عن دولة (غزة وسيناء) في إطار البحث عن حلول تصفوية للقضية الفلسطينية

حجم الخط

صحراء سيناء كبؤرة توتر للإرهاب التكفيري في المنطقة تضج مضاجع النظام السياسي المصري تقفز بين فترة وأخرى إلى واجهة الإعلام العربي والدولي، بسبب ما نقل في عهد الرئيس الأمريكي المتصهين ترامب أن الدولة الفلسطينية الممكن إقامتها هي في قطاع غزة وجزء من صحراء سيناء، أما ما يتبقى من فلسطين التاريخية وهي أراضي 48 المغتصبة والضفة الغربية المحتلة، فهي دولة إسرائيل اليهودية. هكذا بكل بساطة يأتي هذا الحل التصفوي الأمريكي كما تريده الرواية اليهودية وكما يخدم المصالح الأمريكية الإمبريالية وحدها دون غيرها من القوى السياسية الدولية.

حل تصفوي رخيص، بخلاف ما يسمى مشروع حل الدولتين الذي أعادت الاعتبار إليه واشنطن في عهد الرئيس الحالي بايدن، ولكن يشكل لفظي دون ممارسة أي ضغوطات على الكيان الصهيوني لتحقيقه.

حل تسووي تصفوي توراتي تقوم بالعمل اليومي على الوصول إليه حكومة نتنياهو اليمينية الفاشية المتطرفة الحالية، التي تمارس القمع على المصلين والمعتكفين في المسجد الأقصى وفي هذا شهر رمضان المبارك.

حل قائم على تجاهل كامل لحقائق التاريخ والجغرافيا وللموروث الثقافي الحضاري والديني واستخفاف أيضًا بالعقلية السياسية العربية. 

سيناء المرتبطة بواقعة ما يسمى بالتيه اليهودي هي فلسطين الجديدة، لكنها مفرغة من تاريخها الحضاري.. أما عن الخلفية السياسية التاريخية لهذا الحل التصفوي، فإنه ليس جديدًا أن تصبح سيناء المصرية  جزءًا متعلقًا بتأمين وطنًا قوميًا لليهود التي ضاقت بهم الأحوال في أوروبا، بما عرف  وقتها بالمسألة اليهودية وحل هذه المسألة الدينية الاجتماعية، التي أرّقت الدول القومية البرجوازية الناشئة بعد اندحار عصر الإقطاع السياسي هو  التخلص من الجيتو اليهودي، أي حارة اليهود المنغلقة على ذاتها بسياج تعاليم التوراة وأدعية التلمود. ففي البحث عن مكان للدولة اليهودية تُحقق فيها البرجوازية اليهودية طموحها القومي كما حصل للطبقات البرجوازية الأوروبية وحتى  تصبح القارة الأوروبية نقية خالصة، لهيمنة المسيحية الغربية وتخلص اليهود أنفسهم من نظرة الازدراء الأوروبي الذي وصل إلى حد الاضطهاد النازي وضعت الحركة الصهيونية العالمية في المؤتمر الأول الذي عقد في بازل بسويسرا صحراء سيناء كمكان لإقامة الدولة اليهودية، ضمن أماكن أخري تم اختيارها، وقد خرجت بالفعل بعثة لمعاينة المكان ولكن لعدم توفر الماء تم الاقلاع عن الفكرة، رغم القداسة التي توليها الديانة اليهودية لأماكن في سيناء.

سيناء المصرية بعد قيام الكيان الصهيوني عام 48 لم تخسر مكانتها الاستراتيجية فيما يتعلق  بالبحث عن حلول  للقضية الفلسطينية كوطن بديل للشتات الفلسطيني، كما هو الحال مع الأردن،  فهي من الناحية الجغرافية الجزء الجنوبي الغربي من القارة الآسيوية، كامتداد لصحراء النقب الفلسطينية، وذلك خلافًا ل مصر الإفريقية، وهي كذلك من الناحية الاجتماعية تربطها بدقة أواصر الانتماء القبلي مع قبائل فلسطين وشرق الأردن، ولم تشعر قبائل البدو فيها في أي يوم من الأيام  بأنها جزء من النسيج الاجتماعي الحضاري المصري في الوادي الذي يضم  الدلتا والصعيد، وبذلك ظلت دائمًا تتلمس الحاجة إلى التعبير عن شخصيتها القبلية البدوية، الأمر الذي جعلها في النهاية   تشكل بيئة خصبة لنمو الإرهاب، مما زاد من أزمة الثقة القائمة أصلًا بين أجهزة الدولة الأمنية  سكانها ومنهم القبائل البدوية الذين كان ينظر إليهم دائمًا بحساسية أمنية مطلقة... بفعل هذه العوامل المتداخلة، ظلت سيناء ينظر إليها من قبل المخططات الاستعمارية والصهيونية على أنها   الوعاء الكبير الفارغ الذي يمكن استقبال اللاجئين الفلسطينيين بعد النكبة. وعلى الرغم من فشل مشروع التوطين في عام 1955، بسبب المعارضة الشعبية الشديدة التي قادتها الأحزاب السياسية خاصة القومية واليسارية (الشيوعيون)، إلا أنها ظلت تتمحور حولها أفكار متعلقة بمشاريع التسوية السياسية، وهكذا لم يأت الحديث بين فترة وأخرى عن مخطط دولة غزة وسيناء من فراغ، وذلك كتسوية عربية إسرائيلية على أساس إقليمي بعيدة عن حقوق وأهداف وطموحات الشعب الفلسطيني في الحرية والعودة وتقرير المصير.