خطة بايدن ومظاهر الانقسام داخل البيت الأبيض

حجم الخط

بعد اقتراب مرور عام على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وإعلان المعسكر الغربي – الأميركي حرباً غير مباشرة متعددة الأشكال على روسيا، أصبح من الواضح أن هذا المعسكر هو الذي تتباين المواقف داخله حول استمرار أو عدم استمرار هذه الحرب بعد ملاحظة أنه استنزف كثيرا على الأرض وكذلك في تماسك مواقفه، وهذا ما كشفه محرر صفحة الرأي في المجلة الإلكترونية الأميركية «أنتي وور» كايل أنزالون في الثالث من شباط الجاري في تحليل عرض فيه معلومات ورد فيها أن «الرئيس الأميركي جو بايدن عرض خطة سلام تعترف بسيطرة روسيا على أكثر من 20 بالمئة من أوكرانيا، وطلب من مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز عرضها على الرئيس فلاديمير بوتين في كانون الثاني الماضي لإنهاء الحرب»، واستشهد كايل بما نشره موقع الصحيفة الإلكترونية السويسرية «نويه زوريخ تسايتونغ» الصادرة بالألمانية، وأضاف كايل: إن تقديم هذا العرض السري جرى في الوقت نفسه الذي كان فيه البيت الأبيض يعد تصعيداً كبيراً بوساطة ما سيقدمه من دعم عسكري لأوكرانيا وبخاصة في موضوع دبابات أبرامز.

وتذكر الصحيفة السويسرية أن مصادر رفيعة المستوى في برلين أفادت أن بيرنز سافر إلى كييف في منتصف كانون الثاني للاجتماع برئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي وأن صحيفة «واشنطن بوست» أفادت في 19 كانون الثاني بأن بيرنز اجتمع قبل وقت قريب بزيلينسكي وعرض عليه «خطة بايدين للتنازل عن 20 بالمئة من أراضي أوكرانيا مقابل إنهاء الرئيس بوتين للحرب»، وتضيف الصحيفة السويسرية: «إن كييف وموسكو رفضتا هذا العرض»، وبالمقابل نفى بيرنز لصحيفة «نيوزويك» الأميركية أن يكون قد عرض هذا الاقتراح كما نفى الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف ما جاء في تقرير الصحيفة السويسرية قائلا «إن لا أساس له»، لكن مصادر ألمانية تؤكد أن «موضوع اقتراح السلام الأميركي المذكور يعكس وجود انقسام متزايد داخل البيت الأبيض حول كيفية معالجة موضوع الحرب في أوكرانيا، فمستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان ومعه بيرنز، يرغبان بإنهاء هذه الحرب في أوكرانيا لكي تركز واشنطن بالسرعة الممكنة على الاستعداد للصين، ويقف بالمقابل وزير الخارجية أنتوني بلينكين ومعه وزير الدفاع لويد أوستين على خلاف مع بيرنز وسوليفان لأنهما يرفضان أن تنجح روسيا في تدمير نظام السلام الذي يقوم عليه العالم الآن، ولذلك يطالبان بزيادة تقديم الدعم العسكري لأوكرانيا».

تستنتج الصحيفة السويسرية أن فشل الخطة التي عرضها بيرنز أتاحت لاوستين وبلينكين الموافقة على تقديم دبابات «أبرامز» لأوكرانيا، وهذا ما فاجأ وأحرج المستشار الألماني أولاف شولتس الذي كان يرغب بعدم تقديم دبابات «ليوبارد» الألمانية المتطورة لأوكرانيا حين افترض أن واشنطن لن ترسل دبابات «أبرامز» لأوكرانيا فأصبح الآن مضطرا لإرسالها.

ومع ذلك يبدو أن كل ما ذكر حول هذه الخطة والانقسام داخل البيت الأبيض وبغض النظر عن نفي الطرفين الأميركي والروسي في هذه الأوقات لوجودها، يدل على أن ما حققته روسيا وما سوف تحققه بعد كل هذا الاختراق الواسع الميداني لأوكرانيا، سيضع الولايات المتحدة وحلفاءها أمام صعوبة الاختيار بين حرب غربية – أميركية محتملة عالمية تجري على ساحتين أوروبية ضد روسيا وآسيوية ضد الصين، أو بين البحث في إعداد قواعد نظام عالمي جديد لا يريده أوستين وبلينكين، ويبدو أن بيرنز وسوليفان يميلان باتجاه المناورة حوله مع موسكو، لكن الحقيقة الواضحة في هذا الواقع بعد عام على العملية العسكرية الروسية أن كلاً من موسكو وبكين تجمعهما أهداف مشتركة هي زعزعة النظام العالمي الأميركي- الغربي وكل نتائجه، والتوجه نحو فرض نظام ينهي قرناً كاملاً من الهيمنة الإمبريالية التي فرضتها القوى الاستعمارية في الحرب العالمية الأولى في أوروبا والعالم ثم تولدت عن هذه النتائج حرب عالمية ثانية ما زال النظام العالمي الذي فرضته منذ الخمسينيات، يحقق استمرار هيمنتها وخاصة بعد انهيار كتلة دول المعسكر الاشتراكي بعد عام 1991، ولذلك تحاول واشنطن العمل على التمسك بالمحافظة على نظامها الإمبريالي العالمي أحادي القطب على حساب دماء الأوكرانيين في أوروبا، ودماء الصينيين في تايوان، ضد الصين، لكنها في النهاية لن تحصد سوى الهزيمة الشاملة هذه المرة بعد أن رأى الجميع هزائمها في فيتنام وأفغانستان وكذلك في سورية و إيران وأطراف محور المقاومة الذي جندت ضده كل قدراتها وقدرات حليفها الإسرائيلي خلال خمسة عقود ولم تتمكن من تحقيق أهدافها في تفتيت قدراته الإقليمية، فما بالك بقدرات قوى كبرى مثل روسيا والصين؟!