مونديال قطر.. التطبيع الرسمي والرفض الشعبي الفريق الغائب والقضية الحاضرة

حجم الخط

مع انطلاقة المونديال بتاريخ 20/11/2022 في دولة قطر ، اتجهت أنظار شعوب العالم ومحبي كرة القدم إلى هناك، كلٌ يتابع بحرارة، وعن شغف الفريق الذي يحب، ويرغب في فوزه في هذه البطولة. وشكّلت هذه المناسبة فرصة للكثيرين للذهاب إلى استراحة، ولو قصيرة، من متابعة الحروب والدمار والقتل والتشريد، دون أن تنهي الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني ضد شعبنا يوميا وعلى مدار الساعة، فلا يكاد شعبنا، ينتهي من وداع شهيد حتى يبدأ بمراسم وداع شهيد آخر، وحيث تستمر الحرب في أوكرانيا، بفعل تأييد ودعم من الولايات المتحدة ودول أوروبا وحلفائهما، حاصدة معها أرواح البشر.

ومن موقعنا كبشر، نتمنى ونعمل من أجل وقف هذه الحروب، وعودة الحقوق إلى أصحابها، وإنهاء سياسة السيطرة على العالم ونظام القطب الواحد، وسيادة قانون العدالة والمساواة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ووقف نهب ثرواتها.

من الصعوبة بمكان أن أكتب عن المونديال وكرة القدم دون التطرق ولو بشكل بسيط إلى السياسة، وهنا قد يقال ما علاقة السياسة بالرياضة... نعم إنها علاقة كبيرة، وهذا ما نشاهده اليوم، وكما شاهدناه في السابق، حيث حرمت عدة فرق من المشاركة في المهرجانات الرياضية المتنوعة لأسباب سياسية، تعلقت بفرض العقوبات على بلدانها، وهذا ما نراه اليوم أيضا بانسحاب الأبطال العرب من المشاركة في مباريات يواجهون بها اللاعبين الصهاينة، رفضا للاعتراف بهذا الكيان، التزاما بمحددات حملة مقاطعة الكيان الصهيوني البي دي اس (BDS)، وتعبيرا عن الدعم والتأييد للشعب الفلسطيني.

إن ما يميز مونديال قطر لهذا العام، العديد من الأمور، أبرزها:

1- للمرة الأولى ينعقد هذا العرس الكروي، والمهرجان الكبير، في دولة عربية، وهذا يحمل الكثير من الدلالات أهمها أن العرب قادرون على التنظيم والإعداد، وبشكل لا يقل عن الدول الأخرى، ويتصدى للنظرة الدونية للعرب التي لا ترى فيهم سوى شعوبا متخلفة، ويساهم في تعريف الآخرين على الثقافة العربية.

2- يأتي هذا المهرجان الكبير بعد انقضاء جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على كل شيء وعطلت الحياة الطبيعية في كافة دول العالم، حيث أغلقت المدارس والجامعات وتعطلت المواصلات والنقل وسجنت الناس في بيوتها وأصبح كل شيء عن طريق أون لاين، وترى شعوب العالم التي تتابع المونديال أن هذه فرصة لاستعادة الأنفاس والخروج من دائرة العزل لإى الفضاء الواسع.

3- غياب بعض الفرق العربية الكبيرة التي لها باع كبيرة في تاريخ كرة القدم، خاصة الفريق الجزائري والمصري، وكنا نتمنى لو أنهم شاركوا في هذا المهرجان.

4- الظهور المميز للفرق العربية المشاركة في هذه المباريات، وتحقيقهم بعض النجاحات، كما حصل في فوز تونس على فرنسا بطلة العالم، وفوز السعودية على الأرجنتين، أحد أبرز المرشحين للحصول عل البطولة، وفوز المغرب على بلجيكا التي تعتبر أيضا من عمالقة الكرة العالمية.

5- كما يأتي هذا المهرجان في ظل تزايد القمع الصهيوني للشعب الفلسطيني، حيث تستمر عمليات القتل والتدمير يوميا وبشكل متصاعد. لكنه يأت أيضا في ظل تصاعد المقاومة الفلسطينية وعملياته النوعية، التي تؤكد أن هذا هو خيار الشعب الفلسطيني من اجل تحرير أرضه ولا خيار غيره.

بعد هذا الاستعراض، إن أهم ما استوقفني في هذا المونديال، أنه كان فلسطينيا بامتياز، مونديال عبرت فيه الشعوب عن دعمها وتأييدها الكبيرين للقضية الفلسطينية، ونصرة الشعب الفلسطيني وعن إدانتها لدولة العدو.

لقد شكّل هذا المونديال فرصة جيدة للشعوب العربية خاصة، وشعوب العالم قاطبة، أن تعبر عن حقيقة مواقفها في دعم فلسطين، وإدانة (إسرائيل) ورفض التطبيع، حيث وجّهت الجماهير المشاركة رسالة واضحة، عبّرت فيها عن رفضٍ قويٍ لمعاهدات التطبيع...، رسالة قالت أن القضية الفلسطينية ما زالت هي القضية المركزية للشعوب العربية، وليس كما قال البعض أن فلسطين ليست قضيتي. وأكّدت أن التطبيع يقوم به بعض الحكام العرب، وهم زائلون، وترفضه الشعوب العربية وهي دائمة.

إن ما شاهدناه ونشاهده في قطر اليوم، من أن قضية فلسطين ليست مركزية عند العرب فحسب، بل عند كافة شعوب العالم الحر، وهذا ما عبّرت عنه هذه الشعوب برفع العلم الفلسطيني في الملاعب الرياضية، وأثناء المباريات وارتفعت الهتافات في الشوارا وكافة المناطق دعما لفلسطين، ولم تخلُ مباراة واحدة من ذلك.

ومقابل هذه الصورة كانت تتجلى الصورة الثانية في الجانب الآخر، صورة "الإسرائيلي" المعزول والمنبوذ، وهذا ما عبّر عنه بعض الصحفيين والمشاركين القادمين من دولة الكيان، حيث تمت مواجهتهم برفض التعامل معهم، وعدم استقبالهم، وتعالت الصيحات في وجوههم... لا نريدكم هنا... اخرجوا من فلسطين... لا مكان لكم بيننا.

نعم هذا هو نبض الشارع العربي الحقيقي، وإن برزت على جوانبه بعض الحثالات الساقطة، ورموز التطبيع من قبل بعض الأفراد.

إن المواقف التي ظهرت ليست غريبة عن الشعوب العربية، حيث طبّعت مصر الرسمية منذ اتفاقيات كامب ديفيد، وبقي الشعب المصري العظيم يرفض التطبيع حتى الآن، وما زال ساسة ومحللي الكيان يصفون السلام مع مصر بالسلام البارد. كما طبع النظام الأردني بعد اتفاقية وادي عربة وبقي الشعب الأردني الأصيل ضد التطبيع. وكذلك الحال في المغرب والبحرين والسودان، حيث قالت الجماهير العربية كلمتها ضد التطبيع.

والسؤال هنا، هل يتعظ الحكام العرب المطبعون مع دولة الاحتلال ويستجيبوا لإرادة شعوبهم؟!

لقد كانت فلسطين هي الحاضر الأكبر في هذا المونديال وفي كل مباراة، وجعلت من المونديال فلسطينياً بامتياز.

ألم تقل صحيفة غلوبو البرازيلية أن عدد الفرق المشاركة في كأس العالم هو 33، وليس 32 فريقا، في إشارة منها إلى المشاركة والحضور للقضية الفلسطينية، رغم غياب الفريق الفلسطيني عن المونديال؟

لقد تربعت فلسطين على عرش المونديال، بفضل المواقف المشرفة التي مثلتها الشعوب العربية والشعوب الصديقة التي وجدت في هذه المناسبة فرصتها الثمينة للتعبير عن انحيازها لصالح القضية الفلسطينية.

ألم يقل مراسل صحيفة يديعوت أحرنوت (الإسرائيلي) هذا الكلام "في قطر عرفت مدى كراهية العرب (لإسرائيل)، كم يريدون مسحنا من على وجه الأرض، إلى أي مدى يثير كل ما يتعلق (بإسرائيل) حقدا شديدا في نفوسهم، سنغادر قطر بشعور سيء للغاية، بداية عرفنا أنفسنا كصحفيين (إسرائيليين)، لكن عندما رأينا أن ذلك يؤدى الى مواجهة صعبة وصولا للشتم والمسبات، قررنا تعريف أنفسنا كصحفيين من الاكوادور".

وقصة صاحب التاكسي الذي حملهم وعندما عرف هويتهم أنزلهم من سيارته ورفض التعامل معهم، وقصة صاحب المطعم الذي رفض استقبالهم، وغيرها العديد من القصص التي تؤكد فشل عملية التطبيع ورفضها من قبل الشعوب وسقوطها المدوي رغم مواقف الحكام.

في الختام.. أتوجه بالتحية للجماهير العربية والفرق العربية التي هتفت لفلسطين ورفعت أعلامها والتحية موصولة أيضا لكافة الفرق العالمية المشاركة التي لوحت بالعلم الفلسطيني وارتدت الشال الفلسطيني ورفعت شعارات التأييد لفلسطين وسط الملاعب وعبرت عن دعمها للقضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني.

نتمنى أن يأتي المونديال القادم في ظل ظروف أفضل، يكون فيها العالم قد تخلص من جائحة كورونا إلى الأبد، وأن يكون الشعب الفلسطيني قد تمكن من تحرير كافة أراضيه، وأن يسود العالم سلام قائم على العدل والمساواة ورحيل نظام القطب الواحد والهيمنة.

فلسطين.. ستنتصر.. ستنتصر