك أنّ الرؤية الأميركية جانبها الصواب في معظم تفاصيلها فقد تم استخدام مصطلحات وكلمات مثل الصدمة والمفاجأة كإيحاء على أخطاء التخطيط الأميركي التي تقف من خلفه كبرى مراكز البحث والدراسات وأجهزة المخابرات!.

وما دمنا نتحدث عن أجهزة المخابرات الأميركية، يمكن أن نتوقف عند مقال كان قد كتبه ويليام بيرنز رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية الجديد، في كانون الأول العام 2019 بعنوان: «نهاية التفكير السحري في الشرق الأوسط»، يتناول فيه بجرأة الأخطاء التي ترتكبها السياسة الخارجية الأميركية عموماً وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص فيقول: إننا غالباً ما نقرأ تيارات إقليمية بشكل غير صحيح ونخطئ في ملاءمة الوسائل مع الأهداف، وأدى تعصبنا التبشيري إلى توتر عسكري زائد واستثمار ديبلوماسي ضئيل والميل الزائد عن الحد لتأثيرنا والتقدير الأقل للعقبات التي تقف في طريقنا، ما أدى إلى غياب الانضباط وخيبات الأمل.

ونعتقد أن هذه السطور القليلة التي أشار إليها بيرنز تفسر وتشرح أسباب الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها السياسة الخارجية الأميركية كما كان الأمر عليه في مناطق عدة من العالم بما فيها القضية الفلسطينية بوصفها قضية مركزية.

وبالعودة إلى الفارق الأكيد في المقاربة التي نتحدث عنها فإن هزيمة أميركا في فيتنام أدّت إلى وحدة هذه البلاد التي احتلها الأميركيون، بينما هزيمة أميركا في أفغانستان من المرجح أن تؤدي إلى عودة البلاد إلى القرون الوسطى وتدشين مرحلة جديدة من الحرب الأهلية، دون أن يعني ذلك بالتأكيد تبريراً للاحتلال الأميركي.