الكيان الإسرائيلي ومراهنته على آخر حروبه في المنطقة

حجم الخط

«إذا كنت ترغب بتحقيق السلام فعليك الاستعداد لشن الحرب»، هذا المثل اللاتيني القديم ما زال صالحاً من وجهة نظر «مركز جروزليم للشؤون الاستراتيجية والأمنية» الإسرائيلي، ففي دراسة نشرها في 17 نيسان الماضي على شكل ورقة عمل بعث بها لأصحاب القرار السياسي في الكيان الإسرائيلي، دعا المركز حكومة بنيامين نتنياهو إلى «اليقظة وضرورة الاستعداد للحرب»، وحدد في تحليله للوضع الراهن الإسرائيلي مواطن الضعف التي يتعين على الحكومة التخلص منها وفي مقدمها «الأزمة الداخلية التي ولدها النزاع الحاد بين الحكومة وأحزاب المعارضة على موضوع الإصلاح القضائي ودور المحكمة العليا لأنها تسببت بأضرار هائلة للدولة في المجال السياسي وباهتزاز في انسجام العلاقات الأميركية – الإسرائيلية وبتراجع في الثقة العالمية باقتصاد إسرائيل بعد الصراع الذي دار بين الأحزاب وبلغ درجة غير مسبوقة باستخدام الجيش أداة في الصراع السياسي وبعد تزايد تهديد الجنود والضباط علناً برفض الخدمة في الجيش».

يضيف البحث أن هذا الوضع «جعل إسرائيل تظهر من الخارج بصورة مجتمع متمزق يسير نحو تآكل قدرته على العمل والإنجاز وتتعرض قدرته العسكرية للضعف والانقسام خصوصاً بالمقارنة مع وضع أعدائها الذين تمكنوا من تجاوز أزماتهم الداخلية والمرتبطة بعلاقاتهم وأصبحوا يتجهون نحو إعادة بناء هذه القدرات ويأملون بتصاعد الأزمة الداخلية الإسرائيلية».

تشير ورقة العمل هذه إلى «التطورات الأخيرة للانفتاح الذي شهدته العلاقات بين الرياض وطهران من جهة، وبين الرياض ودمشق من الجهة الأخرى، واتساع دورهما، وللرعاية الصينية الطامحة إلى تعبئة الفراغ الذي تولد عن تراجع الدور الأميركي في المنطقة».

في النهاية تحذر الورقة من الخطر الذي تجد إسرائيل نفسها فيه وتطالبها «بالاستعداد للحرب من أجل إيقاف عجلة الأخطار المتوقعة من هذا الوضع الذي لا يسر الولايات المتحدة ولا إسرائيل».

الحقيقة البادية للعيان أن مسيرة التطورات التي شهدها الصراع العربي – الصهيوني في العقود الماضية ومنذ اتفاقية كامب ديفيد وما تبعها من اتفاقات أخرى في أوسلو، لم تتح للكيان الإسرائيلي تحقيق خططه بل تولد عنها انتقال مركز الثقل الرئيس إلى جبهة الداخل الفلسطيني المحتل والقوى الداعمة للمقاومة الفلسطينية في جبهة الشمال الممتدة من جنوب لبنان حتى حدود الجولان وقاعدتها الظهير في بغداد وطهران، ولذلك لم يوفر الكيان الإسرائيلي كل أشكال العدوان المتتابعة على هذه الجبهات منذ ثمانينيات القرن الماضي وخاصة حكومة بنيامين نتنياهو التي استماتت للتخلص من هذا الوضع طوال 14عاماً منذ توليه رئاسة الحكومة عام 2009 ولكنه لم ينجح في تحقيق أهدافه لتمزيق العلاقات بين دول المنطقة وخاصة حين عمل على خلق علاقات عدائية بين السعودية وبقية دول الخليج وطهران، ففاجأته قبل أسابيع تطورات لم يتوقعها هو والرئيس الأميركي جو بايدن بانفراج العلاقات بين كل دول المنطقة وبتزايد كل أشكال العداء ضد الكيان الإسرائيلي، وفتحت دول المنطقة أبوابها لعلاقات تضامن متسارعة مع سورية وإيران لتشكل سداً أمام نجاح أي خطط توسعية إسرائيلية ضد العالم العربي والإسلامي، ولذلك لم يجد «مركز أبحاث جروزاليم» الإسرائيلي حلاً لهذه الهزائم الإسرائيلية إلا بدعوة حكومته للاستعداد لشن الحرب وقلب أوضاع المنطقة والعودة إلى مراهنته على تمزيق علاقات الأخوة بين مختلف دول المنطقة وهو الهدف الدائم في جدول عمل كل حكومات الكيان الإسرائيلي.

على جبهة الداخل في الأراضي المحتلة بالذات يواجه جيش الاحتلال والمستوطنون سبعة ملايين من الفلسطينيين المتحدين في جبهة واحدة لم يتمكن منذ نكبة عام 1948 واحتلال بقية فلسطين عام 1967 من محو وجودها والتخلص من استحقاقاتها الوجودية على مستقبل احتلاله وعلى استمرار بقائه وأصبحت أي حرب شاملة يراد منه الاستعداد لها قابلة للتحول إلى آخر حروبه في هذه المنطقة.