"الديمقراطية اليهودية" وحقوق الإنسان والأسرى الفلسطينيون

حجم الخط

تحاجج الكثير من الدول والجماعات، بل والكثير من المفكرين على أن (دولة) الكيان هي (دولة) ديمقراطية، وواحة حقوق إنسان في الشرق الأوسط، فهل هذه المحاججة دقيقة؟ وثبتت أمام اختبار الزمن؟

إن الباحث عن إجابة موضوعية، يمكنه التخلي عن عشرات السنين من الممارسات الاستعمارية الاحتلالية  العنيفة تجاه الفلسطينيين، بل واسمحوا لي بتجاوز كون هذه الدولة هي دولة استعمار واحتلال من حيث المنطلق، وصولاً إلى الحقيقة التي مفادها أن هذه (الديمقراطية) المزعومة (وواحة) حقوق الإنسان الشرق أوسطية، ذاهبةً بفضل (ديمقراطيتها) المدعومة بالقيم اليهودية باتجاه الدولة الثيوقراطية.

هذه الحقيقة لوحدها تكفي، وليس أدل على ذلك ما أطلقه بعض "المفكرين" الصهاينة، والذين شاركوا بإقامة (الدولة) بل وتأسيس الجيش الصهيوني، الذين دعوا أحفادهم للرحيل عن الدولة، فقد تغير  وجه الدولة منذ اعتلى سدة رئيس الوزراء فيها شخص يعتمر "الكيباة"، كدليل على تمثيله الديني إلى جانب السياسي، وهو ما يجعل هذه "الدولة الدينية" بكل ما تعنيه الكلمة من معاني، تنتج قيماً دينية، مشوهةً للقيم السياسية العصرية بما فيها مفهوم الديمقراطية، الذي يُصر المُشرعّون والقانونيين والساسة والقضاء في هذا الكيان على ربطها بالقيم اليهودية، وهو ما جعل ممثل التيار الليبرالي في الدولة الصهيونية القاضي "اهرون باراك" يدافع عن فكرة الديمقراطية اليهودية وارتباطها بالقيم اليهودية.

فما هي هذه (القيم) اليهودية التي تتساوى مع القيم الديمقراطية العصرية؟، ولماذا لا تتساوى القيم الإسلامية مثلاً في طهران مع القيم الديمقراطية؟ في سياق المقارنة حيث يزعم الكثيرون أن "ايران" دولة دينية غير ديمقراطية، في حين يُصّر ذات الكثرة على اعتبار (دولة) الكيان ديمقراطية، رغم إعلانها عن ذاتها وعبر القانون بدولة يهودية؟ وأعلنت ذلك عبر قانون القومية، وربطت القيم اليهودية الدينية بالديمقراطية في دمجٍ غريبٍ ومشوه لنظام الدولة الدينية القروسطي الذي يقوم على وشائج الدم والدين مع نظام الدولة العصرية، الذي يقوم على الدستور وحق المواطنة، وعلاقة كلا المفهومين الأخيرين في تحديد مقولة " أنا المواطن... ونحن الأمة" وهو ما تفتقده هذه الدولة من الأساس.

فما الذي يجعل اعتماد الكيباه من قبل الساسة (كبنيت، بن غفير، سموتيرش)، بل والساسة الجدد جميعاً يختلف عن اعتمار "العمّة" في نظام آية الله الإيراني  الذي يتبنى القيم والعادات والتقاليد الإسلامية المحافظة، لتلك الدولة إيران، كما للعديد من الدول الإسلامية أو تحديداً الدول الدينية كما الدولة اليهودية ( الكيان)؟.

فهل من قيم ديمقراطية في دولة الكيان؟

إن مشاريع القوانين والمطالب المٌقدمة من قبل الحركات والتيارات الدينية من أجل توليف صيغة الائتلاف الحكومي في دولة الكيان هو دليل واضح، بخروج هذه الدولة من الصيغة الوحدوية لمفهوم الدولة، نحو مفهوم الدولة الديني، والذي على أساسه يتم بلورة القيم السياسية من منطلقات دينية.

فمن هو المواطن في هذه الدولة؟ وفقاً لللقانون اليهودي؟

بمعنى شمول كل يهودي حول العالم في إطار الدولة، وليس المواطنين هم أولئك الذين تشملهم الإقامة في الحيز الدولاني، أو الذين يخضعون للدستور، أو علاقتهم بالدولة و...الخ.

لتأتي التيارات الدينية بمطالب لتحديد أكثر لمن هو يهودي، ومن يحق له أن يكون يهودي، والمطالبة بسحب حق أو تغيير قانون العودة المخصص لليهود والممنوع عن الفلسطينيين، فقط لكونهم يهوداً، والتغيير يشمل شطب حق عودة أحفاد اليهود، لتتكاثر المطالب في محاولة لترسيم الشريعة اليهودية المتصهينة كأساس لدولة، وليس الدستور وقاعدة حقوق الإنسان العالمية المعتمدة دولياً.

ثم ما هي مفاهيم الدستور، وحقوق الإنسان، أمام ما يسُمى "الديمقراطية اليهودية"؟

لنأتي هنا لناحية التخصيص، حيث طالب "بن غفير" بشرعية الاستيطان، وتشديد شروط حياة الأسرى كمطالب على قاعدة سياسية لإنجاز اتفاق الائتلاف الحكومي. وهنا نشتق التساؤل الخاص المحدد بمفهوم الأسرى لدى دولة الكيان، فما هو مفهوم الأسير بالقيم الدولية، والقيم الديمقراطية؟ وما الذي يقابلها بالقيم اليهودية؟ حتى نستطيع إدراك ما هي ظروف الحياة داخل السجون لدى الصهاينة اليهود؟
ثم ما هي مفاهيم حقوق الإنسان المنصوص عليها ضمن التوجهات الليبرالية الديمقراطية العالمية والتي يكفلها القانون الدولي؟ ومعاهدات جنيف، وما هي مثيلتها في القيم اليهودية التي تجعل قيم هذه الدولة عصرية، ومطابقة للقانون الدولي، لنعترف بأن هذه الدولة ديمقراطية؟

فما هو الدستور في الديمقراطية، وكيف يكفل حقوق الإنسان الأساسية للدولة وفيها، وما هو الشكل المناظر لهذا الدستور في القيم الهيودية ويكفل حقوق الإنسان.

ومن هذه الأسئلة الثلاث تتناسخ آلاف الأسئلة التي لا يوجد لها إجابة، بل والكثير من " الخَــبْط العشواء" الذي يمتاز به هذا الكيان الذي يحافظ على صورته المزعومة فقط عبر الأكاذيب والادعاءات والافتراءات، والدعم الخارجي .

ولنذهب لناحية أكثر تخصيصاً، مطالبين هذه الدولة - الكيان، بالكشف عن قوانين الاعتقال، وحقوق الأسرى، وآليات تطبيق القانون في المعسكرات والسجون، ومؤسسات الاعتقال، التي لا يوجد لها أثر، وعلى هذه القاعدة يتم ممارسة التمييز العنصري بين اليهودي الذي تغطيه قاعدة القيم اليهودية، وبين الآخرين الأغيار "الذين لا توجد قاعدة حقوقية قانونية، ديمقراطية عصرية تحفظ حقوقهم ضمن قانون واضح وراسخ، فيتم التنكيل بهم وتعريضهم لأقصى شروط حياة بالغة الصعوبة تؤدي إلى الموت في الكثير من الأحيان، وكذلك اضطهادهم في مؤسسات يعتبر أنها خاضعة للدستور والقانون داخل الحيز لدولة الاحتلال، ويخضع لوزارة الشرطة والأمن الداخلي، ويستند إلى القوانين المُشرّعة في "الكنيست".

إذن ما هي القيم التي تسود وتجعل من الشرعي جداً والسياسي بامتياز أن يطالب وزير مفترض (للأمن الداخلي) بتشديد العقوبة وفرض شروط أحسن على حياة الأسرى، حتى نبرز القيم اليهودية على حساب الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويلجأ الوزير لتعريف ذاته كيهودي، مقابل الآخرين، وليس كوزير ونائب "كنيست" مهمته تطبيق القانون والحفاظ على الحقوق الدستورية والأمن للمواطنين والرعايا، وكل من هو في الحيز الداخلي لهذه الدولة. 

على ما تقدم، فإنه يجدر التنويه أن هذه الدولة، وبحسب القانون الدولي تسعى القوى الدينية الحاكمة لتطبيقه، والذي هو ليس إلا الشريعة اليهودية وقيمها، ليست شرعية من الناحية القانونية، فالقانون والدستور ليس مرجعها، بل إرادة الاله اليهودي الذي تُمثّله هذه القوى الدينية.

فما هي إرادة الله اليهودي للأسرى الأغيار؟ وما القانون والحد اليهودي الذي يميز بين ما هو قانوني، وما هو غير قانوني في هذه الإرادة ؟

بكل الأحوال دعّوا "بن غفير" نفسه كوزير للأمن الداخلي يكشف لنا عن ذلك باللحم الحلي، وبنصوص القيم الدينية اليهودية التي يستند إليها.

فلقد حاول القاضي/ قاضي المحكمة العليا في دولة الكيان تحسين شروط حياة الأسرى عبر قانون نصه في العام 2017 القاضي "الباكيم روبنشتاين"، ينص على توسيع مساحة الحياة وشروط الحياة في السجون إلا أن هذا القرار لم يتم تطبيقه، لأن الدولة الصهيونية لا تعرف أصلاً ما هو معنى تحسين شروط حياة الأسرى، ليأتي "بن غفير" والمحيطين به قانون ( قمة التجاوز) من أجل تجاوز قرار المحكمة العليا، وسيدخل قانون تحسين شروط حياة الأسرى 2017 ضمن هذا التوجه، فأين هي القيم الديمقراطية والقانون وحقوق الإنسان، وأين هو الدستور أمام القيم اليهودية!.

إن المدعين بديمقراطية هذه الدولة، والذين بدأوا الحديث عن اعتبار هذه الديمقراطية، هي ديمقراطية اثنية، بمعنى أنها تمارس في إطار اثني/ الأثنية هي اليهود هنا، يشهدون على عصر يمارس فيه الحاخام دور القاضي والعسكري، والمشّرع، والوزير. وهو عصر ليس ببعيد، وعلى ذلك فإنه من المُلح على الرأي العام الدولي كشف هذه الحقيقة أن دولة الكيان هي دولة فاشية عنصرية، وما حدث مؤخراً هو  مجرد الكشف عن الوجه الحقيقي لها. 

عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية، مسؤول الإعلام في فرع السجون، مدير مركز حنظلة للأسرى والمحررين.