طهرن تأكل الصبار الحلو و"تل أبيب" تدمى بأشواك فيينا

حجم الخط

تعكس التحليلات والتعليقات الصهيونية على مسار المحادثات النووية مع إيران في فيينا، القلق والتوتر الذي يضرب الوسط السياسي والأمني الصهيوني، على خلفية الاعتقاد بالانتصار التام لإيران في هذه المحادثات، وفي معركة مسارها النووي ككل.

يبدو هذا التوتر مفهوما حين نراجع سلسلة الوقائع المتعلقة بالمسعى الصهيوني، لإحباط المفاوضات ودفع الولايات المتحدة للانسحاب منها ومواصلة سياسات العقاب لإيران وصولا ربما إلى الخيار العسكري، ليس فقط لإجبار إيران على التراجع عن مسارها النووي ولكن لإسقاط وتغيير النظام الإيراني بحد ذاته، هذا تاليا، ولكن كان هناك أولا، الجهود الصهيونية التي أسفرت عن دفع الإدارة الأمريكية في عهد دونالد ترامب إلى الانسحاب من الاتفاق وفرض سلسلة العقوبات على إيران.

النتيجة الأكيدة التي يناقشها الجميع، إن الزمن ما بين إنسحاب واشنطن في عهد ترامب، وما بين عودتها صاغرة إلى الإتفاق دون الحصول على تنازل إيراني واحد، هو زمن ضائع، في السياسة والدبلوماسية والأمن القومي الأمريكي –الصهيوني على حد سواء.

ويبدو أن الحرب في أوكرانيا تسرع هذا المسار مع اعتراف صهيوني- غربي إنها صبت في مصلحة إيران، التي يريد الغرب إغلاق ملفها، مؤقتا على الأقل للتفرغ لللأزمة التي تعصف بأوربا، والتي إيران ليست طرفا فيها، ولكن ما يفترض أنه حليف دولي من جهة، ومنافس ودي في الملف السوري من جهة أخرى، حيث تتعقد وتتشابك العلاقات الروسية الإيرانية، ويفهم طل طرف ما ذا يريد من الطرف الآخر وما هي حدود الاستفادة، وبالتالي، فإن الوقائع الأساسية في السلوك الإيراني السياسي عبر زمن طويل، تبدد الغيمة التضليليلة التي تنتشر بأن إيران تستغل الموقف الأوربي الأمريكي من روسيا لتحصل على مكاسب، أي بلغة قليلة التهذيب أن تبيع طهران موسكو للغرب في سبيل الاتفاق النووي، ولكن هذا يدحضه بشكل أساسي أن عناصر انتصار إيران في الملف النووي قد تبلورت أصلا قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وبمساعدة روسية واضحة.

القلق الصهيوني يبرز بأنه وإن وقعت إيران الاتفاق النووي إلا أنه تم وضعها فعليا أو بالأحرى وضعت نفسها على مسار التسلح النووي، وهو أمر تنفيه إيران دائما، وهو نفي يكاد يكون ردا على إنكار الكيان الصهيوني –المضلل- بامتلاكه سلاحا نوويا، وتكاد إيران تمارس اللعبة الصهيونية، ولسان حالها يقول للغرب "لقد قبلتم من إسرائيل قواعد هذه اللعبة، وسنلعبها نحن أيضا".

وهذه النتائج التي يبني عليها الكيان الصهيوني قلقه ورفضه للاتفاق، يستمدها من التقرير الصادر عن عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أخيرا، والذي يقول إن إيران تمتلك بالفعل 33.2 كجم من اليورانيوم المخصب إلى مستوى عالٍ جدًا يبلغ 60٪ (مقارنة بـ 17.7 كجم في نوفمبر 2021)، 182 كجم من اليورانيوم المخصب إلى مستوى عالٍ. 20٪ (مقارنة بـ 113 كجم في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021)، تم إنتاجها في منشأة التخصيب بوردو، الواقعة في عمق قلب جبل ، وحوالي 1.278 كجم من اليورانيوم المخصب إلى مستوى يصل إلى 4.5٪ تستخدم لتغذية أجهزة الطرد المركزي للتخصيب إلى 20 و 60 بالمائة.

وزاد معدل التخصيب في الأشهر الأخيرة من 4.9 كجم من اليورانيوم المخصب إلى 60٪ شهريًا إلى 5.7 كجم شهريًا، وقال التقرير إن إيران تقوم بالفعل بالفعل بتشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة صناعياً من عدة أنواع، لذلك إذا قررت إيران تخصيب هذا اليورانيوم إلى المستوى العسكري (أكثر من 90٪) ، فسوف يستغرق الأمر حوالي ثلاثة أسابيع لإنتاج 25 كجم، أي ما يكفي من اليورانيوم لمنشأة الانفجار النووي الأولى (بما في ذلك الوقت اللازم لتغييرات مصفوفة التكوين في أجهزة الطرد المركزي) و أسبوعين آخرين لإنتاج الكمية المطلوبة للمنشأة.يمكن أن يحتوي انفجار نووي ثانٍ خلال أربعة أشهر على كمية كافية من اليورانيوم المخصب للمستوى العسكري لـ 4 أجهزة تفجير نووية.

في الوقت نفسه، يأتي العنصر الآخر من القلق الصهيوني المتعلق بالصواريخ الإيرانية التي لاتنفصل عن المسعى النووي، يحث يزعمون أن إيران تواصل تطوير مجموعة صواريخها الحاملة، لتقصير وقت نقل السلاح النووي إلى هدفه وجعله أكثر دقة، على الرغم من أن إيران وعدت خلال زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتزويد الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمعلومات عن المنشآت الأربع التي تم الكشف عنها بفضل الستيلاء الصهيوني على ما قيل إنه الأرشيف النووي الإيراني، غير إن إيران قالت إنها مستعدة لذلك فقط بعد التوصل إلى الاتفاق ويزعم الكيان الصهيوني أن من المستحيل التأكد من أن إيران ليس لديها منشآت سرية أخرى تم إنشاؤها بعد عام 2003 ، مثل المنشأة في بيرديو.

من ناحية يزعم الكيان أن إيران انتهكت بنشاطها النووي الاتفاق النووي لعام 2015 والتزامات إيران في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووي (NPT) وبروتوكولها الإضافي، ولكن هؤلاء وحلفائهم الغربيين يرون بعين واحدة فقط، لأنه من الصحيح أيضا أن هذا النشاط الإيراني جاء بعد قرار ترامب في 2018 بالانسحاب من الاتفاقية، ومن الصقفاقة الصهيونية والغربية أن يعتقدوا أن إيران ستلتزم باتفاق تم الانسحاب منه من طرفهم، ويزعم الصهاينة أن الغالبية العظمى من الانتهاكات الإيرانية حدثت في عهد بايدن، للاستفادة من مخاوف الإدارة لدفعها للعودة إلى الاتفاق النووي بشروط لإيرانية، رغم أن حدوث الشناط الإيراني بعد انسحاب ترامب وفي عهد بايدن لايعني أي شيء، لأن بايدن لم يلغ قرار ترامب بل على العكس، اعتبر أنه يجب التعامل معه للضغط على إيران، وبالتالي لم يكن لدى إيران أي التزامات قانونية ولا أخلاقية تجاه إدارة بايدن، ومن حق إيران قانونيا وأخلاقيا التصرف بموجب مصالحها.

يعتقد الصهاينة وحلفائهم الأمريكان أن إيران تبعت سلوكا خطرا، وتصل العنجهية بهم للقول إن إيران كان بإمكانها تجنب التصعيد لو وافقت على العودة للاتفاق بموجب الخطوط الأمريكية، وهو أمر غريب ويعكس استعلاء غربيا غير مقبول، فإيران ليست هي من غادر الاتفاق النووي أول مرة، وليست مضطرة للقبول بالشروط الأمريكية التي هي شروط تمت صياغتها في تل أبيب، ولم يؤيدها حتى الأوربيون.

في الواقع ما يغيظ الإسرائيليين أن الصمود الإيراني يؤتي ثماره، حيث وعلى الرغم من أن إيران كان من الممكن أن توافق على ما ذكر أعلاه، أي العودة إلى الاتفاقية وفقًا للخطوط الأمريكية، أي دون رفع جميع العقوبات، وبالتالي تخفيف ضائقة اقتصادية، إلا أن الإيرانيين امتلكوا تقييما رصينا وواعيا للقضية برمتها وللمخاطر، وأيضا لوضع الإدارة الأمريكية، سواء ضعفها أو إدراكها للأخطاء التي ارتكبها ترامب، وبالتالي أصرت طهران على موقفها، وواصلت خططها الخاصة، واستفادت من التغير الجيوغرافي المتمثل في الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وكذلك طريقة الرد الأمريكية على العملية الروسية في أوكرانيا، كلها أشياء أثبتت صحة التصور الإيراني من الأساس وأن صمود طهران الاستراتيحي طوال السنوات الأربع الماضية سيطرح ثمار الصبر الحلوة للنظام الإيراني.

ما يقلق الصهاينة أيضا أن الإدارة الأمريكية رفضت توجهاتهم بمواصلة ممارسة الضغط على إيران للتخلي عن التقدم في القدرة على إنتاج أسلحة نووية والحصول على صفقة أفضل بكثير لواشنطن، من خلال مجموعة من العقوبات (كما تفعل ضد روسيا) و تهديد حقيقي باستخدام القوة، ولكن هذا يلحظ التغيرات وموازين القوة، ومن عنده استعداد للصبر أكثر، نظام إيراني يمكن أن يعمل على خطة سياسية قد تستمر 20 عاما، أم إدارة أمريكية محمومة بجدول انتخابات ومنافسة حادة تجعل الوقت أضيق من إمكانية التلاعب به؟.

وفي الواقع، يمكن الموافقة على التحليل الصهيوني بأنه عمليا وحسب التقارير الأخيرة من فيينا، وإن لم تكن نهائية، استسلمت الولايات المتحدة أيضًا للمطالب الإيرانية المتعلقة بالعقوبات، المعنى العملي هو أن الحرس الثوري لن يتم تعريفه بعد الآن على أنه منظمة إرهابية وأنه سيتم رفع العقوبات عن الشخصيات الإيرانية التي تتهم بأنها وراء هجمات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.

بعد كل هذا يواصل الصهاينة الصراخ، والتنديد واعتبار العودة إلى الاتفاق النووي بحد ذاها أمرا خطيرا ومؤثرا على الأمن القومي الصهيوني، فالصهاينة قلقين من قدرة إيران العلمية على مواصلة البرنامج وليس فقط ما تحوزه من يورانيوم مخصب، وبالتالي يمكن أن الصهاينة يفكرون بضرورة قتل كل الإيرانيين الذين يعملون في البرنامج النووي، وهذا أمر مارسته دولة العصابة الصهيونية وكشف مؤخرا عن الخطط البديلة التي أعدت في الموساد لمواصلة الحرب السيرة ضد إيران، عبر عمليات سبرانية وتقنية واغتيال للعلماء والفنيين.

أيضا يعتقد الصهاينة أن تمكين إيران عبر رفع العقوبات من الوصل إلى عدد كبير من الأصول المجمدة (حوالي 100 مليار دولار) وزيادة الإيرادات من صادرات النفط، سيعزز قدرة النظام على تجاوز الضائقة الاقتصادية وتبريد الاحتجاج الاجتماعي من جهة، وأيضا استخدامها لزيادة النشاط الداعم لحلفاء إيران في المنطقة من فصائل واحزاب مقاومة.

يقلق الصهاينة أيضا من أن رضوخ الأمريكان للاتفاق النووي على الشرط الإيراني، يعكس تراخي التقاء المصالح الأمريكية الصهيونية في الملف الإيراني، وبالتالي يعكس هذا أن الحليفين الأمريكي والصهيوني يعانيان من ضعف لايمكن إنكاره. وإنه إذا كان اجتماع المصالح بين إسرائيل والولايات المتحدة في الماضي ركيزة مهمة في التعاون بين الجانبي ، بما يتجاوز القيم المشتركة، فإن اجتماع المصالح في ظل إدارة بايدن آخذ في التلاشي، كما يقيم الصهيانة، فالأمريكيون يركزون على المواجهات مع روسيا والصين، والتي تكون فيها "إسرائيل" أقل التزاماً بالموقف الأمريكي، وتقلص تدخلها في الشرق الأوسط. وبالنسبة للولايات المتحدة يرى الصهاينة أن تعزيز موقف إيران ليس تهديداً بالغ الأهمية بما يكفي لتعبئة الإدارة لإحباطه، حتى لو أعلنت التزامها بمنع إيران من حيازة السلاح النووي، واقتنعت بأن العودة إلى الاتفاق ستسهم في ذلك، فإنها عمليا تمهد الطريق لإيران لتصبح قوة نووية.

لذلك يسعى الصهاينة وبشكل متسارع إلى تصعيد محاولاتهم لإحباك الاتفاق عبر تجنيد أنصار اكيان في كلا الحزبين في الولايات المتحدة، ولكن لدى الكيان كما ذكرنا أعلاه خطة اخرى، حيث إذا دخل الاتفاق حيز التنفيذ فسيتم الدفع بحملة سرية لإحباط البرنامج النووي الإيراني ، لأنه على الرغم من التصريحات التي تفيد بأن إسرائيل غير ملزمة بالاتفاق، فإن العمل العلني سيكون في البداية أقل ضرورة وحتى أقل احتمالًا نظرًا لالتزام الولايات المتحدة للاتفاقية. ولأن إيران على المدى القريب القليل من العتبة النووية، وهذا بالتوازي مع استخدام الوقت لتطوير القدرة على إحباط البرنامج النووي بالقوة العلنية عند الحاجة، والتعامل مع العواقب المعقدة لمثل هذه الخطوة. أيضا ضمن الخطة الصهيونية مواصلة تقوية التطبيع مع الدول العربية التي توصف بـ "البراغماتية" والتي تشاطر الكيان قلقه من تقوية إيران لقدراتها ونفوذها.