تحليل صهيوني: إضعاف السلطة الفلسطينية: نحو الاستمرارية أم الانهيار؟

حجم الخط

 ترجمة خاصة*

في هذا المقال المنشور على موقع معهد هرتسليا للسياسات- متعدد المجالات في جامعة رايشمان، فحص مايكل مليشتتاين سيناريوهات إضعاف السلطة الفلسطينية ما يساهم في إدامتها ولكن بشروط "إسرائيلية" معينة أو منافية للمصلحة "الإسرائيلية"، وسيناريو انهيارها تمامًا والآثار المترتبة على مصالح الكيان تبعا لكليهما.

خلال العام الماضي، كانت السلطة الفلسطينية تشع بضعف لم يسبق له مثيل منذ الانتفاضة الثانية، عندما فقدت الإدارة في رام الله جزءًا كبيرًا من قدراتها، مما خلف فراغات استغلت من قبل القوى المنافسة، وعلى رأسها حماس. بينما العقدان الأخيران بإعادة الحكم واستقرار نسيج الحياة في الضفة، حيث حافظت السلطة الفلسطينية بشكل صارم على التنسيق مع "إسرائيل" وتضييق إجراءات حماس في المنطقة، من بين أمور أخرى في ضوء الصدمة الاستفادة من درس سيطرة الحركة على قطاع غزة في حزيران 2007.

وقال مليشتين إنّ ضعف السلطة الفلسطينية اليوم ينبع من مجموعة من الأسباب الخارجية والداخلية: الأزمة المتصاعدة مع "إسرائيل" مصحوبة بزيادة التوترات الأمنية على الأرض والعقوبات الاقتصادية من قبل "إسرائيل" (مصادرة الأموال المخصصة لدعم عائلات الأسرى والشهداء) التي تنعكس كصورة سلبية للحكومة في رام الله في نظر غالبية الجمهور الفلسطيني بسبب ظواهر الفساد والمحسوبية وانعدام الديمقراطية. وتزايد القلق لدى كبار مسؤولي السلطة وأجهزتها الأمنية على خلفية اتهامهم بـ "التعاون" مع "إسرائيل" على خلفية التنسيق الأمني. وصعود قوة الجيل الفلسطيني الشاب الذي يعاني من العديد من المصاعب ويشعر بالغربة العميقة تجاه السلطة الفلسطينية.

وأضّاف إنّ أبرز تعبير عن ضعف السلطة الفلسطينية هو الفراغ الحكومي الذي يتطور في مراكز مختلفة في الضفة الغربية، في هذا الإطار، تم خلق أرض خصبة مريحة "للإرهاب والفوضى "التي تقودها الميليشيات المحلية، إلى جانب حماس والجهاد الإسلامي الذين يرون في الوضع الناشئ فرصة لتأسيس نفوذهم على الأرض وتعزيز "الإرهاب" ضد "إسرائيل" في ساحات أخرى غير قطاع غزة. وتتجلى هذه الظاهرة بكامل قوتها في جنين، ولا سيما في مخيم جنين للاجئين، الذي أصبح بؤرة رئيسية (للمقاومة) في الضفة الغربية، ولكنها موجودة أيضًا في نابلس، ومؤخرًا أيضًا في مراكز هادئة نسبيًا، بما في ذلك أريحا، حيث تم الكشف مؤخرًا عن بنية تحتية وحدة عسكرية تابعة لحماس بدأت بالفعل في تنفيذ هجمات.

يضيف الكاتب إنّه في الوضع الحالي، مطلوب عودة حازمة وفورية لحكم السلطة الفلسطينية إلى المراكز التي تم حلها فيها، ولضمان عدم انتشار "نموذج جنين" إلى أجزاء أخرى من الضفة. من الناحية العملية، من الصعب تحقيق هذا الهدف في ظروف أزمة حادة مع "إسرائيل" وتصعيد أمني: تفتقر السلطة إلى الثقة بالنفس لتعزيز الإنفاذ على الرغم من الاحتكاك مع الجمهور المحلي (كما حدث في نابلس قبل حوالي ستة أشهر)، والعقاب الاقتصادي يضر بسير العمل اليومي ولا سيما دفع رواتب موظفي القطاع العام وعلى رأسهم نشطاء الأجهزة الأمنية.

يثير ضعف السلطة الفلسطينية قلقًا عميقًا لدى الحكومة الأمريكية، وهو ما تم التعبير عنه في مسعى وزير خارجية بايدن، أنتوني بلينكن مع أبو مازن في اجتماعهم الأخير لتطبيق القانون في منطقة جنين وهو الأمر الذي وصفه الخطاب الفلسطيني بلقب "دايتون 2" وفي وثيقة جمعتها وكالة المخابرات المركزية والتي تضمنت تحذيرًا من اندلاع" انتفاضة ثالث "في الضفة، و. يبدو أنّ هناك قلقًا أيضًا في واشنطن بشأن استمرار الانفصال الأمني ​​والسياسي بين "إسرائيل" والفلسطينيين وعواقب العقوبات الاقتصادية ضد السلطة الفلسطينية، إلى جانب الاستياء من التلميحات التي أطلقها مؤخرًا كبار المسؤولين الحكوميين، بقيادة الوزير سموتريتش، بشأن عدم وجود ضرورة لاستمرار وجود السلطة الفلسطينية في المستقبل.

إنّ الضعف المستمر للسلطة الفلسطينية، المصحوب بتصعيد أمني متزايد وربما حتى الإضرار بالاستقرار الاقتصادي في الضفة الغربية، قد يتسبب في تحدٍ حاد للواقع القائم في المنطقة منذ أكثر من عقدين. ولابد من التأكيد على أن السلطة الفلسطينية غير موجودة اليوم بفضل أجندة سحرية أو تعاطف شعبي، ولكن بسبب تصورها في نظر الجمهور الفلسطيني ككيان ينجح في توفير نسيج الحياة والاستقرار الحكومي والاقتصادي، وبدون هذه لا يحق لها الوجود.

إنّ احتمال استمرار الواقع في تكوينه الحالي لفترة طويلة منخفض- يضيف ملشتاين- و. قد يكون من الممكن الحفاظ عليها (بصعوبة كبيرة) لعدة أشهر إلى ربما سنة، ولكن ليس لتثبيتها كوضع دائم يسمح "لإسرائيل" بالاستقرار الأمني. كما أنّ احتمالية المبادرات الفلسطينية بروح "إعادة المفاتيح" إلى "إسرائيل" منخفضة أيضًا، لأنّ معظم كبار المسؤولين الحكوميين في رام الله يتوقون إلى الحفاظ على بقاء السلطة الفلسطينية، ويدركون أنّ إلغائها سيؤدي إلى أضرار جسيمة، ويخشون تكرارها. من سوابق الانتفاضة الثانية أو سيطرة حماس على القطاع.

هناك سيناريوهان محتملان هما الانهيار والانحدار، أي الشلل الوظيفي للسلطة في مواجهة الصعوبات المالية في تحريك جميع الآليات الحكومية، وعلى وجه الخصوص لتلبية الاحتياجات العامة، وتشغيل البنى التحتية المدنية، ودفع الرواتب، وضمان النظام العام. لن يتم اشتقاق السيناريوهين بالضرورة من الإعلانات أو الخطط المنتظمة، لكنهما قد يتجسدان مع ذلك: أحدهما سريعًا وقد يكون مصحوبًا بالفوضى وإلحاق الضرر بالمؤسسات ورموز النظام (ظاهرة شائعة في دول المنطقة خلال عصر (الربيع العربي) والآخر بعد "احتضار بيروقراطي" يمكن أن تختلف شدته بين المناطق الجغرافية وبين مناطق المسؤولية.

بالنسبة "لإسرائيل"، فإن كلا السيناريوهين يجسد نتائج استراتيجية كبيرة. على المدى القريب، قد تظهر مخاطر أمنية على شكل زيادة في نطاق "الإرهاب"، بما في ذلك ما يتم الترويج له بمبادرة من نشطاء الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي قد تضعف أو حتى تتفكك، وزيادة قوة حماس. على المدى الطويل - قد تتطور المساحات الحكومية التي ستجذب "إسرائيل" إلى الوفاء بمسؤولياتها المدنية تجاه الجمهور الفلسطيني، وفي الواقع تعيدها جزئيًا أو كليًا إلى دور الحكومة العسكرية كما كانت قائمة قبل إنشاء السلطة الفلسطينية، إنّها أقرب إلى واقع دولة واحدة حتى بدون إرادة وتخطيط.

ويرى الكاتب أنّ الموقف غير المستقر للسلطة الفلسطينية يجب أن يكون في قلب صورة الوضع والسياسة التي يصوغها صناع القرار بشأن القضية الفلسطينية. على المدى القريب - من الضروري ضمان هدوء نسبي قبل شهر رمضان وخلاله، ولهذا الغرض من الضروري إيجاد طرق لتجديد التنسيق الأمني ​​بشكل كامل وتخفيف الأزمة الشديدة مع السلطة الفلسطينية، مع تقديم المساعدة من الإدارة الأمريكية بالإضافة إلى اللاعبين العرب الرئيسيين وعلى رأسهم الأردن ومصر. بالإضافة إلى ذلك، يوصى بفحص قيد / تأخير العقوبة المالية على السلطة في المستقبل القريب وكذلك لتجنب الوسيع الاستيطاني، والذي من المرجح أن يقابل بردود فعل قوية من المجتمع الدولي. كل هذا إلى جانب تصليب الموقف تجاه حماس من خلال تقييد الإيماءات المدنية التي هي صعدت نحو القطاع.

ويجب على صانعي القرار في نهاية المطاف- حسب المقال- مواجهة، رؤيتين استراتيجيتين. الأول - لأن التركيز على التحركات الرمزية - بدءًا من مطاردة الأعلام، وطريقة إقامة البؤر الاستيطانية التي تم تفكيكها بسرعة في الضفة وانتهاءً بصعود غير متحكم به إلى الحرم القدس ي - يمنع تشكيل عمق والإستراتيجية طويلة المدى للقضية الفلسطينية، والقدرة على توجيه الاهتمام والجهد نحو القضايا الوجودية الأخرى، وفي مقدمتها الملف النووي الإيراني. الرؤية الثانية - والأكثر أهمية - هي أنّه على الرغم من الموقف المتحدي الذي تتخذه السلطة تجاه "إسرائيل"، فإنّها لا تزال في الفئة السيئة في الأقلية التي سيضع اختفائها "إسرائيل" في مواجهة بدائل أسوأ، بدءًا من سيطرة حماس وانتهاء بواقع دولة واحدة مع تهديد صورة "إسرائيل" كدولة يهودية وديمقراطية.

المصدر*: مايكل ميلشتين. موقع معهد هرتسليا