" الناظرون إلى النجوم "

حجم الخط
رُجّت الأرض و مادت الجبال و تشققت السماء بالغمام .. و لكن لم تتنزل الملائكة تنزيلاً بل نزلت أصواتكم المكبّرة من أعماق الزنازين برداً و سلاماً على أرواح الشهداء الناظرين إليكم من عليين .. و حلّت خوفاً و رعباً على قلوب سجانيكم المرتجفة .. إنّه يوم الحشر .. يوم القيامة .. و آن لشعبنا أن يُبعَث بكم حياً .. ارتجفت أبواب الزنازين تحت أيديكم التي التهم الجوع عضلاتها لكنه لم يوهن الإصرار المتدفق فولاذاً في عروقها و أوردتها .. لنتعلم منكم في كل يومٍ كيف يكون الوطن معطاءً بأبنائه الذين ما بخلوا عليه بأنفسهم و لا بِقُرّة أعينهم .. لنتعلم كيف تكون الرجولة بعد أن أضعناها في خوضنا اليومي لمعركة الحياة و نضالنا المستميت من أجل رغيف الخبز و وقود و سكن فتحولنا لرجالٍ من عجين .. و كيف تكون الأنوثة و الأمومة نحن اللواتي ألهانا التكاثر فسقط الوطن سهواً من حساباتنا الشهرية لمشروع طفلٍ قادمٍ .. فنسينا أنه الولد الأغلى و الأجمل .. نتعلم منكم اليوم و أمس و غداً كيف تكون أن الحياة كرامة .. بعد أن تحولنا لموتى لا يملكون ضريحاً و قد ضاقت بنا قبور الأرض و جحورها التي طال اختباؤنا بها فتركناكم تقارعون التنين لا بقيود أيديكم و أرجلكم أو بجوع أمعائكم بل بضميركم الذي ما خان عهد الوطن و بيقينكم بحق هذا الوطن بفسحةٍ سماويةٍ و حفنة أحلامٍ وردية .. و قوس قزح .. و حقنا في قبرٍ يسير على قدميه .. نتعلم منكم كيف يكون التشبث بالأرض فنّاً يُبهِر العالم الذي تآمر علينا و راهن على زوالنا بعد أن منح مقومات الحياة لعدونا فكنتم الكلمة الباقية و آثرتم الموت بكرامة لترسموا الابتسامة على وجه المسيح الحزين بقصاصكم ممن قتله و صلبه .. و كنتم الزيتونة التي كلما قُطِعت أزهرت ، و كلما حُرِّقت أينعت ، و كلما اُجتُثت ضربت جذورها عمقاً في الأرض .. نتعلم منكم كيف طُميِرُ الانسان بطولةً و شموخاً ، فيتساقط مطركم رغم الظلم و رغم القهر على أرض نفوسنا العجاف فنخضرّ بكم نحن الذين استوطنّا الخريف و سكناه كالورق اليابس المندثر و المتناثر بريح الانقسام لنكون الطبعة الأخرى من أندلسنا المغلوبة .. نتعلم منكم كيف يُحوّل السجين سجّانه إلى سجينٍ يعيش مرارة السجن أكثر منه .. فيغدو هو الحر الطليق و ذاك أسيراً لسجنٍ صنعته يداه .. نحن السجناء الذين لم نعرف طعماً للحرية فكنا جياعها الدائمين مذ رضينا بسلطةٍ غير شرعيةٍ تحكمنا و تجلدنا .. تبيعنا و تتآمر علينا .. تعتقل أبناءنا و تشنق أقلامنا .. و لا يسلم من شرور شياطينها ملائكة السماء " شهداؤنا " و لا ملائكة الأرض " أنتم أسرانا " ..فالتضامن معكم يحتاج إلى تصريح .. التعبيرعن انسانيتنا لأجل من ضحى لتحيا الانسانية يستلزم استصدار تصريح رسمي من حكومة غير رسمية ! أما المقاومة و حمل السلاح لأجل الوطن و حريتكم فهو فعل انتحار .. و الانتحار في شرع سلطة رام الله حرام ..!! فاعله إلى جهنم و ساءت مصيرا .. و كأن جحيمهم الذي أسكنونا فيه جنة عدن .. !! و لا ندري أين الحلال في تسليم خلية من الشباب المقاوم كانت تخطط لأسر جنود صهاينة ليردوا لكم حريتكم و بعضاً من جمائلكم علينا نحن المقصرين بحقكم و حق الوطن ... نتعلم منكم معنى النور .. " يا ضوء الشمس الهارب من ثقب الأبواب .. " نحن الذين قبلنا حكم لطيور الظلام فسكنا قلب الليل و بتنا نخشى ضوء النهار .. فليبزغ الفجر من زنازينكم المعتمة و ليبدأ النهار زيارته للوطن لينحني السجان انبهارا به و يتهدم السجن بلهيبه .. فنخلع عنا عباءة الليل ونقتل خفافيشه .. و نسكن و إياكم في قلب الشمس التي تناضلون لتحريرها .. نتعلم منكم " أيها الناظرون للنجوم " من خلف القضبان كيف نكون نجوماً مثلكم تنير الوطن باحتراقها متساقطةً نجمةً خلف نجمة .. نيزكاً خلف نيزك .. و شهاباً خلف شهاب .. فلا تنظروا للنجوم لأنكم نجومنا التي تزيّن سماء الوطن .. ربما تقولون ما قاله ناظم حكمت في سجنه : " و رغم هذه القضبان .. فإن قلبي لازال يخفق مع أبعد نجم في الفضاء .. " أما نحن فننشد " قلوبنا من خلف قضباننا تخفق مع نجوم عوفر و عسقلان .. نفحة والسبع .. رامون و النقب .. "