انعقاد المركزي واليسار الريعي

حجم الخط

ليست موافقة الجبهة الديمقراطية أو حزب الشعب على حضور جلسة المجلس المركزي، الناتج عن دورة للمجلس الوطني الإشكالي الذي عقد عام 2018، سوى خضوع لمنطق الريع السياسي والمالي الذي ساد في منظمة التحرير الفلسطينية التي اتخذت من المحاصصة والتراضي أكثر من التوافق، أسلوبًا لإدارة حركة تحرر وطني، كان يلزمها جبهة وطنية فعالة، أكثر من إطار بيروقراطي أسسته الأمة في قمة نقلت عملية الفرز في الوطن العربي بين تقدمي ورجعي إلى شكل من التضامن على قاعدة توافقية، أزاحت قضية فلسطين إلى ما يقرب من الهامش، وخلقت المنظمة كيما تعفي نفسها من مسؤولية قومية كبرى.

هل العلة هي في حضور جلسة هذا المجلس وجدول أعماله أم العلة في ما آلت إليه حركة التحرر الفلسطيني من مآل لا يخفى على أحد وهنه وسقمه؟! وبالتالي في ظل هذا الوهن والسقم، ليس غريبًا أن تتغير العناوين من الكفاح المسلح إلى التنسيق الأمني، ومن الصراع على البرامج السياسية إلى التكالب على ما أفرزته جيفة أوسلو من مكاسب وأعطيات ومكانات ومقامات، لقاء أن تصبح منظمة التحرير في وظيفتها ومهمتها كوظيفة ومهمة ذكر النحل الذي لا يراد منه إلا تلقيح الملكة ثم يموت، ولا يراد من المنظمة الآن سوى ختمها على صك التنازل النهائي عن أعدل قضية إنسانية ومن بعدها تدفن في كتب التاريخ السوداء، دون مراسم، كما دفنت الهيئة العربية العليا بعد النكبة.

كان يمكن للقيادة المتنفذة أن تعقد المجلس حتى دون فصايل اليسار الريعي وهي لا تعدم قدرة الحاوي على تفصيل كل الإجراءات لعقده، ولكن ما كان يراد من جر اليسار الريعي إلى ذلك، هو مزيد من تفتيت الحركة المناهضة لكل ما يجري واخضاع ما تبقى من كيانات لمشيئة من قالوا له: "ما شئت لا ما شاءت الأقدار... فأحكم فأنت الواحد القهار"، هذا رغم كونه مقهورًا ومستلبًا ومهدورًا، يصدر قهره واستلابه وهدره إلى الآخرين.

لكن هل معارضة ومقاطعة هذا المجلس كافية وقادرة؟ أم أنها شكل اعتراضي يسجل الموقف للتاريخ ولا يخطو بعده خطوة واحدة باتجاه لجم هذا التهاوي الوطني؟

ربما يكون فعل المقاطعة لازمًا وصحيحًا، لكن كيف يمكن استعادة الروح الكفاحية لشعب بات كالإسفنجة، يمتص كل الصدمات ولا يقفز، منتصبًا في وجه حالة السيلان الوطني والسياسي الجارية؟

يقينًا أن ذلك يحتاج إلى طليعة ثورية، لم تعد هذه الطليعة حتى الآن عنوان ثقة هذا الشعب، سواء نتاج العجز، أو عدم الحسم، أو الحرص الرومانسي على تلفيقة الوحدة، أو نتاج الارتباط بمشروع إقليمي، يرى عراة غزة تحت المطر ويجمع التبرعات لأجل مشروع أردوغان في توطين اللاجئين السوريين.

هذه الطليعة لن تستقيم إلا إذا نفضت عن نفسها غبار واسن كل المرحلة السابقة، لن تستقيم كيسار إلا إذا غسلت صدأ التعيّش على الريع السياسي والمالي وهذا مكلف لشريحة سكنتها قوة العادة ومد الأيدي بدل شد السواعد في كل الجوانب.

لا ضرورة أن نكون شغالات النحل التي تكد كل يوم كي تبقى الملكة وتخدم ذكر النحل حتى يموت، يمكننا أن نكون نحن من ينتزع لقمته من فأسه وخير البلاد كثير، ليكون شوره من رأسه، وهذا ليس باليسير، إنما يحتاج لصبر وصمود ويحتاج لإرادة التغيير في الفكر والسياسة والتنظيم وأشكال الكفاح، يحتاج إلى ضباط يعرفون كيف يرسمون الخطط للجنود، لا إلى إداريين يتلهون بالروتين وتقليب الأوراق ومحاضر الاتفاقات، نحتاج إلى جيفارية حقيقية، وهذه كبيرة تحتاج الى كبار، لذا فمن الصغار التلهي بقضية ثانوية كحضور المجلس المركزي أو مقاطعته، لأن في ذلك دليل على العجز والارتهان.