ذكرى النّكبَة تطُلّ

حجم الخط
لتُذَكّرنا بحالة العجز والوهَن والتّخاذُل، لرسم وصمَة العار على جبهاتنا المُمَرَّغة بوَحَل الصّمت المُريب المشبُوه ، تطُلّ علينا الذِّكرى الرّابعة والستُّون للنّكبة ، نكبة شعبٍ فَقَدَ وطنه ونكبة أدعياء للنّضال تفتَضِحهُم الوقائِع وتُكذِّب نهيقُهُم دماء تجرِي كالأنهار تخُطّ في مسارها أعظم الملاحِم تعجز الفضائِيّات وفضاءات الإفتراض اللاّماديّة عن تخلِيدِها ، شعبٌ تُهدم منازله من عصابات شُذّاذ الآفاق فيُقيم خيمته إلى جانِب الحُطام ويستكمِل مساره ، نكبةٌ لم يشهد التّارِيخ مثلاً لها إذا ما إستثنينا جرائِم الإبادة الوحشِيّة المُــمَــنْــهَــجة المشهُودة في القارّة الأمريكِيّة من قِبَل أتباع أنبِياء الليبرالِيّة وأحفادهم في إفريقِيا عبر العبَث بالبُــنَــى الدّيمُغرافِيّة. تعُود ذِكرى نكبة العَصْر هذِه السّنة مرفُوقَة بِسيرُورة نِضالٍ غير مُتقطِّعَة كأجزاء هذا الوطن السّليب المُستلب داخِلِيًّا وخارجِيًّا ، تطُلّ بمعركَة السِّلاحُ فيها أمعاءًا أرادها أصحابُها خاوِيَةً في مُقايضة لا يقوى عليها الأغبِيَاء من دُعاة حلّ الدّولتَيْن : الموت مُقابِل الحياة ! المشهد ما بعد نكبَة 1948 وما قبلها نكباتٍ وما بعدها أشَدّ قاتِمٍ تتداخلُ الخُيُوط فيه وتثقُل موازِين القُوَى أو تخِفّ بإرتِباطٍ مع ترتيباتٍ تُخاطُ من آل أبي لهب الهاشمِيّ في الأُردُن إلى آل المخازِن القروِسطِيّة في المغرب كُلٌّ وكِيلٌ لإدارة من إدارات المافِيا وفيما بينهُمَا صحارِي إمارات الخلِيج وخدمٌ مُزوجِي الإختِصاص الولاء لديهُم مُقَسَّمٌ بين البيت الأبيَض الدّموِيّ وطهران اللاّحَضَارة أُتِيَ بِهِم عبر أطنان الحدِيد في دبّاباتٍ بعضُ سائِقِيها من بنِي صهيُون : إنّها النّكبَة ! نكبَة فلسطِين التي أتَتْ للخارطة بمولُودٍ لقيطٍ هجِينٍ لعبَت فيه عصابته دور الكلبة الحارِسَة للإمبريالِيّة غيّرَت زوايَا مركزِيّة في التّوازُنات الإستراتِيجِيّة والجيوإستراتيجِيّة في عُمُوم المنطقة وطَفَت للسّطح مُصطلحات دُوَل الطّوق والشّرق الأدنَى المُستبَاح والهِلاَل الخَصِيب ومُبادرة الشّرق الأوسَط الكبِير وضاع ما بين النّهر والبَحْر إذ بقِي عُواءًا ليسَ إلاّ وشعاراتٍ فضفاضَة لدَى أشباه السّاسَة ضِخام البُطُون المُستكرشة في مُقابلها فصائِل العمل الثّورِيّ التحرُّرِيّ تقعُ قصدِيًّا حينًا وبِــعمى التّقدِير حينًا آخَر فريسة تضارُب التّعبِيرات الإستخبارِيّة للحُكّام بالوكالَة في بغداد ودمشق والرّياض والقاهِرة ويتشرّبُ بعضُهُم ببقايا الليبرالِيّة المدحُورة المقبُورة وتُلقَى البُندُقِيّة وتنقُلُ لنا الشّاشات مشاهد قوافِل النّازِحِين ونسوةٌ يركبن حمِيرًا لجلب المِياه في النّهر البارد وشاتيلا واليرمُوك وأغطية للعراء لا للبشر عند الحُدُود المُصطنعة للهارِبِين من جحِيم بهائِم الC.I.A ضُبّاط دولة ما بعد المشنُوق في العراق الذّبِيح لتعُود لنا بعد أسبُوعيْن من رايات الأُمَمِيّة المرفُوعة في اليوم العالمِيّ للعُمّال ولا حقّ إلاّ لشُّيُوعيِّين إقامة ذِكراه ذِكرَى تُحِيلنا لما نحن عليه فِعْلِيًّا : إنّها النّكبَة ! من 1948 تعزّزَت دعائِــم شُذّاذ الآفاق المُستوردِين من أقاصِي الأرض أكثر من نصفهم لا ديانة لهُ ونِصفُ النّصف من المغضُوب عليهم ورُبع الرُّبْع جاؤُوا لتنفِيذ مُقرّرات ما وراء الأطلسِيّ وما خلفهُ ليتمكّنُوا من تنظِيم طابُورٍ أشدّ رداءةً هُو الخامِس تحوّلت مُكوِّناته لِأبواقٍ مُهترِئة تُراوِح بين بثِّ الوهن والتّروِيج لللاّمعقُول التّفرِيطِيّ عبر التّشادُق بالعقلانِيّة وبين التّهرِيج بإسم الدِّيمُقراطِيّة المزعُومة والحُريّة المقرُونة بالخُضُوع ولا تزال بقيّةٌ رَوْثٍ منهُم يُكرّر مُسَمَّى الليبرالِيّة ولِــمَ لا الدّولتَيْن ولما لا التّطبِيع مع المُجرِمِين تخرسُ أصواتهُم متى هبّت جحافِل الرّبِيع العربِيّ وهُو بالفعل ربيع القطع مع النّهب نُقطة إنطلاقته الإطاحة بضمانات الكيان الصّهيُونِيّ ونهايتُه نتلقَّى باكُوراتها من حراك وُول ستريت ، وبين هذا وذاك الميركافا والأباتشِي تنفُخُ سمُومها ولا تحقِيق في الفُسفُور الأبيَض وبهائِم العرب قالُوا الحلّ الأمثَل هُو أرضٌ يُقابلها سلام : إنّها النّكبَة ! أمام أنظَار العالم وتحت مِجهَر الوِلايات المُتّحِدة وأذنابها وبإذنٍ من دوائِر تحت مُؤخّرتها يُقتّل نِسوةُ فلسطِين ويُشرّد الملايين في المُخيّمات على أراضٍ يحكُمها مُتَمثِّلِين بِــها عجزُوا عن التّماثُل معها فذاق شعبُ الشّتات الويْلات من أيلُول الأسود لمذابِح صبرا وشاتيلا وبُرج البراجنة وسالت الدِّماء في مُخيّمات سُورِيا ولا تزال بعضُها بِأيادِي تتدّعِي المُقاومة نهارًا لِــتمُدّ الأنامِل ليلاً لمُتعُهِّدِي السّفارات ويُخُوت تُجّار الحُرُوب وبعضُها الآخر سال بالحديد والنّار الصّهيُونِيّة فــفُتِحَت بُطُون الحوامِل وألقِي بالمُسِنِّين في الأودِيَة ويتغوّطُ سَفَلَةُ العرب حلّ الدّولتَيْن وعُمِّيَ إسم الكيان الصّهيُونِيّ ورُفِعت رايته في عواصِم الشّعُوب العربِيّة تحت سِياط القمع المدعُوم من أقطاب الدِّيمُقراطِيّة : إنّها النّكبة ! تعُود علينا الذِّكرَى لتُوقِد فينا نارًا لم تنطفِئ وآلامًا لجُرُوحٍ لا تندمِل عزاؤُنا رُؤُوسًا تُرفع من ملاحِم الأسرَى وأُمّهاتٍ لِــشُهداءٍ كُفِّنُوا بالأخضَر والأبيَضِ والأحمَر وراياتٍ برغم المرارة يحملها البعض وواقعٌ يحتدُّ فيه الصّراع تنتصِر الجماهِير في معارك وأخرَى تلتفُّ فيها قُوى الرّداءة لتُموّه عن جوهر المعارِك بالنّعِيق حول التّأسلُم السّياسِيّ رديف الليبرالِيّة والبلدُ إسمه فلسطِين لا ريبَ فيه ولئِن لفّ التّارِيخُ دورةً فدوراتٌ أُخرى قادِمة تحمِلُ رياحِين مصِير الصّهاينة طعامًا للبحر لنُعزِّي ثكالَى وأرامِل لم يُؤْخَذ بِثأرِهِنّ في ذِكرى النّكبَة !