المؤتمر الوطني الثامن للجبهة: محطة للنهوض الوطني والاجتماعي

حجم الخط

المؤتمر الوطني العام للجبهة الشعبية محطة ضرورية ومهمة، من أجل الخروج برؤية، تمكن الجبهة لتعزيز دورها في منظمة التحرير الفلسطينية لإعادة البعد الوطني التحرري للقضية الفلسطينية، هذا الدور يتطلب من المؤتمر، الخروج بقرار واضح حول رؤية الجبهة للحل النهائي الذي يجب أن يقوم على أساس إعادة الاعتبار لشعار الدولة الديمقراطية العلمانية، هذا الشعار الذي تم تجاهله وأسقط من التداول السياسي الفلسطيني لصالح الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران ١٩٦٧، والدولة المستقلة شعار أسقطته العدوانية الإسرائيلية التي لم تقبل بالتنازل الذي قدمه التحالف اليميني الفلسطيني العابر للتنظيمات، بدعم من اليمين العربي الذي أوهم الشعب الفلسطيني والعربي، بأن اتفاقية أوسلو ستعطي الفلسطينيين حقوقهم المنقوصة.

بالرغم من كل التنازلات الفلسطينية، فإن عدوانية إسرائيل الإحلالية، تعاطت مع اتفاقية أوسلو كوسيلة لتقويض الدعم الدولي والعربي للقضية الفلسطينية وتحويلها لمشكلة يجب أن تُحَل في إطار التفاوض الثنائي الذي يحكمه ميزان قوى محسوم لصالح العدوانية الإحلالية الإسرائيلية، المدعومة من الوسيط الذي اختاره تحالف اليمين الفلسطيني - العربي وربط مستقبل الحل بمظلته.

شعار الدولة الديمقراطية العلمانية هو شعار الشعب الفلسطيني الذي أجمع عليه في الميثاق الوطني الفلسطيني الذي يعطي بعدًا ديمقراطيًا لطابع الدولة الذي يعكس توازن القوى الاجتماعية في فلسطين التاريخية، ويعد مدخلًا لإعادة الحق الوطني للشعب الفلسطيني ويغلق الأبواب على الرؤية الإسرائيلية حول الخيار الأردني الذي ما زالت تعمل على تنفيذه، من خلال تجميع رؤية عربية، تتوافق مع الرؤية الإسرائيلية، من خلال فرض حالة من التغاضي عن الوقائع الاستيطانية التي تقضم وتحاصر الفلسطينيين في أرضهم وتتناسى قضية اللاجئين الفلسطينيين واعتبارها أنها مشكلة سكانية، تتحمل كل الأطراف مسؤولية حلها. إن شعار الدولة الديمقراطية الفلسطينية يغلق الأبواب أمام الدعوات الدينية التي تريد أن تذهب بالصراع نحو الحل الديني الذي يقوض الحل الوطني التحرري ويحوله إلى صراع حول صحة الرواية الدينية أو صراع حول الأماكن المقدسة وأحقية ملكيتها التاريخية، استنادًا للرواية الدينية.

الجبهة الشعبية تنظيم وطني ديمقراطي، يعكس المصالح الوطنية للفئات الاجتماعية الفلسطينية في حلقاتها الأربعة، لهذا، فإن الجبهة بهويتها اليسارية عليها مهمة إعادة تموضعها السياسي والتنظيمي والفكري، ليعكس هذا التنوع الوطني الاجتماعي، بعيدًا عن الخلاف حول الرواية الدينية وصحتها وتأجيلها للآخرة، عندما يلتقي المتصارعين يوم الحساب ويكتشفوا حقيقة الموقف الإلهي.

فكريا:

الجبهة الشعبية هي تنظيم سياسي يحمل مهمة وطنية تحررية لكافة أبناء الشعب الفلسطيني باختلاف موقعها في عملية الإنتاج الاجتماعي، هذه المهمة التي أوجبت تسميتها: جبهة شعبية لتحرير فلسطين، هذا يعني أنها تَحمِل وتَحتَمِل في إطارها كافة أبناء الشعب الفلسطيني، برؤية وطنية تحررية بمضامين ديمقراطية، لها بعدًا اجتماعيًا، يميزها عن اليمين الذي لا يعير أهمية للبعد الديمقراطي.

أما عن طابع علاقات الإنتاج للدولة الفلسطينية المستقبلية، فإن تحديدها يعكسه صراع القوى الاجتماعية والسياسية في إطار الدولة الديمقراطية الذي بالضرورة، يجب أن يعكس ميزان القوى الاجتماعي، وهي عملية داخلية تتداخل فيها مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية.

تنظيميا:

الجوهر الفكري يجب أن ينعكس في الصيغة التنظيمية الجبهوية التحررية الشعبية كإطار يجمع النخب الوطنية التحررية الديمقراطية، والهوية اليسارية الديمقراطية هي المعيار الذي يحكم المسار السياسي والتنظيمي والاجتماعي للجبهة، أما عن ناظمها، فيجب أن يكون سمة التحرر الوطني للقضية الفلسطينية.

أما على الصعيد التنظيمي الداخلي، فهناك ضرورة قصوى لتعديلات تراعي الحالة الفلسطينية وشتاتها، من حيث مشاركتها الفاعلة في تقرير السياسات، فعلى سبيل المثال، هنالك ضرورة استحداث لجنة للأمانة العامة، بدلا لموقع الأمين العام لمواجهة أية محاولات لتعطيل هذا الموقع التنظيمي، باعتباره موقعًا مقررًا في الحياة الداخلية.

كذلك، هنالك أهمية لِتشكيل لجنة سياسية، يشارك بها أعضاء ومناصري للجبهة، متخصصين في الجوانب السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، من الجاليات الفلسطينية بمواقعها المختلفة، لرسم سياسات خارجية، تراعي تطورات الحالة السياسية التضامنية مع القضية الفلسطينية التي شهدت بعض التراجع، نتيجة الضخ الإعلامي الصهيوني التحريضي على أن الصراع لا يحمل الطابع الوطني التحرري، وإنما صراعًا مع منظمات إرهابية، ذات طابع ديني تريد إعادة إبادة اليهود، وهذه مهمة ملحة، من أجل توجيه الجاليات للمشاركة والتفاعل في الحياة السياسية والاندماج في الفعل السياسي الداخلي لمواجهة التحريض الصهيوني الذي يعمل من خلال اندماجهم بالمؤسسات السياسية والإعلامية.

المؤتمر يجب أن يخرج بتوجهات، تُفعّل الديناميكية السياسية والتنظيمية وتعزز الديمقراطية الداخلية، من خلال توجهات في لوائح داخلية، تراعي الحالة الفلسطينية وخصوصية توزعها، من حيث المكان والزمان، بما يعطيها استقلالية نسبية في وضع برامجها على كافة الصعد. وفي هذا الصدد، فإن تعزيز وتطوير وسائل الاتصال الإعلامي، مهمة ملحة، لمواجهة الضخ الهائل من التحريض الموجه بشكل منهجي، يستخدم القوانين المحلية لتشويه النضال الفلسطيني، وخاصة في عنوان الأسرى والمعتقلين الذين يعانون من جرائم الاحتلال الذين يَصفهم بالمجرمين، في حين أن القوانين التي حكموا بها هي قوانين احتلال حسب القانون الدولي والتي يجب الإشارة أنها لا تحظى بمصداقية قانونية، وهذا يشمل سياسة الهدم ومصادرة الأراضي والأبعاد والحقوق المدنية للإنسان الفلسطيني.

سياسيا:

المهمة الرئيسية للجبهة هي إعادة الاعتبار لِوطنية الوحدة الفلسطينية والعمل مع كافة الفصائل الفلسطينية ببعدها الوطني التحرري، من أجل إعادة الروح الوطنية التحررية للوحدة الفلسطينية، من خلال مخاطبة كافة الفئات الفلسطينية التي أُبعِدَت بشكل ممنهج عن العمل الوطني الفلسطيني، من أجل متطلبات تنفيذ اتفاقية أوسلو.

كما أن مهمة التصدي وإفشال مقررات مؤتمر بئر السبع لمجموعة كوشنير الوزارية الذي بدأ بخطوات عملية لتنفيذ صفقة القرن، عبر تشكيل لجان رباعية وخماسية وسداسية، في إطار الأمن والسياسة والسياحة والأماكن المقدسة، هذه اللجان التي تريد أن تهضم وتدمج السلطة الفلسطينية في إطارها، بعيدًا عن استقلاليتها، وإنما في إطار التمثيل الفردي لعناصر من السلطة وتوزيعها ما بين اللجان المصرية والأردنية.

ما زال الموقف الأردني يعاني من ضغوط أمريكية، من أجل دمج المصالح الفلسطينية في إطار لِجانه المشتركة مع إسرائيل، وما زال يرى أنها لغمًا إسرائيليًا، من أجل تمرير الخيار الأردني للقضية الفلسطينية، باعتبارها الدولة العربية التي انبثقت عن قرار تقسيم فلسطين رقم ١٨١ لعام ٢٩–١١-١٩٤٧.

كما أن التطورات الدولية تدفع باتجاه العمل على أن العالم ما بعد الأزمة الأوكرانية سيكون عالمًا متعدد الأقطاب السياسية والاقتصادية، وفي هذا الإطار يجب الدفع باتجاه دعم الاستقلالية السياسية والاقتصادية للمجموعة العربية والإقليمية، وكشف أن إسرائيل، سوف تعاني من التغيرات الجيوسياسية الجديدة التي ستقلص من خياراتها وتخرجها من التلاعب على الهوامش المتعارضة بين القوى الدولية المقررة.

إن سعى إسرائيل من أجل تشكيل تحالف إقليمي، تحت عنوان مواجهة إيران، من حيث الشكل، لكنه بالجوهر سعيها نابع من خوفها، من تراجع دورها، نتيجة لتراجع الدور الأمريكي الأوروبي، في ضوء الأزمة الأوكرانية التي وضعت الموقف الإسرائيلي في تصادم مع الموقف الروسي والصيني.

إن التحالف الإقليمي الذي تسعى لقيادته، يهدف لِتخفيف تأثير المتغيرات المستقبلية على استمرار عدوانيتها وعنصريتها، ومن الممكن أن تصل المتغيرات إلى تقويض أسسها القانونية، إذا ما أشير إلى أنها تخالف قرار التقسيم، من حيث أنها لا تراعي الحقوق الإنسانية والدينية والمساواة للمواطنين وهي تعلن بكل صراحة على أنها دولة دينية لفئة واحدة من مواطنيها. هذا البعد القانوني الذي يجب أن يهتم به مؤتمر الجبهة، من خلال إعلان تشكيل لجنة قانونية متخصصة، تبحث بتقويض الأساس القانوني للدولة اليهودية التي تتعارض ممارساتها مع ما حدد لها في القرارين ١٨١ و١٩٤ والاستفادة من القرار الأممي رقم ١٩١ عام ١٩٦٤ حول الفصل العنصري في جنوب إفريقيا والمطالبة بالتحقيق في الممارسات العدوانية العنصرية على أنها ممارسات منهجية للدولة الإسرائيلية، في تعارض وتجاهل للقوانين الدولية، وهذا يتطلب إعطاء أهمية قصوى لجماهير الشعب الفلسطيني في مناطق ال١٩٤٨، والعمل من أجل إطلاق حوار لِتوحيد الجهد الوطني لكافة القوى التي تجابه الاحتلال الإحلالي العنصري، باعتبار أنهم جزء أصيل من الشعب الفلسطيني يعاني من سياسات التمييز العنصري، وهو الشاهد الحي عليها منذ عام ١٩٤٨.

جدير التأكيد مجددًا، بأن المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية خطيرة، تتطلب توجهات وقرارات تخرج عن النمط المألوف، تعطي أملًا أن هناك تغييرًا في التفكير، سينعكس في الأداء الوطني التحرري والاجتماعي الديمقراطي.