الحرس الوطني الصهيوني: مليشيا مسلّحةٌ غامضةٌ في خدمة بن غفير

حجم الخط

مقابلَ سحب اعتراضه على بيان بنيامين نتنياهو بوقف التشريع الإصلاحي مدّةَ شهر؛ حصل زعيم حزب عوتسما يهوديت، على درة تاج مطالبه، كما يبدو؛ إذ نصّت الصفقةُ على سحب الاعتراض مقابلَ أن يحصل على الضوء الأخضر للمضي قدمًا في تشكيل ما يسمّى "الحرس الوطني" الذي يتبع الوزير مباشرة، وليس واضحًا مدى علاقاته بالشرطة الصهيونيّة، غيرَ أنّه من المؤكّد أنّه جسمٌ جديدٌ بمهمّاتٍ مقتطعةٍ من الجيش والشرطة، وهي المهمات التي كان يتولاها "حرس الحدود" ولكن هذه المرة بشكلٍ موسع.

لا يزال الوضع التنظيمي والارتباط، غامضًا بالنسبة لهذا التشكيل الجديد الذي يتخذ شكل عصابةٍ يقودها قاطعُ طريقٍ برتبة وزير، وإذا كان التنظيم غامضًا فالمهمّاتُ واضحة؛ إنّها تفعيل القمع الوحشي بما يتجاوز قوانين الشرطة الصهيونية نفسها ضد الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، وفي المدن المختلطة في الداخل المحتل؛ إذ إنّه من جهة يعيد تشكيل حدود الديمقراطية "الإسرائيلية" وحق التظاهر والاعتراض والتعبير القومي، لليهود فقط، بإخراج عرب الداخل من هذه المعادلة، وجعلهم يعيشون في ظلّ أجواءٍ تشبه أيام الحكم العسكري، ومن جهةٍ أخرى يتخذ الإجراء بعدًا خطيرًا بتشكيل قوّةٍ مسلّحةٍ تحت قيادة جهةٍ سياسيّةٍ غير مهنية، ما يعني أن هذه القوة المسلّحة ليست أكثر من تشكيلٍ عصابي.

وكان فكرة "الحرس الوطني" هذه قد اختمرت، وبدأت في البروز أثناء وفي أعقاب أحداث أيار 2021، (سيف القدس - حارس الجدران بالتسمية الصهيونية) التي شهدت هبّةً جماهيريّةً فلسطينيّةً واسعةَ النطاق في الداخل، تكاملًا مع أحداث القدس والعدوان على غزة، وفي ذلك الوقت خرجت العديد من الأصوات الصهيوينة على خلفية اتهام الشرطة بالعجز والتقصير وقلّة الإمكانات، تطالب بتشكيلٍ جديدٍ قادرٍ على القيام بالمهمة حتى في الداخل، والتحرّك السريع، وكانت أوّل بروفة لهذا هي جلب حرس الحدود وعصابات المستوطنين إلى مدينة اللد لقمع الانتفاض الفلسطيني.

الوثيقة التي نشرها حزب "عوتسما يهوديت" الذي يتزعّمه بن غفير تنصُّ على "تنفيذ التعديلات على التشريع المطلوب لتأسيس الحرس"، مع تعهد نتنياهو وبن غفير بتأسيسه. وسط تساؤلات حول إمكانية تسيّس قوّة شرطة أخرى في الكيان قبل أن تتضح طبيعة هذه القوّة.

من حيث التشكّل التنظيمي، يوجد بالفعل ما يسمّى (الحرس الوطني) في الكيان الصهيوني، ولكن تحت قيادة الشرطة بقيادة نائب المشرف نير إلياهو، وهو ضابطٌ كبيرٌ في حرس الحدود، ولكن ما يتحدث عنه بن غفير وعصابته شيء آخر تمامًا.

مبدئيًّا يمكن القول: إن "الحرس الوطني" هيئةٌ أمنيّةٌ مكوّنةٌ من حرس الحدود عمودًا أساسيًّا فيها، من حيث هي قوة بوليسية - عسكرية يمكن تفعيلها بقوّة لمكافحة "أعمال عنف" داخلية في مواقع عدّة في البلاد، وهو ما يشير إلى الفلسطينيين في الداخل واستهدافهم المباشر بعد أحداث أيار 2021، ومن مهامّها حراسة المفارق والمحاور المركزية، وتأمين الأماكن المفتوحة، ومساعدة القوى الأمنيّة النظاميّة داخل المدن المختلطة كما ذكرنا.

يمكن اعتبار هذا القرار، القرار الثاني في سياق التعديلات القضائيّة (وإن لم يرتبط بها تنظيميًّا) الذي يستهدف الفلسطينيين بشكلٍ مباشر، ما يعني أن الشعب الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر هو من سيدفع ثمن المفاوضات والمزاودات السياسية وبازار السياسة الصهيونية. حيث قبل فترةٍ قصيرة، تم تقديم الهدية الكبرى الأولى للمستوطنين عبر إلغاء قانون فكّ الارتباط، ما يعني السماح للصهاينة بالعودة للاستيطان في شمال الضفة (بمعزل عن الإمكانية الواقعيّة لهذا الأمر، ثمَّ يأتي قانون (حرس الحدود) الذي يصفه معلقون فلسطينيون وحتى "إسرائيليون" إنّه ليس سوى تشكيلٍ عصابيٍّ مسلّحٍ يخضع لتعليمات وزيرٍ مدانٍ بالإرهاب، ولا يتورّع عن الحرق والقتل والتفجير (حتى شخصيًّا كما ضبط سابقًا).

بينما الموقف للفلسطينيين واضحًا في استهدافهم بهذا القرار، فإنه أيضًا أقلق بعض أطراف المعارضة الصهيونية، حيث سارع قادة المعارضة لاتهام نتنياهو ببيع الأمن الداخلي، مقابل بقائه في السلطة، وقالوا إنه من المحظور تشكيلُ كتائبَ مسلحةٍ تحت غطاء القانون. وعن ذلك قال بن غفير نفسه إنه وافقَ على إزالة رفضه لتعليق التشريعات القضائية، مقابل التزام رئيس الحكومة نتنياهو بطرحها مجدّدًا للمصادقة عليها، كما هي نصًّا وروحًا، بالقراءة الأخيرة في الدورة القادمة للكنيست، بحال لم تتحقّق تسويةٌ حولها مع المعارضة، خلال عطلة الربيع البرلمانيّة. وهو ما يبين حجم الابتزاز الذي يخضعُ له نتنياهو من جهة، واتّساع الفجوة والأزمة داخل كيان العدو، ما ينبئ بأنّها ستعود للاشتعال مجدّدًا.

وفي ردود الفعل، وصف معارضون القرار بأنه تشكيلُ جيشٍ خاص " لبن غفير، في وقت يقيل فيه نتنياهو وزير الحرب وسَط تهديداتٍ أمنيّةٍ شديدة، بينما وصفها آخرون بأنها تهديدٌ خطيرٌ للديمقراطية، لايقل خطرها عن التشريعات الإصلاحيّة، مطالبين الشاباك (جهاز الأمن الداخلي) بالتدخل لوقف المهزلة.

وربما يكون المفتش السابق للشرطة الصهيونية موشيه كرادي، قد عبّر بشكلٍ دقيقٍ عن الغاية من تشكيل هذه القوّة في مؤتمرٍ صحفيٍّ جمعه مع قادةٍ بارزين سابقين في المؤسسة الأمنية، حيث قال إن وزير الأمن الداخلي "لا يفعل شيئًا سوى ملاحقة الفلسطينيين وحرمانهم من الرغيف". كما أدانت الحركة من أجل جودة الحكم القرار الذي يعني تشكيل قوّةٍ عسكريّةٍ تخضعُ لأمر جهةٍ سياسيّة، بينما يجب أن يكون "في النظام الديمقراطي هناك جيشٌ واحدٌ وشرطةٌ واحدة، وولاؤهما لسلطة القانون فحسب وليس لقائدٍ سياسيّ".

وبينما تعرض بن غفير لاتهاماتٍ حول موقفه وسماحه بتمرير وقف التشريعات، وبأنه باع اليمين، فقد ردَّ على هذا في تغريدة، إن “التشريعات ستمرّ، والحرس الوطني سيُقام، والميزانية التي طالبتُ فيها لوزارة الأمن سيصادَق عليها بالكامل، ولن يخيفنا أحد، ولا أحد سينجح في التغلّب على الشعب”.

يذكر أن “الليكود” وَعَدَ بن غفير في مفاوضات الائتلاف بإقامة "الحرس الوطني"، وتم تضمين ميزانيته ضمن موازنة الدولة الجديدة، لكن الوعد بقي معلّقًا، وحسب اتفاق الأمس سيطرح موضوع هذه الكتائب المسلحة في أول اجتماعٍ قريبٍ للحكومة.

نقاش صهيوني حول الحرس:

السؤالُ الذي يطرح الآن صهيونيًّا، في المستوى المهنيّ والسياسيّ، هو عن طبيعة هذا الحرس، هل سيأخذ قوّته من الشرطة، أم سيشكّل قوّةً جديدة، موازيةً أم مكملة؟

في ردٍّ على هذه الأسئلة قال مصدرٌ في الشرطة الصهيونية للصحافة "لم نجر مناقشة بعد، لا نعرف. رأيناها بالأمس تمامًا مثل أي شخصٍ آخر في وسائل الإعلام"، وأضاف "أعتقد أنّه في الأيام القادمة سيتم تحديد موعد مناقشة بين الوزير والمفوض وقائد الحرس الوطني، وعندها سنعرف لكن في الوقت الحالي، ليس لدينا أي فكرةٍ عما إذا كان سيقول إنه تحت قيادة المفوض. تحت قيادة قائد الحرس الوطني .. لا نعرف شيئًا برأيي عن وزارة الأمن الوطني كما أنهم لا يعرفون حتى الآن ".

ويعتقد مسؤولٌ آخر في الشرطة الصهيونية أن "ما يريد بن غفير فعله هو إنشاء شيء منفصل، وليس لأخذ القوة الحالية من الشرطة، ولكن لإنشاء شيءٍ جديد" هذان شيئانِ مختلفان. حاليًّا قوّة الحرس الوطني من حرس الحدود، وبمجرّد إنشاء حرسٍ وطنيٍّ جديد، فإنّ هذه القوّة ستعود إلى حرس الحدود، ويتم استدعاؤهم باسمٍ مختلف. لقد أخذوا أشخاصًا من مواقعَ مختلفةٍ من وحدات النخبة في حرس الحدود".

وقال مصدر الشرطة الصهيونية إنّ القرار "لايغضب الشرطة لأنه ليس واضحًا" و"إذا كان سيؤسس، يجند ويحضر - إذًا دعه لا يخضع للشرطة. لم نسمع بعد ما هو المشروع. أوّلًا سنرى ما هو المشروع، وبعد ذلك سنرى ما إذا كان سيثير غضبنا. بالمناسبة، في العالم كله هناك شرطتان".

بالنسبة للمقربين من بن غفير فهم يزعمون أن هذا نموذج مختلف عن النموذج الموجود في الشرطة "هذا نموذجٌ لحرسٍ وطنيٍّ تابعٍ لوزارة الأمن الوطني. أهداف الحرس هي محاربة الحمائية وعائلات الجريمة والجرائم الخطيرة والجرائم الزراعيّة"، ويضيف مسؤولٌ مقرّبٌ من الوزير ردًّا على انتقاداتٍ للشرطة: "حاولت العمل مع الشرطة، تحدث الوزير مع المفوض 15 ذات مرة ولم يحدث شيء ".

وقال أيضًا إن هناك بالفعل 1825 مقاتلًا في الحرس، وهناك ميزانيةٌ تزيد عن مليار شيقل" وسيتم طرح الموضوع على الوزراء في اجتماع الأحد القادم. وزعم مساعدو بن غفير أن الوحدة الجديدة ليست تابعةً لبن غفير بل للوزارة، (وزارة الأمن الوطني التي فصّلت أساسًا على مقاس بن غفير)على غرار وحداتٍ أخرى، مثل هيئة حماية الشهود وغيرها، متجاهلًا أن تلك الهيئات تقوم بعملٍ قضائيّ، وليس القمع في الشوارع.

الإطار القانوني وأسئلة السلطوية:

قال البروفيسور أميشاي كوهين، الخبير في القانون والأمن القومي من "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" و"المجلس الأكاديمي للأمم المتّحدة": "سؤالان محوريان يتعلّقان بالتنظيم القانوني قد يثيران سؤالًا دستوريًّا. السؤال الأوّل هو مسألة السلطة؛ ما الصلاحيات التي ستُمنح لأعضاء الحرس الوطني هؤلاء؟ .. كيف تنشئ قوة شرطةٍ إضافيّة في دولة "إسرائيل"؟ هذا غير واضح". و"السؤال الدستوري الثاني هو مسألة التبعية: هل هذا إطارٌ خاضعٌ لإطار عمل الشرطة الحالي؟ لقواعده وطريقة إدارته وكل ما يستتبعه؟ الشرطة، قريبًا مما كان عليه الحرس المدني، كان أقلّ إشكالية. كلما جعلت منه إطارًا منفصلًا تمامًا خضع مباشرة لوزيرٍ يتمتعُ بقدراتٍ وصلاحيات - الأمر أكثر إشكالية ". ويضيف شكلي"على سبيل المثال حدود ممارسة وزيرٍ لسلطة الشرطة ضدّ المواطنين؟ هذا سؤالٌ كبير، يجب إيجاد حلٍّ دستوريٍّ له. حتى الآن، كانت دولة إسرائيل حريصةً جدًّا على منح الوزراء صلاحيات وفاعلية قوات المراقبة والشرطة. هاتان علامتا التحذير الرئيسيتان اللتان أراهما ".

وأضاف الخبير القانوني إن خضوع القوّة العسكريّة كليًّا لوزير الدفاع أمرٌ عاديّ، وهذا ما يجب أن يكون من خضوع الجيش للمستوى السياسي، ولكن الإشكال يبرز عندما يتعلّق الأمرُ بقوّات الشرطة مع سلطات على المدنيين - الأمر مختلفٌ تمامًا عن مسألة الجيش. لأنّ هناك قلقًا من أن سياسيًّا، من أي حزب، وليس بالضرورة بن غفير – "على الرغم من أنه أثبت أن لديه ميلًا معيّنًا لاستخدام سلطاته، ربّما بما يتجاوز التعلّم – قد يستخدمها ضدّ منافسيه السياسيّين ولصالح أنصاره".