من موسوعة الكفاح والنضال الفلسطيني: أربعةُ أشكالٍ وثماني مراحلَ كفاحيّةٍ في مواجهة المشروع الصهيوني

حجم الخط

في ضوء ازدياد المعارك والاشتباكات والمواجهات والتصعيد مع جيش الاحتلال ومستعمريه على امتداد مساحة فلسطين، وفي الضفة على نحوٍ خاص، وفي نابلس جبل النار، وقلعة جنين على نحوٍ أخصّ؛ نستحضرُ مسيرة الكفاح الوطني الفلسطينيّ لنوثّق:

      في مواجهة المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني الاقتلاعي في فلسطين، الذي تعود بداياته العمليّة إلى نحو قرنٍ وثلاثةٍ وثمانين عامًا (المؤتمر الأوروبيّ في لندن 1840) الذي أنتج عمليًّا نكباتٍ متلاحقةً ألمّت بالشعب الفلسطيني، وأصبحت تشكّلُ تراكميًّا عبرَ هذا الزمن، ما يمكن أن نطلق عليه "الهولوكوست الفلسطيني المفتوح"، انطلقت كذلك مسيرةٌ طويلةٌ من النضال والكفاح والصمود والبقاء الفلسطيني المفتوح، لتشهد فلسطين مراحلَ ومحطّاتٍ وأحداثًا ملحميّةً أسطوريّةً عز نظيرها في التاريخ البشري، لتبلغ في هذه الآونة ذروة الصراع والصدام مع المشروع الصهيوني؛ وبلا مبالغةٍ فنحن نتحدّث عن موسوعة المقاومة والنضال والصمود والبقاء الفلسطيني، لا بل يمكننا القول: إنّه أصبحت هناك في كلّ بيتٍ وفي كلّ عائلةٍ فلسطينيّةٍ لوحات وقصص وحكايات ملحميّة في النضال والتضحيات اليوميّة في مواجهة جيش الاحتلال ومستعمريه.

   لقد أدرك الشعبُ العربيّ الفلسطينيّ مبكّرًا جدًّا خطر الهجرة اليهوديّة إلى فلسطين منذ أن اتّخذت شكلًا منظّمًا في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، فانطلقت مسيرة المقاومة الفلسطينية بأشكالها كافةً، مع بدايات الغزو البشري الصهيوني الاستيطاني لفلسطين، ولم تهدأ يومًا أبدًا منذ ذلك الوقت، ولكنّها كانت في حالة مدٍّ وجزرٍ بفعل الأحوال والموازين والإمكانات، وتأثيرات المحيط العربي والإقليمي والدولي، وتنوعت المقاومة لتشمل العمل السياسي والعسكري والثورات والانتفاضات والهبات والاعتصامات والمظاهرات في مواجهة تحالف الاستعمار البريطاني والغزو الصهيوني، وما تزال مسيرة المقاومة والنضال الفلسطيني مستمرّةً بأشكالها المتنوعة حتى اللحظة الراهنة.

وفي التوثيق، فإنّ بدايات اليقظة والمقاومة الفلسطينية للوجود الصهيوني تعود على وجه التحديد إلى عام 1878، حينما اقامت الحركة الصهيونية مستعمرتها الأولى "بيتح تكفا" على أنقاض قرية الملبس الفلسطينية، فانتفض أهالي القرية ضد الغزو الاستيطاني، وبعدها بأربع سنواتٍ فقط، أي في عام 1882، أقدمت الحركة الصهيونية على إقامة ثلاث مستعمراتٍ أخرى، هي:

- “ريشون لتصيون” على أراضي قرية عيون قارة.

- “روش بينا” على أراضي قرية الجاعونة.

- “زخرون يعقوب” على أراضي قرية زمارين.

وفي عام 1891، قدّم عددٌ كبيرٌ من وجهاء القدس مذكرةَ احتجاجٍ إلى الباب العالي في الأستانة يطالبونه بالتدخل لمنع الهجرة اليهودية وتحريم امتلاك اليهود للأراضي الفلسطينية، وفي العام التالي لاحظ أهالي قرية الخضيرة وملبس “بتاح تكفا” تنامي عدد المستوطنات اليهودية في أراضيهم، فقاموا بهجومٍ مسلّحٍ عليها أسفر عن سقوط قتلى من الطرفين، وفي الفترة نفسها ظهرت كتابات يهوديّة في الصحف الأوروبية تحذّر من ثورة عربيّة وشيكة؛ بسبب عمليات الهجرة اليهودية التي بدأ العرب يلتفتون إليها.

ولم تقتصر الأطماع الصهيونية على فلسطين وحدها آنذاك، بل امتدت إلى شرق الأردن كذلك، ويعدّ الهجوم الذي شنّه الأهالي هناك عام 1898 على مستوطنةٍ أقيمت في منطقة جرش أوّل عملٍ عسكريٍّ في الأردن ضد الوجود الصهيوني.

أشكال النضال وأدوات الكفاح الفلسطيني:

وفي السجل النضالي الكفاحي للشعب الفلسطيني منذ ذلك التاريخ، استخدم الشعب الفلسطيني كل أشكال النضال وأدوات الكفاح المتاحة بين يديه وهي:

أوّلًا: النضال المسلّح - منظّمات وفصائل وكتائب وألوية وفرق كان شعارها: دم – حديد- نار- وتحرير كامل فلسطين من البحر إلى النهر.

ثانيًا: النضال الشعبي- اعتصامات - مسيرات - مظاهرات – وصدامات - ومقاطعات اقتصادية.

ثالثًا: النضال السياسي – مؤتمرات عربية وغربية – وعرائض احتجاجية، ونشاطات وفعاليات سياسية هدفها إيصال الرأي والموقف الفلسطيني الى الرأي العام الدولي.

رابعًا: الإعلام، حيث “شهد عام 1900 حملة ضخمة لجمع التوقيعات على عرائض تمنع بيع الأراضي للمهاجرين اليهود. ونشطت وسائل الإعلام العربية في هذه التوعية، فكانت لكتابات الشيخ محمد رشيد رضا (1865-1935) على صفحات جريدة المنار أثرًا كبيرًا، ومن الصحف العربية التي نبهت أيضًا إلى الخطر الصهيوني جريدة الكرمل في حيفا سنة 1909 وشن صاحبها نجيب نصار حملة شعواء على الصهيونية”، وكذلك جريدة فلسطين التي نشر صاحبها عيسى داود العيسى سلسلة مقالات أسهمت في زيادة الوعي الوطني الفلسطيني حول أخطار الهجرة الصهيونية.

مراحل النضال والكفاح الفلسطيني:

خاض الشعب الفلسطيني مراحل من النضال الشامل التي يمكن توزيعها زمانيًّا وتكثيفها بالعناوين التالية:

 *الأولى 1878- 1917، وتميزت ببدايات الوعي واليقظة العربية لخطورة الهجرة والاستيطان الصهيوني، وشهدت العديد من الصدامات ما بين المزارعين الفلاحين العرب والمستوطنين اليهود.

 *الثانية: 1917-1948، أي منذ إطلاق وعد بلفور، وشهدت هذه المرحلة أوسع وأشد الحراكات والثورات والانتفاضات والمسيرات والمظاهرات الفلسطينية، في التصدي لأكبر وأخطر هجمة صهيونية بريطانية على فلسطين، فكانت هناك ثورة العشرين التي عمت كافة المدن الفلسطينية، ثم جاءت المرحلة من 1929ـ-1934: وهي مرحلة النهوض الشعبي للحركة الفلسطينية، حيث شاركت قطاعات وفئات شعبية واسعة في النشاط السياسي الوطني من العمال والفلاحين والطلاب والمثقفين والطبقة الوسطى، وهي مرحلة الصدام المباشر مع بريطانيا وأسباب ذلك: القمع البريطاني لثورة 1929 “البراق” وتجاهل بريطانيا توصيات لجنة شو وسيون وازدياد قوة الحركة الصهيونية وتزايد الهجرة اليهودية الجماعية.

ثم جاءت بعد ذلك مرحلة ثورة 1936 - 1939: وهي سلسلة من أعمال المسلحة لمقاومة الانتداب البريطاني المساند والمؤيد للهجرة اليهودية وإضرابات عامة ومظاهرات شعبية، من ثم مرحلة الحرب العالمية الثانية والأربعينات: وكان النشاط الحزبي سيئًا وضعيفًا؛ إذ ساعدت ظروف الحرب على إضعاف الأحزاب وإخماد الثورات. ثمَّ أخيرًا مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية: أعلنت بريطانيا أنها ستنسحب نهائيًّا من فلسطين بتاريخ 15/5/1948، وأدى ذلك إلى نشوب الاصطدامات بين العرب واليهود وتم تشكيل قوات باسم الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني.

* الثالثة: 1948-1967، وكان الشعب الفلسطيني ومعه الأمة العربية في البدايات في ذروة الصدمة والذهول، ثم سرعان ما جاءت ثورة 23 يوليو التي أحيت الآمال الفلسطينية والعربية في المقاومة والتحرير، وشهدت هذه المرحلة كما هو معروف انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة.

* الرابعة: 1967- الانتفاضة الأولى 1987-1993، وتميزت بالمقاومة المسلحة في الداخل والخارج الفلسطيني، وكانت منظمة التحرير والفصائل والقوى الفلسطينية المختلفة هي التي تقود المقاومة المسلحة ضد الاحتلال.

* الخامسة: 1993- انتفاضة الأقصى 2000، وهي مرحلة الانتفاضة الكبرى الأولى التي أعادت القضية الفلسطينية إلى قمة الأجندات الدولية، واقتحمت كل بيت على وجه الكرة الأرضية، ولكنها ساهمت في ولادة اتفاقية أوسلو السياسية والأمنية وما ترتب عليها من اتفاقيات اقتصادية.

*السادسة: من انتفاضة الأقصى 2000 وحتى 2013، وهي وفق المعطيات الفلسطينية أسوأ المراحل الفلسطينية، حيث بدأت بانتفاضة الأقصى التي حملت عناوين تحرير القدس والاستقلال، وآلت إلى مفاوضات سياسية عقيمة وظفتها دولة الاحتلال كمظلة لها في تعميق وتكريس الاستيطان والتهويد، وتميزت هذه المرحلة بالمواجهة العسكرية غير المتناددة وبالعمليات الاستشهادية، وبالمقاومة المسلحة، غير أن أبرز عناوينها المقاومة الشعبية على امتداد مساحة الضفة الغربية.

 *السابعة: انتفاضة القدس -السكاكين- 2013-2020: فجر الشعب الفلسطيني خلال هذه السنوات ما عرف بانتفاضة القدس أو انتفاضة السكاكين، وكذلك كانت هبة البوابات الالكترونية في القدس، والتي حقق فيها أهل القدس انتصارًا كبيرًا على نتنياهو والاحتلال وأجبروهم على التراجع عن قرار إقامة البوابات الالكترونية على أبواب الحرم القدسي.

الثامنة: انتفاضة القدس والأقصى والشيخ جراح وسلوان 2021 -2023: وتوجت هذه الانتفاضة الكبيرة بظهور كتيبة جنين وعرين الأسود وتصاعد العمليات المسلحة المؤلمة للاحتلال، وخاصة ظاهرة الاشتباك من نقطة الصفر، هذه الاشتباكات المستمرة حتى كتابة هذه السطور والتي تتميز بروحية بطولية عالية جدًا، استطاعت أن تستقطب الشارع الفلسطيني على نطاق واسع، غير أن هذه المرحلة تعتبر في تاريخ القضية الفلسطينية من أصعب وأسوأ المراحل، وذلك بسبب الأحوال العربية التي تشهد دمارًا وخرابًا وانهيارًا في الأمن القومي العربي وفي الروحية العروبية لدى ما يعرف بـ"الأعراب" لا مثيل له في التاريخ العربي، وخاصة على مستوى التطبيع الخياني مع العدو الذي يعتبر أخطر ما يواجه القضية الفلسطينية.

لنتوقف في الخلاصة الاستراتيجية، لنوثق: أنّنا أمام صراعٍ وجوديٍّ جذريٍّ استراتيجيٍّ منذ بداياته الأولى، لا سبيل للتعايش والتطبيع أو التسوية السياسية فيه، وسيبقى هذا الصراع مفتوحًا على أوسع نطاق، ولن يحلّ أبدًا، إلا بتحقيق أمنيات وتطلعات الشعب الفلسطيني في التحرير والعودة والخلاص.