مسلسل الحجيج الأمريكي إلى الرياض لفرملة مفاعيل الاتفاق السعودي – الإيراني

حجم الخط

بعد أن وقعت كل من السعودية وإيران، اتفاق المصالحة بينهما، في بكين في مارس (آذار) الماضي برعاية صينية، والذي نص على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وعلى إعادة تفعيل اتفاقية للتعاون الأمني تعود لعام 2001 وما تضمنته من تعاون في مكافحة المخدرات والتهريب والجريمة المنظمة بالإضافة إلى اتفاقية أخرى سابقة للتجارة والاقتصاد والاستثمار، فقدت كل من حكومة العدو الصهيوني والإدارة الأمريكية صوابهما ووقع الاتفاق على رأسهما وقع الصاعقة، خاصةً أنهما فوجئا بهذا اللقاء غير المتوقع خاصةً وأن أجهزتهما الاستخبارية، لم تتمكن من الحصول على أي مؤشر أو معلومة حول اللقاء السعودي- الإيراني في بكين، رغم أن الاستقبال الحافل الذي حظي به الريس الصيني شي جين بينغ، الذي أسفر عن عديد من الاتفاقيات ذات المنحى الاستراتيجي كان يشي، بأن شيئا ما قد يحدث ويقلب كل التوقعات والخطط الصهيو أميركية رأساً على عقب.

بعد هذا الاتفاق راحت الإدارة الأمريكية، ترسل بمبعوثيها الواحد تلو الآخر في موسم حجيج غير مسبوق إلى الرياض، بهدف إفشاله أو أفشال مخرجاته التي تتصل بالعديد من الملفات مثل ملف الحرب على اليمن، والملف السوري، وملف التطبيع الإبراهيمي مع العديد من الدول العربية، وملف علاقات السعودية المتنامية مع كل الصين وروسيا على حساب الولايات المتحدة، خاصةً بعد أن باتت كل من روسيا والسعودية، تعزفان على وتر الحد من إنتاج النفط في إطار "أوبك بلس"، ما أربك واشنطن التي رأت فيه دعماً للاقتصاد الروسي، الذي راهنت دول الغرب الرأسمالية على تحطيمه، بفعل العقوبات غير المسبوقة على روسيا بعد العملية العسكرية الروسية الخاصة في 24 فبراير (شباط) 2002.

مسلسل الزيارات الأمريكية إلى الرياض

لقد بدأ مسلسل الزيارات الأمريكية للعاصمة السعودية في السياق الزمني على النحو التالي:

1-زيارة " وليام بيرنز" مدير المخابرات المركزية الأمريكية في السادس من شهر نيسان (أبريل) الماضي، بذريعة تعزيز التعاون الأمني، لكن الهدف الحقيقي من الزيارة وفق صحيفة "وول ستريت جورنال" كان للإعراب عن إحباط الولايات المتحدة وصدمتها من تقارب السعودية مع إيران وسورية، بعد توقيع الاتفاق السعودي الإيراني في العاصمة الصينية بكين، وكون التقارب تم مع دولتين لا تزالا تخضعان لعقوبات شديدة من قِبل الغرب، تم تحت رعاية المنافسين العالميين لواشنطن"... "وأن هذا التقارب يلحق أكبر الضرر بالعقوبات الاقتصادية الأمريكية والغربية ضد إيران وسورية".

ولفت نظر المراقبين تصريح وزير المالية السعودي محمد الجدعان خلال مؤتمر القطاع المالي في الرياض، في الخامس عشر من أبريل (نيسان) الماضي "إن الاستثمارات السعودية قد تدخل إيران سريعا جدا، بعد اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية، وهناك فرص كثيرة للاستثمارات السعودية في إيران، ولا نرى عوائق ما دام سيتم احترام شروط أي اتفاق".

2- لقاء ولي العهد السعودي مع عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية كارولينا الجنوبية، السيناتور "ليندسي غراهام" في جدة في 11 نيسان (أبريل) الماضي بحضور القائمة بأعمال السفارة الأميركية لدى المملكة، مارتينا سترونغ، ومساعد السيناتور ليندسي السيد آرون ستركيلاند، بشأن علاقات الصداقة بين البلدين، وعدد من المسائل ذات الاهتمام المشترك "والتي لا تخرج في نظر المراقبين عن مسألة الاتفاق السعودي- الإيراني وتداعياته.

يذكر أن السيناتور ليندسي غراهام، تعهد في 27 نوفمبر (تشرين ثاني) 2018 بمعاقبة بن سلمان في أربع قضايا، من ضمنها وعلى رأسها قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وقال في حينه "بأنه سيعمل لفرض عقوبات على ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إذا ما أقرت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، بأنه هو من أعطى تعليمات قتل خاشقجي.

3- وبعد زيارة مدير المخابرات الأمريكية للرياض، قام مستشار الأمن القومي الأمريكي "جيك سوليفان" بزيارة الرياض في 12 نيسان (ابريل) الماضي بذريعة الحديث مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حول الجهود الدبلوماسية الجارية لإنهاء الحرب في اليمن والترحيب بما سمّاه "جهود السعودية الاستثنائية، لمتابعة خارطة طريق أكثر شمولاً لإنهاء الحرب"، و"عرض دعم الولايات المتحدة الكامل لهذه الجهود".

لكن جوهر الزيارة تمثل في سعيه لإفشال الاتفاق السعودي الإيراني، حين أكد سوليفان لولي العهد السعودي، ضرورة الحفاظ على الردع ضد تهديدات إيران وأماكن أخرى" مجدداً التشديد على التزام الرئيس الأميركي جو بايدن الثابت، "بضمان عدم تمكّن إيران أبداً من الحصول على سلاح نووي".

4- زيارة مستشار الأمن القومي جيك سوليفان مجدداً للسعودية ،والتقائه بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ومستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، ومستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال في 7 أيار/ مايو الجاري، لتعزيز رؤيتهم المشتركة بشأن شرق أوسط أكثر أمنا ، وازدهارا ، وترابطا مع الهند والعالم".
وكان "جيك سوليفان" قد صرح عشية زيارته الجديدة للسعودية، بأن زيارته تستهدف بحث تطبيع العلاقات بين السعودية و( إسرائيل) وإصلاح الضرر الذي حصل في العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، بسبب تخفيضات إنتاج النفط التي تطبقها مجموعة أوبك+ بقيادة السعودية، والخلافات بين البلدين بشأن قضية مقتل جمال خاشقجي، الكاتب الصحفي في صحيفة واشنطن بوست في 2018، دون أن يأتي على ذكر الاتفاق السعودي – الإيراني الذي يشكل السبب الرئيسي للزيارة.

الأهداف الرئيسية من زيارات المسؤولين الأمريكان للرياض

الجولات الأمريكية باتجاه الرياض، تستهدف في المرحلة الأولى ما يلي:

أولاً: فرملة نتائج الاتفاق السعودي الإيراني، بحيث لا يؤثر هذا الاتفاق بالسلب على الموقف السعودي – الأميركي من النظام في سورية، ومن حكومة صنعاء بقيادة "حركة أنصار الله"، ومن قضية تطبيع الدول العربية مع ( إسرائيل)، والعمل على حصر نتائج الاتفاق في العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، حيث لم يتوقف المسؤولون الأمريكيون في زياراتهم المتكررة للسعودية، عن الحديث عن الخطر الإيراني، وعن ضرورة تطوير العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، في شقها الأمني والعسكري وإعادة الاعتبار للعلاقات الاستراتيجية بينهما إلى سابق عهدها، وكان الناطق باسم البيت الأبيض الأميركي قال، في تصريح غداة زيارة مدير المخابرات الأمريكية إلى الرياض "لا نتفق مع السعودية في كل الأمور، لكننا لا نزال شركاء".

ثانياً: إفشال أي اتفاق بين السعودية وصنعاء لإنهاء الحرب في اليمن. الاتفاق السعودي -الإيراني، شكل عامل دعم للوساطة العمانية لإنهاء الحرب في اليمن بعد نجاح أكثر من هدنة بين الطرفين، بدأت بشائره تطل عبر عملية أكبر تبادل للأسرى بين الرياض وصنعاء، بعد زيارة الوسيط العماني والسفير السعودي في اليمن للعاصمة صنعاء، والذي طرحت فيه الحكومة اليمنية شروطها لإنهاء الحرب مع اليمن – من وضعية المقتدر عسكرياً- ممثلة ً بوقف الحصار وفتح مطار صنعاء، ودفع رواتب الموظفين، كمقدمة للتفاوض على أرضية الحفاظ على وحدة اليمن وسيادته واستقلاله.

وبعيداً عن اللغة الدبلوماسية التي يتشدق بها الأمريكان حول دعم حل لوقف الحرب في اليمن، فإن الإدارة الأمريكية تسعى لإطلالة الحرب على اليمن، بغية تحقيق أهدافها الاستراتيجية اليائسة في تركيع اليمن ممثلةً بما يلي:

1- السيطرة على البحر الأحمر وتحويله إلى بحيرة اسرائيلية أمريكية، نظراً لأهميته الاستراتيجية كونه المعبر الرئيسي لناقلات النفط للدول الغربية، ولإفشال أية محاولات روسية أو صينية لإقامة قواعد لها على الساحل الغربي للبحر الأحمر.

2- السيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي، في مواجهة سيطرة إيران على مضيق هرمز الفاصل بين الخليج وبحر العرب، وإقامة قواعد عسكرية أمريكية وإسرائيلية في الجزر القريبة من المضيق كجزيرة سومطرة وغيرها للتحكم في طرق الملاحة البحرية.

3- ضمان الوجود الاستراتيجي الأمريكي في أجزاء من اليمن ومحيطه، حيث كشف قائد حركة أنصار الله، السيد عبد الملك الحوثي مؤخراً، عن إنشاء واشنطن قواعد عسكريةً في محافظتي حضرموت والمهرة شرق اليمن، ومحطة للأسطول الأمريكي الخامس.

وحسب مدير مكتب الميادين في واشنطن "منذر سليمان"، فإن جزءاً من القوات الأمريكية التي انسحبت من أفغانستان وعتادها، تمركز في قاعدة العند في جنوب اليمن، بالإضافة الى قاعدة العديد في قطر ، وأن محافظة المهرة باتت تخضع لحضور أمريكي بالإضافة للحضور السعودي الرئيسي، حيث تشكل المحافظة مصلحة نفطية سعودية وأمريكية، ناهيك أنها تمثل المنفَذ لأنابيب النفط التي تحاول تشغيلها السعودية في المرحلة القادمة.

كما أن جغرافية اليمن - وفق العديد من الخبراء العسكريين ومن ضمنهم "شارل أبو نادر - قد تكون الأهم في الشرق الأوسط، وربّما في منطقة غرب آسيا تقريباً، كونها تمتلك واجهة كبيرة على البحر الأحمر، ولها وجهة كبيرة على خليج عمان وبحر العرب وامتداداً الى مناطق الخليج، وأيضاً إلى شمال المحيط الهندي، وهو ما تحتاجه أميركا لبناء قواعد عسكرية، وبناء نقاط ارتكاز في عدّة أهداف.

4- الاستمرار في سرقة كميات كبيرة من النفط من حقول النفط في محافظة حضرموت على النحو الذي تسرق فيه القوات الأمريكية من حقول النفط من شرق سورية، وقد نجحت القوات اليمنية من وقفها نسبياً عبر توجيه إنذارات لناقلات النفط عبر مسيراتها التي أطلقت قذائف تحذيرية باتجاهها.

ثالثاً: إفشال عودة سورية إلى الجامعة العربية. لقد سعت الإدارة الأمريكية إلى إفشال عودة سورية إلى الجامعة العربية، لكنها فشلت فشلاّ ذريعا، إذ أنه بعد زيارة وزير الخارجية السعودية إلى دمشق، وزيارة وزير الخارجية السوري إلى الرياض، وبعد مسلسل الزيارات المتبادلة بين عدد من وزراء الخارجية العرب ووزير الخارجية السورية، جاء قرار الجامعة العربية( أولاً) بإلغاء تجميد عضوية سورية في الجامعة، وعودتها إلى الجامعة وإلى كافة اللجان والهيئات المتفرعة عنها رغم تحفظات كل من قطر والمغرب و الكويت ، وجاء قرار الرياض (ثانياً) بتوجيه الدعوة للرئيس السوري د. بشار الأسد لحضور القمة العربية في جدة، حيث شكل حضور الأسد مفاجأة مذهلة لكل من الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني.

رابعاً: الحد من النفوذ الصيني في السعودية وفي عموم دول المنطقة، إذا أن عقد مؤتمر في جدة بحضور الرئيس الصيني ورؤساء عرب، بهدف تطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الصين، خلق أزمة استراتيجية للولايات المتحدة، بحكم المخرجات المتتالية لهذا النفوذ الذي أثمر عن توقيع "الاتفاق السعودي – الإيراني" وما نجم عنه من تحولات في المنطقة.

ما تقدم لا يعني أن السعودية انتقلت إلى تحالف آخر، بل إنها في خطواتها سالفة الذكر أرادت أن توصل رسالة للإدارة الأمريكية، بأن خياراتها متعددة، وأنها تسعى لأن تكون حليفاً وليس مجرد تابع للسياسات الأمريكية، بعد مسلسل الإهانات الذي تعرضت له في عهد كل من الرئيس ترامب، والرئيس بايدن، الذي سبق وأن تتعهد بتحويلها إلى دولة منبوذة، ناهيك السعودية تسعى من كل ما تقدم، لأن تشكل محوراً عربياً من منظورها الاقتصادي والجيوسياسي - وليس من منظور التحرر الوطني أو من منظور المشروع النهضوي العربي - موازي للمحور التركي وللمحور الإيراني.