إيران في مواجهة التصعيد الصهيوأميركي والغربي

حجم الخط

إنّ الاستهداف المبرمج من قبل الولايات المتحدة للجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة عبر العقوبات والحصار المفروض ضدّها، قائمٌ ومستمرٌّ منذ انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران عام 1979، لكنّه في المرحلة الراهنة بدأ يخطو خطواتٍ خطيرةً بعد أن أوقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب العمل باتفاق (5+ 1) النووي مع إيران بالتنسيق مع الكيان الصهيوني، في الثامن من مايو (أيار) 2018م - الذي جرى إبرامه في عهد الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما - وأعاد العمل بالعقوبات المفروضة عليها. إذ إنّه بعد وصول مفاوضات "فينا 2" غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة أوروبية، إلى طريقٍ مسدودٍ جرّاء رفض الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، التجاوب مع أربع قضايا أساسيّة تصرُّ عليها إيران، ترتبط بالضمانات، ورفع العقوبات، والتحقّق من حدوث ذلك، وإغلاق ملف المزاعم السياسية المتعلّق الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن المواقع غير المصرّح عنها، عادت الولايات المتّحدة تهدّدُ إيران، خاصّةً بعد أن أعلنت إيران أنّها بدأت بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، ما يعني حسب التقديرات الإسرائيليّة والأمريكيّة بأنّ إيران باتت على عتبة صناعة القنبلة الذرية".

الجانبُ الصهيونيّ وبعد فشل مفاوضات "فينا" راح يتوعّد ويهدّد بقصف إيران، في محاولةٍ منه لجر الولايات المتّحدة للحرب ضد إيران، لكن محاولاته لم تنجح في ضوء غرق أمريكا بأزماتٍ أخرى في أوكرانيا، وبعد انسحابها المذل من أفغانستان، ناهيك أن أطرافًا في المعارضة الإسرائيلية في فترة حكم نتنياهو السابقة، راحت تحمل (إسرائيل) مسؤولية التطور في البرنامج النووي الإيراني، جراء تشجيعها للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للانسحاب من الاتفاق المبرم مع إيران عام 2015.

المزاوجة بين الحرب السيبرانيّة وحرب الاغتيالات:

لقد شنَّ الكيان الصهيوني هجمات سيبرانية، على مواقع بنى تحتيةٍ إيرانيةٍ في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، واستمرَّ في هذه الهجمات في عهد الرئيس جو بايدن، وردت عليها إيران بهجماتٍ سيرانية أكثر فتكًا وردعًا، ما أدّى إلى لجم هجمات الكيان الصهيوني السيبرانية، خاصّةً بعد أن طالت الهجمات السيبرانية شبكات البنى التحتيّة الإسرائيليّة والمعلوماتيّة وعطلتها، وتحديدًا بعد الاختراق الذي تعرّض له أحد خوادم شركة إسرائيليّة متخصّصة، في بناء المواقع الإلكترونيّة وتخزين المعلومات، وتمكّن إيران من نشر معطياتٍ شخصيةٍ عن مسؤولين إسرائيليين، ما أثار ضجةً كبرى في الكيان بمختلف مستوياته الأمنية والسياسية، لدرجة أن المدير العام لشركة تشكبونت الإسرائيلية لحماية السايبر، حذّر من قدرات هذه الهجمات الهائلة التي ستلحق الضرر بإسرائيل، وبخصوصية ملايين الإسرائيليين.

وبعد فشله في الحرب السيبرانية، عاد العدو الصهيوني مجدّدًا إلى حرب الاستخبارات والتصفيات لعلماء وقيادات عسكريّة إيرانيّة، وآخرها اغتيال ضابطين إيرانيين جنوب دمشق، ردَّ عليها الحرس الثوري الإيراني في 12 مارس/ آذار 2022 باستهداف مركزٍ رئيسيٍّ لجهاز الأمن الخارجي الإسرائيلي (الموساد)، في مدينة أربيل الكرديّة في شمال العِراق، بإطلاق 12 صاروخًا باليستيًّا دقيقًا من الأراضي الإيرانيّة؛ ما أدى إلى مصرع أربع ضباط إسرائيليين، بالإضافة إلى (7) جرحى، ما يعني أنّ كُلَّ غارةٍ إسرائيليّةٍ تستهدفُ أهدافًا إيرانيّةً في سورية لن تمرّ دون ردٍّ موجع.

ورغم الضربة القاسية التي تلقّتها شبكة الموساد في أربيل، إلا أنّ العدوّ واصل مخطّطاته ضدّ إيران، إذ إنّه في 13 مارس/آذار 2022 حاول ضباط من الموساد الوصول إلى الوصول إلى أجهزة الطرد المركزي من نوع ir6 في منشأة فوردو النووية؛ بهدف توجيه عملٍ تخريبيٍّ ضدّها، لكن المحاولة فشلت بعد أن تمَّ كشف شبكة الموساد واعتقال أعضائها.

تجدر الإشارة، إلى أن جهاز المخابرات الإسرائيلي تمكّن من اغتيال قياداتٍ عسكريّةٍ وعلميّةٍ كبيرةٍ أبرزها: اغتيال أبو البرنامج الصاروخي الإيراني العميد حسن طهراني مقدم، في انفجارٍ داخل موقعٍ عسكريٍّ على بعد 50 كيلو مترا من غرب العاصمة طهران وذلك في 14 تشرين الثاني( نوفمبر) 2011، اغتيال كبير العلماء النوويين الإيرانيين محسن فخري زادة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، اغتيال العقيد حسن صياد خدايي بتاريخ 23 مايو 2022، ناهيك عن اغتيال قائد لواء القدس في الثالث من يناير 2020 من قبل الطيران الأمريكي بتنسيق مع الموساد الإسرائيلي.

قصف مجمع أصفهان العسكري:

رغم الضربة العسكرية الذي تلقاه مجمع الموساد في أربيل، إلا أن عملاء الموساد واصلوا استخدامهم أراضي جمهورية أذربيجان للتجسس على إيران، وكذلك الأراضي العراقية في إقليم كردستان وتحديدًا في معقل الموساد الرئيسي في مدينة "أربيل" لشنّ ما تسمّى معارك ما بين الحروب ضد إيران، والتطوّر الأخطر في هذه المعارك حصل مؤخّرًا بقيام ثلاث طائراتٍ مسيّرة، تحمل اسيم "كوادكوبتر" تحمل قنابل صغيرة، بقصف مجمعٍ للصناعات العسكرية في مدينة أصفهان بتاريخ 29 كانون ثاني / يناير 2023، لم يسفر عن خسائرَ ماديّةٍ أو بشريّة، حيث اتّهمت إيران فيها (إسرائيل) بالوقوف وراءها، وكشفت بالأدلة أن عملاء الموساد هم من كانوا وراء هذه العملية؛ انطلاقًا من إقليم كردستان العراق. ولم تتوقّف الأمور عند قصف مجمع اصفهان، بل قصفت طائرات العدو الصهيوني في ذات اليوم شاحناتٍ تحمل مواد غذائية، دخلت سورية من العراق في البوكمال السورية. وكانت أجهزة الأمن الإيرانية ألقت القبض في يوليو/تموز الماضي على فريق تخريب يضم مسلحين من الأكراد، يعملون لصالح (إسرائيل) وخططوا لنسف مركز “حساس” للصناعة الدفاعية في أصفهان.

سيناريوهات الرد على هجوم أصفهان وعلى الشاحنات الإيرانيّة:

رغم أنّ إيران معروفٌ عنها بقدرتها على الصبر الاستراتيجي، إلا أن صبرها ينطوي على اتخاذ الخطوات المدروسة للرد، فرأيناها ترد على احتجاز ناقلة نفط بريطانية؛ ردًّا على احتجاز ناقلة نفطٍ إيرانيّة، ورأيناها تردّ على ضرب سفينةٍ إيرانيّةٍ بضرب سفنٍ إسرائيليّةٍ تحملُ أعلام دول أخرى، ورأيناها ترد على اغتيال الجنرال قاسم سليماني بقصف قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق بخمسة عشر صاروخًا حولت القاعدة إلى رماد، ورأيناها قبل ذلك تسقط طائرة التجسس "آر كيو-4 غلوبال هوك" الأمريكية بصاروخ أرض –جو في 20 يونيو/حزيران 2019 عندما اقتربت من المياه الإقليميّة الإيرانيّة في الخليج.

وبخصوص سيناريوهات الرد على هجوم اصفهان يمكن توقع الاحتمالات التالية:

السيناريو الأول: أن تقوم بإرسال طائرات مسيرة لقصف مواقع استراتيجية في عمق الكيان الصهيوني، بالتنسيق مع حلفائها في المنطقة، وتحديدًا فصائل الحشد الشعبي في العراق وحزب الله وحكومة صنعاء بقيادة حركة أنصار الله.

السيناريو الثاني: أن تقوم طهران بتكرار الهجوم الصاروخي على مواقع "الموساد" في كردستان العراق.

السيناريو الثالث: أن تقوم طهران باستهداف إسرائيليين في دول في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، ما دفع الكيان الصهيوني للطلب أكثر من مرة مغادرة الإسرائيليين تركيا .

السيناريو الرابع: تنفيذ السيناريوهات الثلاث جميعها في أوقات متباعدة نسبيًّا.

ولا يتوقع أن تقوم إيران في هذه المرحلة، بقصف الكيان الصهيوني بصواريخ بالغة الدقة؛ لأن هذا القصف إذا ما حصل، يدخل المنطقة في حربٍ شاملة، وهو قرارٌ لم يتّخذ بعد من قبل محور المقاومة.

العواملُ التي تقف وراء التصعيد الصهيو أميركي:

ويجمع العديد من المراقبين، أن هذا التطوّر في الهجمات الإسرائيلية ضد إيران جاء بتنسيقٍ ودعمٍ كبيرٍ من الولايات المتّحدة الأمريكيّة، لا سيّما وأنّ عمليّة القصف الأخيرة تزامنت مع عقوباتٍ أمريكيّةٍ جديدةٍ ضد إيران، وأنّ هذا التطور جاء في ضوء عواملَ محدّدة أبرزُها:

1- فشل الولايات المتّحدة ودول الغرب عمومًا، في تثمير المظاهرات المدبرة في إيران على مدى ستة شهور، التي جاءت على خلفية وفاة فتاة إيرانية "مهسا أميني" في 17 سبتمبر 2022م، سبق وأن احتجزتها شرطة الأخلاق، في إحدى المراكز الأمنية، حيث وقف الغرب بكل ثقله الإعلامي والسياسي، وراء الاتهام المزعوم بقتلها من قبل الشرطة الإيرانيّة؛ بهدف إضعاف النظام وإسقاطه، وقد استخدم بعض المتظاهرين السلاح ضد رجال الشرطة، وراح ضحية المواجهات عدد كبير من المواطنين ورجال الشرطة.

2- مضي إيران في برنامج تخصيب اليورانيوم، وعدم اكتراثها لتقارير مدير وكالة الطاقة الذرية "رافائيل غروسي، المستندة إلى مصادر إسرائيلية، الذي يتهم إيران بإخفاء معلومات عن مواقع نووية أخرى، ويشكك في سلمية برنامج إيران النووي، مشيراً في تقرير له في 7 سبتمبر (أيلول) وفي تقارير لاحقة، أن "مخزون إيران من اليورانيوم المخصب يتجاوز بـ 19 مرة الحد المسموح به".

3- اتهام إيران بتزويد روسيا بطائراتٍ مسيّرة، تستخدم بكفاءةٍ وفعاليةٍ في الحرب الدائرة في أوكرانيا، يضاف إلى ذلك التطور الهائل في العلاقات الروسية الإيرانية على مختلف الصعد، التي وصلت إلى مستوى استراتيجي، في إطار الاتفاق الذي وقعه الرئيس إبراهيم رئيسي مع الرئيس بوتين إبان زيارته لموسكو في 19 يناير (كانون الثاني) 2022، وزيارة الرئيس بوتين إلى طهران ولقائه مع مرشد الثورة آية الله على خامنئي في أغطس (آب) 2022، التي أسفرت عن توقيع اتفاقيات في المجالات الاقتصادية والعسكرية ونقل التكنولوجيا والنفطية وفي مجالات الفضاء الخ، حيث رأت طهران في هذه اللقاءات والاتفاقيات نقطة تحوّلٍ في توجّه إيران نحو الشرق، ومنعطفًا بالعلاقات الثنائيّة مع روسيا في مواجهة الأحادية والهيمنة الأمريكية.

حراكٌ سياسيٌّ غربيٌّ وعقوباتٌ جديدةٌ ضدّ طهران:

في مواجهةٍ تطوّرت العلاقات بين روسيا وإيران على غير صعيد، واستمرار الاتهام لإيران بدعمها العسكري لموسكو في الحرب الدائرة في أوكرانيا في مواجهة حلف الأطلسي، تسعى الولايات المتحدة إلى تشكيل تحالفٍ عربيٍّ ضدّها من الدول التي شاركت في مؤتمر (النقب22) في مارس (آذار) 2022، وهي ( مصر والبحرين والإمارات والكيان الصهيوني)، حيث تنتظر من مؤتمر (النقب23) المزمع عقده في المغرب أن يتخذ خطواتٍ عمليّةً في مواجهة إيران والمقاومة الفلسطينيّة، كما تسعى لترطيب العلاقات مع السعودية للمشاركة في المؤتمر لاحقًا.

وقد جاءت زيارةُ كلٍّ من مدير وكالة المخابرات الأمريكيّة "ويليام بيرنز" وكذلك زيارة وزير الخارجية توني بلينكن للكيان الصهيوني، لبحث تطور العلاقات بين موسكو وطهران، ولتقديم حوافز لنتنياهو بفرض مزيدٍ من العقوبات على إيران والحؤول دون تمكين إيران من صنع قنبلةٍ نووية، مقابل أن يتخلى عن توجّهاته بإحداث تغييرٍ في المنظومة القضائية التي تضرب البعد الديمقراطي في الكيان الصهيوني.

وعلى صعيد العقوبات الأمريكية الجديدة ضد إيران، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكيّة فرض عقوباتٍ على مسؤولين مرتبطين بصناعة الصواريخ الباليستية، وعلى مسؤولين مرتبطين بشركة تصنيعٍ دفاعيّةٍ إيرانيّة، تصمّم وتنتج طائرات دون طيّار (درونز)، ظهر عددٌ منها في الحرب الروسية على أوكرانيا.

ولم تتوقف الأمور عند العقوبات الأمريكية، بل تعدتها إلى مواقف دولٍ أوروبيّةٍ حادّة ضدّ إيران متذرّعةً بتنفيذ أحكام إعدام، وبقمع المظاهرات، وبدعمها موسكو في الحرب في أوكرانيا، حيث أعلن البرلمان الأوربي تصنيفه "الحرس الثوري" منظمةً إرهابيّةً، وفرض عقوبات على شخصيات إيرانية، وفي مقدمتها المرشد ورئيس الجمهورية.

لكن إيران التي تمكنت من إفشال العقوبات في الفترة السابقة، باتت في هذه المرحلة أكثر قدرة على إفشالها، بحكم علاقاتها المتقدمة مع كل من روسيا والصين، وتوقيعها معهما اتفاقيات اقتصادية، تضمن التبادل التجارية بالعملات المحلية.