على صفيحٍ ساخن - الحلقة الرابعة عشرة والأخيرة

حجم الخط

 انفجارٌ لابد منه

حاولت هذه السلسلة النقدية للحالة الفلسطينية الراهنة، أن تضع يدها على الخلل البنيوي الكامن في التجربة الكفاحية الفلسطينية، في سياق تاريخها الحديث، ومحاولة استشراف المستقبل المنظور، وما يمكن أن ينتجه من تطوراتٍ وتَحولّاتٍ في ضوء استمرار حالة الانقسام الوطني، وفي ظل تنامي الممارسات العدوانية الصهيونية على الأرض.

وإذا كانت السيرورة الكفاحية الفلسطينية تنطوي على بطولاتٍ ونضالاتٍ شاقة، وإذا كان الماضي والحاضر الفلسطيني ينطوي على إخفاقاتٍ كبيرة، فإن صناعة المستقبل لا تزال مفتوحة على كل الاحتمالات، وعلى الفلسطيني أن يَتمثّل تاريخه جيداً، ويتعلم من أخطائه، حتى يكون بمقدوره تفادي الوقوع في المصائد السياسية، وإنجاز معركته التحررية، واستعادة حقوقه المشروعة.

إن ترابط العلاقة بين الأزمة السياسية الفلسطينية الراهنة، وتنامي ممارسات الاحتلال العدوانية على الأرض ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الفلسطينية على كافة الأصعدة، مما سيدفع باتجاه الانفجار الشامل، الذي سيحمل في طياته انفجار أزمات اجتماعية واقتصادية، إلى جانب المقاومة الشاملة للاحتلال.

لقد كان الانفجار الكبير الأول عام 36، بعد تسعة عشر عاماً على احتلال فلسطين وتبني بريطانيا رسمياً للمشروع الصهيوني، حيث عَبّر هذا الانفجار، عن سخط الشعب الفلسطيني على فشل النخبة الفلسطينية المتصارعة فيما بينها في تلك المرحلة، واحتجاجاً ثورياً على سياسة سلب الأرض وتضييق الخناق على الفلسطينيين، فكانت الثورة، تجاوزاً للحالة الحزبية - العائلية العاجزة، ورداً على ممارسة الاستعمار الانجليزي المحابي للصهاينة، وانطوت تلك التجربة الثورية، على غضبٍ شعبيٍ كبير، وعلى وعي مبكرٍ لمخاطر المشروع الصهيوني، وعلى هاجس الفلسطينيين من الإبادة والاقتلاع كما حدث عام 1948.

وجاء الانفجار الثاني بعد نكسة حزيران عام 1967، أي بعد مرور تسعة عشر عاماً على حدث النكبة، حين انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة، ونجحت في إعادة تشكيل الهوية الفلسطينية، ووضع حدٍ للتوسعية الصهيونية في الجغرافيا العربية، وكان هذا الانفجار الثوري يحمل في أعماقه، غضباً على الحالة العربية المتردية والمتواطئة.

أما الانفجار الثالث، فاحتاج أيضاً إلى تسعة عشر عاماً حين اندلعت الانتفاضة الأولى عام 1987، التي جاءت بفعل حالة الغضب والسخط على الحالة الفلسطينية التي تردت في أعقاب الخروج من بيروت عام 1982، وعلى الحالة العربية المأزومة والمتواطئة، وعلى ممارسات الاحتلال التي وصلت إلى حدٍ لا يطاق. فاندلعت الانتفاضة وامتدت لسبعِ سنوات قبل أن يجري قطع تطورها باتفاقيات أوسلو.

وكان الانفجار الرابع عام 2000، حيث يعتبر هذا الانفجار استكمالاً للانفجار الثالث الذي لم يأخذ فرصته الكاملة في التطور، ليأخذ شكلاً مسلحاً؛ فكانت الانتفاضة الثانية، تعبيراً عن رفض مسار التسوية والعودة إلى مربع المقاومة، ولم تفلح الفصائل الوطنية في التقاط زمام الفرصة، وتتويج الفعل الانتفاضي بالوحدة الوطنية، والسعي لتطوير الانتفاضة لضمان ديمومتها حتى تحقيق أهدافها.

والآن بعد مرور تسعة عشر عاماً على انتكاسة الانتفاضة الثانية حملت تلك السنوات المزيد من التطورات، حيث شهدت على انقسامٍ وطني، وولادة سلطة جديدة، وخوض غمار أربعة حروب على غزة وثورات عربية، وحروب إقليمية، وظهور داعش، وبروز إيران كقوة إقليمية، وتحولات عالمية، ومكاسب جديدة للكيان الصهيوني تمثلت في تعميق علاقاته مع عددٍ من الأنظمة العربية والإقليمية، في مقابل انزياح سياساته ومجتمعه أكثر نحو اليمين.

وفي الأعوام الأخيرة، شهدت الساحة الفلسطينية تنامياً لحالة المقاومة ضد الاحتلال، وأخذت أشكالاً متنوعةً (مسيرات، مقاومة شعبية، طعن، دهس، إطلاق نار) وأخذت سمة الشكل الفردي في غالبيتها قبل أن تتطور إلى ظواهر كعرين الأسود وكتيبة جنين، وهو ما ينذر بانفجارٍ وشيك قد تشهده الساحة الفلسطينية في أيةِ لحظة.

إن فرضية الانفجار القادم تتغذى على ثلاثة عوامل:

1. الممارسات الاحتلالية المتنامية وغياب أي أفق سياسي.
2. استمرار الانقسام الوطني وغياب أي أفق وطني.
تردي الأحوال الاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية.
3. تردي الأحوال الاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية.

وقبل أن تأتي لحظة الانفجار، ينبغي على الفلسطينيين أن يتهيأوا جيداً لهذا التَحوّل، والعمل على ما يلي:

) إنهاء حالة الانقسام وإعادة تشكيل منظمة التحرير على أسسٍ ديمقراطية ووطنية.
2) إعادة إحياء القيادة الوطنية الموحدة لقيادة وتوجيه الفعل النضالي الشعبي والكفاحي، وفق شروط وبرنامج وطني صارم على أساس استراتيجية وطنية كفاحية "استراتيجية التحرير والعودة"، تتصدى لنهج أوسلو، ورافضة لمشروع حل الدولتين التصفوي ومشاريع التسوية، وتضمن وحدة الشعب والحقوق والأرض.
3) الاتفاق على برنامج ميداني موحد، وأشكال كفاحية محددة تتلاءم مع المرحلة.


إن إعادة ترتيب الحالة الفلسطينية من شأنه أن يوجه ويقود المرحلة التحررية الفلسطينية، بما فيها الفعل الثوري وتركيزه، وضمان عدم انزياحه عن الأهداف الوطنية، ومن شأنه أن يُسرّع في نهاية الاحتلال، وانجاز الحقوق الوطنية المشروعة.

عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كاتب وأديب وشاعر، ومفكر فلسطيني.