الأزمة الأوكرانية وتحولها بالحرب لإسقاط النظام

حجم الخط

توصف الأزمة الأوكرانية التي انتقلت إلى مرحلة الحرب ببدء الهجوم الروسي، كما يشاع حاليًا في وكالات الأنباء وبما يرد على لسان كثير من الكتاب والمحللين السياسيين الغربيين الكبار، بأنها أخطر أزمة يتعرض لها العالم، وذلك بعد الحرب العالمية الثانية، وهي أزمة تعيد للأذهان أزمة الصواريخ النووية السوفييتية في جزيرة كوبا في عهد رئيسها كاسترو في الستينات من القرن الماضي، ولولا حكمة الزعيم السوفييتي خروتشوف وحنكته السياسية آنذاك الذي أمر بتفكيكها لكان من المتوقع في تلك الأيام التي حبس العالم فيها أنفاسه، خوفًا ورعبًا من اندلاع حرب نووية مدمرة بين القطبين الأعظم... الآن لأول مرة بعد انتهاء الحرب الباردة تعود المواجهة العسكرية بين روسيا الاتحادية التي ورثت الاتحاد السوفييتي السابق في مقدرته العسكرية النووية، وبما تتمتع من حجم بشري وموقع جغرافي في شرق أوروبا وعلى تخوم آسيا.. وبين حلف الناتو الذي تقوده الولايات المتحدة والذي أعلن الرئيس الأمريكي عن استعداد الحلف للدفاع عن أوكرانيا، إضافة إلى فرض عقوبات مالية واقتصادية على روسيا، في وقت بدأ التنسيق فعليًا بين الولايات المتحدة التي تقود الحلف وبين أعضائه، خاصة بريطانيا، وقد كان الحلف يتوقع هذا الهجوم الروسي، لذلك صرح أحد قادته العسكريين عن عزم الحلف لدفع بالمزيد من القدرات العسكرية إلى بلدان شرق أوروبا المنضوية في إطاره كبولندا وبلغاربا ورومانيا والمجر.. هكذا كان متوقعًا بدأ الهجوم الروسي وهو لن يكتفي بإبطال منظومة الدفاع الجوي الأوكرانية وشل جاهزية العديد من المطارات والقواعد العسكرية، بل ستكون وجهته الوصول إلى العاصمة الأوكرانية كييف، بهدف إسقاط النظام السياسي اليميني الموالي للغرب وتنصيب حكومة جديدة موالية لموسكو، وهو ما تعتبره الدول الغربية اعتداء على الديموقراطية وعلى القانون الدولي، وذلك ما ذهب إليه أيضًا مجلس الأمن القومي الأمريكي الذي انعقد بعد بدء الهجوم الروسي برئاسة الرئيس بايدن، وضم وزيري الدفاع والخارجية. 

يعد إسقاط النظام السياسي الأوكراني في نظر المحللين السياسيين الغربيين، هدفًا في غاية الصعوبة تحقيقه، كون الأوكرانيين جميعهم، قد أعلنوا سابقًا عن استيائهم من الخطوات الروسية السابقة وأهمها ضم جزيرة القرم، ثم ما أعلن عنه بوتين في خطابه قبل الهجوم بالاعتراف باستقلال كل من جمهورتي دونستك ولوغانسك وتوقيع اتفاقيات سياسية واقتصادية معهما... وأيضًا مما ينبغي الإشارة هنا إليه أن بوتين الذي أعطى بعد ذلك الخطاب الاستراتيجي إشارة البدء بالهجوم العسكري، كان يرى من جهته أن ذلك العمل الحربي البعيد عن الجهد السياسي والدبلوماسي الذي تميل إلى ممارسته الأنظمة السياسية الديموقراطية، والذي مارسته بالفعل الخارجية الروسية دون جدوي، عملًا مشروعًا ومبررًا، وذلك للدفاع عن الأمن القومي الروسي والذي هدده توسع حلف الناتو شرقًا، وبعزم كل من أوكرانيا وجورجيا وبلدان أخرى كانت ضمن جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق بالانضمام إليه، حيث يعتمد عليه الاتحاد الأوروبي في تحقيق مصالحه كقطب أعظم في السياسة الدولية. وكذلك يندرج هذا العمل العسكري من وجهة النظر الروسية الرسمية بأنه يتم في إطار حماية الوجود البشري الروسي في شرق أوكرانيا، وهو الذي تواجد أيام الحقبة السوفييتية، أي حمايته من الاقتلاع والطرد.

ما يمكن قوله أخيرًا، أن هذه الأزمة الأوكرانية ليست أزمة طارئة بين روسيا والغرب، فهي إضافة إلى كونها من جهة روسيا دفاعًا عن النفس، منعًا من المحاصرة والتطويق من حلف الناتو، ألا أن هناك أسباب أخرى كانت وراء حدوثها، أهمها تجسد في كون روسيا تنتمي للعرق السلافي والمذهب المسيحي  الأرثوذكسي، خلافًا لبلدان أوربا الغربية التي يغلب عليها المذهب الكاثوليكي أو البروتستني، وقد كان هذا الاختلاف العرقي والمذهبي دائمًا وراء توتر العلاقات بين روسيا أيام الإمبراطورية القيصرية أو الاتحاد السوفييتي السابق أو روسيا الاتحادية الآن وباقي البلدان الغربية. وأيًا ما كان أسباب الأزمة الأوكرانية ومصدر تفاقمها وانتقالها إلى مرحلة الحرب، فإن ما يميزها عن الأزمات السياسية التي حدثت في الماضي بين النظام الرأسمالي العالمي والنظام الاشتراكي، أنها بعيدة عن الصراع الطبقي؛ فروسيا الاتحادية ليست الاتحاد السوفييتي الشيوعي السابق، الأمر الذي أفقدها وقوف حركات التحرر الوطني والأحزاب اليسارية في بلدان العالم الثالث بشكل لافت، حيث لم يجد كل هؤلاء أسباب موضوعية حول حجم المساندة التي يمكن تقديمها لروسيا التي تبحث عن مصالحها الحيوية القومية الخاصة بها كقوي عظمى في العالم.