حضور الغياب

حجم الخط

أنْ يحرص شرفاء الأمة واحرار العالم على إحياء ذكرى ميلاد القائد الخالد الذكر جمال عبد الناصر قبل قرن وخمس سنوات وبعد أكثر من 52 عاماً على رحيله، ليس مجرد تعبير عن قوة حضوره في حياة أمته والعالم فحسب، بل هو أيضاً تعبير عن قوة غيابه الذي ترك فراغاً كبيراً يتذكّره كلّ منّا في كلّ محنة تعيشها الأمة أو نصر يحقّقه أبناؤها على طريق مقاومة قال عنها أبو خالد «إنها وجدت لتبقى وستبقى».
ولعلّ أكثر ما يبرز قوة غياب الرجل هو السؤال الذي يطرحه كلّ واحد منّا أمام كلّ ما يحيط بنا من فتن وحروب وتناحر وضعف أمام إملاءات العدو: لو كان ناصر بيننا اليوم.
ففي فلسطين التي عاش القائد الكبير آلامها وأوجاعها مدركاً عظمة شعبها ومقاومته المستمرة والمتصاعدة نتساءل: لو كان عبد الناصر بيننا هل كان سيترك الشعب الفلسطيني وحده يواجه ما يواجه من ظلم الاحتلال وبشاعة التواطؤ الدولي والتخاذل الرسمي العربي؟
وفي سورية التي أطلق عليها ناصر «قلب العروبة النابض»، هل كان ناصر يسمح للمتآمرين عليها أن يتمادوا في عدوانهم واحتلالهم وحصارهم المريع لشعبها الذي ما تخلى يوماً عن نصرة ايّ حق عربي وإنساني.
وليبيا جارة مصر المتكاملة معها وبوابتها الى المغرب العربي هل كان ناصر يسمح للناتو ان يغزوها ولأعداء الأمة ان يبقوها أسيرة الفوضى والانقسام.
والعراق الذي كان ناصر أكثر المدركين لأهميته في معركة المصير الواحد هل كان سيسمح بهذا الكمّ من التواطؤ والتآمر والاحتلال عليه؟
واليمن الذي أحبّه جمال عبد الناصر وانتصر لثورته الجمهورية في الشمال ولثورته التحررية في الجنوب، هل كان ناصر يرضى بتحويله الى ساحة تناحر واقتتال لا أفق له سوى التقسيم وتمكين أعداء اليمن التحكم بمصيره؟
والخليج والجزيرة العربية اللذين كان ناصر حريصاً على مقاطعة الاستعمار من أجلهما، هل كان ناصر يقبل ان تبدّد خيراتهما خارج مصالح شعبهما؟
والسودان توأم مصر وشقيقها الأكثر التصاقاً هل كان زعيم مصر يرضى ان يبقى فريسة الفوضى والتقسيم؟
وبلدان المغرب العربي الكبير التي طالما احتضنت القاهرة قادته وحركات تحريره، هل كان ناصر سيقف متفرّجاً أمام ما هو قائم بين الجزائر والمغرب من صراع مؤلم حول قضية الصحراء الذي يستغلها أعداء البلدين لتعميق الازمة بينهما.
وبلدان الساحل الأفريقي الشرقي كالصومال وجزر القمر وجيبوتي ألم يكن ناصر حريصاً على ان تقوم أمتهم بواجباتها تجاههم…
أما لبنان الذي كان جمال عبد الناصر الأكثر حباً له وفهماً لتعقيدات أوضاعه، فهل كان ناصر سيتركه أسير حصار واشنطن وتل أبيب وصراع بلدان المنطقة وضيقي الأفق من سياسييه على حساب دوره الحضاري ولقمة عيش أبنائه.
أما عالم اليوم الذي يشهد تحوّلات بالغة الأهمية ألم يكن ممكناً لقائد الأمة العربية ورائد حركة عدم الانحياز أن يلعب دوراً مهماً في الاستفادة من هذه التحوّلات لصالح أمتنا وشعوب العالم المظلومة.
فعلاً لو كان ناصر موجوداً بيننا لتغيّرت الكثير من أوضاعنا. ولكن الأمة التي حمل ناصر همومها أمة ولّادة وستواصل السير على نهج قائد أحبها وأحبته.