العنصرية الصهيونية: من قرار "الصهيونية شكل من أشكال العنصرية" إلى "قانون القومية" إلى وثيقة "امنستي"...!

حجم الخط

في رسالة وجهتها رابطة دراسات الاستعمار الاستيطاني المقارن لـلأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيرش حملت عنوان "كي لا يشتد ساعد العنصرية في إسرائيل"، فتحت فيها قضية العنصرية الصهيونية من جديد، مستحضرة في ذلك القرار الأممي 3379 الصادر بتاريخ 10/11/1975 الذي ساوى بين الصهيونية والعنصرية، ومطالبة المنظمة الأممية باسترجاع قرارها المذكور، وجاء في الرسالة التي نشرتها صحيفة الثورة السورية في 9 تشرين ثاني  2022 "سيادة الأمين العام للأمم المتحدة الموقر نكتب إلى سيادتكم هذه الرسالة الموجزة عشية يوم الذكرى الـ 47 لإصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 3379 وهو قرار أُلغي بعد نيف و 16 عاماً من صدوره.. ونلاحظ ما يلي:

1- أُلغي القرار دون مناقشة رغم أنه اتخذ نتيجة مناقشة مستفيضة، تلك سابقة.

2- في سابقة ثانية، صدر عن الخارجية البريطانية، وهي التي كان لها وضع اللبنة الأهم في بناء كيان استيطاني صهيوني، صدر عنها في نيسان 2017 إيضاح جديد يشرح خلفية "تصريح بلفور".

من المعلوم أن التصريح لم يذكر تبريراً لاستحقاق ما دعي ب "الشعب اليهودي" بيتاً وطنياً في فلسطين.

أشار صك الانتداب إلى العلاقة التاريخية، ثم في 2017 أشارت الخارجية البريطانية إلى علاقة دينية، هذه الإشارة الصريحة إلى الدين ربما كانت مرتكزاً لسابقة ثالثة.

3- في تموز 2018 أصدرت إسرائيل قانون يهودية الدولة.. هي سابقة في الاعتماد الصريح على الدين من قبل (كيان) اعتمد إنشاؤه على قرار من الأمم المتحدة ذات الميثاق العلماني.

نكتب إليكم عشية الذكرى الـ 47 لصدور القرار 3379 الذي كان يصح أن يعدل ليكون أكثر دقة، فالحركة الصهيونية انتهكت حقين: هي ساهمت في إحباط عملية اندماج اليهود في مجتمعاتهم، وهي أيضاً عامدة متعمدة انتهكت حقوق شعب فلسطين.. وطردت غالبيته من بلاده.

الصهيونية في فلسطين، يا سيادة الأمين العام، شكل واضح جداً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري.. نكتب إليكم في الذكرى الـ 47 ولم نفعل في سنوات سابقة.. لماذا؟ لأننا متخوفون من اشتداد ساعد العنصرية في إسرائيل إثر الانتخابات الأخيرة التي يزداد فيها نفوذ اليمين المتطرف المعتمد على الدين.

نضع أمام سيادتكم ما سبق من معلومات وآراء راجين التنبه في تقاريركم الدورية عن متابعة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2334 إلى أن ما يجري في إسرائيل يعمق يقيناً، يراه الناس جميعاً، بتصاعد مستوى العنصرية في كيان أنشأه التنظيم الدولي ممثلاً بعصبة الأمم ومنظمة الأمم المتحدة.

ولنتذكر أنه في عامنا هذا، عام 2022، تكون قد انقضت مائة عام على بدء تدخل التنظيم الدولي في فلسطين، وهو تدخل أدى إلى تهجير نصف سكان فلسطين، وإلى إخضاع النصف الباقي فيها إلى قانون واضح في عنصريته الدينية.. وتفضلوا، سيادة الأمين العام للأمم المتحدة، بقبول مشاعر التقدير والاحترام.

القدس ودمشق وبيروت والقاهرة وبغداد في 9 تشرين الثاني 2022.

* رابطة دراسات الاستعمار الاستيطاني المقارن في العالم.. عنها الهيئة التأسيسية: أ.د. جورج جبور – أ. د. جمال زهران- أ.د. عبد الحسين شعبان- أ. د. أحلام بيضون- أ. د. وليد سالم".

   واستتباعاً لتلك الرسالة بالغة الأهمية السياسية والقانونية والأخلاقية نوثق من جهتنا جملة معطيات تعزز ما جاء في  الرسالة: فإمعانا في تعميق وتأكيد العنصريَّة الصّهيونيَّة، كانت حكومة الكيان أصدرت "قانون القومية" الذي يزعم "أن أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي"،  و "أن من حق الشعب اليهودي فقط تقرير مصيره على الأرض"، ما يعني جوهرياً تثبيت الاستراتيجية الصهيونية القائمة منذ البدايات على "الاقتلاع الشامل" و "الإحلال الشامل"، عبر سياسات التطهير العرقي والتمييز العنصر، ولا شك أنَّ الأهمية الكبيرة لهذا القانون هي أنه ينزع القناع تماماً عن الوجه الصهيوني الحقيقي بوصفه وجهاً عنصرياً استعمارياً –أبرتهايدياً- إرهابياً اقتلاعياً احلالياً...!

 كما أن أهمية هذا القانون من جهة أخرى، أنه يؤكِّد ما ذهبت إليه مؤخراً منظمة "امنستي" باعتبار "إسرائيل دولة ابرتهايد"، وكذلك ما ذهبت إليه "هيئة الأمم المتَّحدة" في قرارها رقم ٣٣٧٩ الصادر في 10 تشرين الثَّاني (نوفمبر) 1975، وفيه "أن الصّهيونيَّة هي شكل من أشكال العنصريَّة والتَّمييز العنصري"، وقد طالب هذا القرار جميع دول العالم بمقاومة الأيديولوجيَّة الصّهيونيَّة، إذ تُشَكِّل خطراً على الأمن والسِّلم العالميين، وللأسف، فقد أُلغي هذا القرار، بموجب القرار 46/86 يوم 16 كانون الأوَّل (ديسمبر)1991، كجائزة ترضية لحكومة العدو لمشاركتها في مؤتمر مدريد المشؤوم .

      لقد كانت لحظةً قاسية للقضية الفلسطينية، تلك التي وقف فيها الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش (الأب) على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، مساء يوم16/12/1991، ليطلب من الدول الأعضاء الموافقة على قرار بإلغاء القرار رقم 3379 الذي اتخذته الجمعية نفسها في 10/11/1975، والقاضي بأن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية، وفي سطر واحد فقط، صدر القرار رقم 4686، ليعلن أن الجمعية العامة ألغت قرارها السابق.

     لقد اعتبر ذلك القرار تاريخياً آنذاك، حينما أُعلن: "أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"، فكان ذلك القرار بمثابة صحوة إنسانية أممية جامعة ضد "إسرائيل" كدولة احتلال وإرهاب، وضد الحركة الصهيونية بمواصفاتها وممارساتها العنصرية"، وقد اتخذ القرار الأممي بتأييد أغلبية 75 دولة ومعارضة 35 وامتناع 32 عن التصويت، وأشار القرار كذلك بوضوح إلى إعلان الأمم المتحدة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وأدان الصهيونية باعتبارها تهديداً للسلم والأمن العالميين. 

   وفي هذه الأيام يكون قد مضى سبعة وأربعين عاماً على ذلك القرار التاريخي، الذي عادت الأمم المتحدة بعد ذلك بنحو ستة عشر عاماً، لتتخذ قراراً جديداً في الاتجاه المعاكس تماماً، في أعقاب حملة أمريكية غربية لإسقاطه وإلغائه،  فلحست "قرارها السابق بقرار جديد يلغيه ويقدم اعتذاراً ضمنياً لإسرائيل عنه، ليتناغم القرار الجديد تماماً مع القاعدة التي كان دافيد بن غوريون قد أرساها بالنسبة للعلاقة مع الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، حيث قال جهاراً نهاراً وبمنتهى الاحتقار للمنظمة الأممية: "بلا أمم متحدة بلا هوى"، و"أن الأمم المتحدة مقفرة فارغة لا قيمة لها"، مثبتاً القاعدة الأخرى التي حكمت سلوك "إسرائيل" في علاقاتها مع المنظمة الدولية على مر العقود الماضية وهي: "ليس مهما ما يقوله الأغيار، وإنما المهم ما يفعله اليهود على الأرض"، الأمر الذي جسده سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، حاييم هرتسوغ، أمام ناظر كل العالم، حينما قام بتمزيق الورقة التي طُبع عليها قرار الأمم المتحدة القاضي بأن: "الصهيونية عنصرية".

    وما بين قرار الإلغاء، وما يجري اليوم، وخاصة المصادقة على "قانون القومية"، فإن سياسات التطهير العرقي والتمييز العنصري الصهيوني، ليس فقط لم تتوقف ولم ترتدع، بل تمادت وتعمقت وتغولت على نحو إجرامي لم يسبق له مثيل في تاريخ سياسات الابرتهايد في العالم، وفي السنوات الأخيرة، عادت مسألة التمييز العنصري الصهيوني"الابرتهايد"، وجرائم الحرب والانتهاكات السافرة للقوانين والمواثيق والأعراف الدولية، لتحتل العناوين في أوروبا وحتى في الولايات المتحدة على مستوى المؤسسات الأكاديمية على حد سواء، وذلك بعد أن شهدت الجامعات الأوروبية والكندية، ما يطلق عليه اسم "أسبوع الابرتهايد الإسرائيلي"، حيث تنظّم هيئات ومجموعات مدنية مختلفة في أنحاء العالم فعاليات أسبوع مقاومة الأبرتهايد الإسرائيلي، وذلك لغاية التثقيف حول سياسات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي العنصرية الإرهابية، وتركز فعاليات الأسبوع على فضح وتصوير وفهم "إسرائيل" كدولة أبرتهايد، والعمل على إنهاء التواطؤ الدولي مع دولة الاحتلال، الذي يضفي الشرعية على نظام الاحتلال والأبرتهايد الإسرائيلي، وتشكّل فعاليات الأسبوع مرجعاً هاماً لحملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، والتي هي أكثر الطرق فعالية لإنهاء التواطؤ الدولي معها وإجبارها على الإلتزام بالحقوق الدولية، كما شكلت فعالياته أساساً للتضامن مع نضالات الشعوب الأخرى، والحركات الإجتماعية للعدالة في العديد من البلدان.

    في ضوء كل ذلك، كان رئيس اللجنة الدولية لإعادة الاعتبار للقرار 3397 المساوي بين العنصرية والصهيونية د. جورج جبور، بعث برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، طالب فيها بـ: "إعادة الاعتبار للقرار "3379، مضيفا: "بما أنه تم إلغاء القرار المذكور بعد ستة عشر عاماً، أي في عام1991 بقرار من سطر واحد من دون تعليل، وبما أن الممارسات الصهيونية العنصرية ما تزال مستمرة، وتتمثل حالياً ببناء جدار الفصل العنصري الذي أدانته محكمة العدل الدولية، وإعلان يهودية الدولة، والتصريح بتهجير الفلسطينيين المقيمين في أرضهم، وما قامت به "إسرائيل" من تصفيات خلال حروب غزة المتكررة، وكان هدف تصفية الشعب الفلسطيني واضحاً. وبناء على كل ما تقدم، فإننا نتقدم إليكم طالبين العمل على تطبيق الميثاق والمعاهدات الدولية ومعاهدات حقوق الإنسان كافة والقانون الإنساني الذي يرفض تماماً أشكال العنصرية والتمييز العنصري كافة، وبالتالي إعادة الاعتبار للقرار 3379 وإعادة الاعتبار لقرارات الأمم المتحدة لردع أي شكل من أشكال العنصرية".

 ونذكر في هذا السياق إلى أن ذلك القرار استند بالأساس إلى مجموعة قرارات أخرى ضد العنصرية الصهيونية، ففي مثل هذا الشهر، في تموز 1975، اتخذ قرار في مؤتمر النساء الدولي في مكسيكو سيتي، وضع الأساس لقرار الأمم المتحدة الأكثر جرأة والذي اتخذ في أي وقت من الأوقات ضد "إسرائيل": القرار الذي اتخذ في 18 تشرين الثاني من ذات السنة وصف الصهيونية كنوع من العنصرية، والحملة التي أدت الى هذا القرار كانت تقوم بقدر كبير على أساس قرارات سابقة عديدة ربطت بين الصهيونية والحركات الاستعمارية، فمثلا، في 1973 نددت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بـ "الحلف غير المقدس بين الاستعمار البرتغالي، العنصرية الجنوب إفريقية، الصهيونية والإمبريالية الصهيونية"، وفي مكسيكو سيتي دعا مؤتمر النساء إلى تصفية كل الاستعمار، الاستعمار الجديد، الاحتلال الأجنبي، الصهيونية والابرتهايد.

 يضاف إلى ذلك، المؤتمرات المناهضة للعنصرية الصهيونية التي عقدت تحت اسم"ديربان-1- وديربان-2"... الخ.

   وما بين ذلك الزمن واليوم، ربما نكون على المستويين الفلسطيني والعربي بحاجة كبيرة ملحة لإحياء وإنعاش مضامين ورسالة مؤتمر ديربان - 1 –و-2- أكثر من أي وقت مضى، وكذلك "إعادة الاعتبار لقرار 3379 الصهيونية حركة عنصرية"، وربما نكون بحاجة ملحة جداً أيضاً لعولمة "الحملة ضد العنصرية الصهيونية" على أوسع نطاق ممكن، وربما نكون كذلك بحاجة أشد الحاحية هنا ليقظة ومشاركة عربية حقيقية في هذه الفعاليات الدولية ضد العنصرية الصهيونية، وخاصة على مستوى الكتاب والمثقفين والإعلاميين الفلسطينيين والعرب والأمميين.