ثلاثون عاماً على أوسلو: محطات على الطريق إلى الاتفاق

حجم الخط

تبلورت فكرة إقامة "قاعدة ارتكاز"، أو "قاعدة آمنة" على جزء من الأرض الفلسطينية مع ولادة حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة، ومرّت هذه الفكرة، خلال تطوّر النضال الوطني الفلسطيني، بمحطات عديدة، شهدت انتقال هذا النضال من مشروع التحرير إلى مشروع الاستقلال إلى مشروع الحكم الذاتي، في ظل تطورات سياسية معيّنة على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، تركت تأثيرها على موازين القوى بين هذه الحركة وبين إسرائيل الصهيونية وداعميها الدوليين.

من مشروع التحرير إلى مشروع الاستقلال

ولدت حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة، التي طمحت إلى تحرير فلسطين وإعادة اللاجئين الفلسطينيين إليها، في سياق دولي تميّز بتصاعد نضالات حركات التحرر الوطني المناهضة للاستعمار فيما كان يُعرف بالعالم الثالث وباحتدام الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية، من جهة، والاتحاد السوفياتي، من جهة ثانية. وباستلهامها النموذج الجزائري، تصوّرت هذه الحركة أن المستوطنين اليهود سيعودون، بعد تحرير فلسطين، إلى "أوطانهم" التي قدموا منها. وكانت حركة "فتح" قد طرحت، منذ مطلع ستينيات القرن العشرين، فكرة فرض السيادة الفلسطينية على الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث يقوم على هذا الجزء من الأرض الفلسطينية "كيان ثوري" يشكّل "قاعدة ارتكاز"، أو "قاعدة آمنة"، لانطلاق العمل الفدائي الذي يتطوّر، مع الوقت إلى حرب عصابات ثم إلى حرب تحرير شعبية طويلة المدى، يشكّل الفلسطينيون طليعتها والجماهير العربية عمادها، وتنتهي بتحرير فلسطين وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين إليها.

عندما بيّن عدوان إسرائيل، في حزيران/يونيو 1967، الخلل الكبير في ميزان القوى بينها وبين الدول العربية المحيطة بفلسطين، والذي كان من نتائجه إقرار مصر والأردن بوجود إسرائيل كأمر واقع، من خلال موافقتهما على قرار مجلس الأمن رقم 242، وتبنيهما شعار "إزالة آثار العدوان"، بمعنى الاكتفاء بتحرير الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل خلال ذلك العدوان، تخلت حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة، التي هيمنت على منظمة التحرير الفلسطينية وراحت تسعى لنيل الاعتراف العربي والدولي بها، عن النموذج الجزائري وطرحت هدف "الدولة الفلسطينية الديمقراطية"، بحيث يتعايش العرب الفلسطينيون، بعد التحرير، مع اليهود الإسرائيليين، بعد تخليهم عن الصهيونية، في دولة ديمقراطية واحدة.

ومع الوقت، وبعد إخفاق محاولات إقامة "قاعدة ارتكاز" في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، تشكّل منطلقاً لخوض الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال في هذه الأراضي، ومن ثم انهيار "قاعدة ارتكاز" الكفاح المسلح التي مثّلتها القواعد الفدائية على الضفة الشرقية لنهر الأردن وانتقال هذه القواعد إلى لبنان، تمّ التوجّه نحو تبني نهج المرحلية في النضال، وهو النهج الذي تكرّس في ضوء النتائج التي ترتبت على الحرب العربية-الإسرائيلية في تشرين الأول/أكتوبر 1973، والتي طرحت تقرير مستقبل المناطق الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في سنة 1967، ولا سيما الضفة الغربية لنهر الأردن، على بساط البحث، وجعلت حركة المقاومة الفلسطينية، التي تعمق تحالفها مع الاتحاد السوفياتي ونالت من خلال منظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف العربي بكونها ممثل الشعب الفلسطيني، تنتقل من مشروع التحرير إلى مشروع الاستقلال، وتقبل مبدأ تقسيم فلسطين بين العرب الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين، والمزاوجة بين الكفاح المسلح والنضال السياسي والدبلوماسي.

وهكذا، وعلى إثر انطلاق جهد دولي، في مناخات انفراج في العلاقات الأميركية-السوفياتية، للتوصّل إلى حل سياسي للصراع، تبنت حركة المقاومة الفلسطينية، في الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في القاهرة، في حزيران/يونيو 1974، هدف إقامة "سلطة الشعب الوطنية المستقلة" على أي جزء من هذه المناطق يتم تحريره، وأكدت، بعد سجالات حامية، أن هذه السلطة، التي ستناضل منظمة التحرير بجميع الوسائل، وعلى "رأسها الكفاح المسلح"، من أجل قيامها، ستكون "مقاتلة"، بما يضمن أن تكون أي خطوة تحريرية "حلقة لمتابعة تحقيق استراتيجية منظمة التحرير في إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية". بيد أنه، وبعد مضي أقل من ثلاث سنوات، غاب عن قرارات الدورة الثالثة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، في آذار/مارس 1977، هدف "الدولة الفلسطينية الديمقراطية"، واستعيض عن "السلطة الوطنية" بـ "الدولة الفلسطينية المستقلة"، لكن من دون تحديد حدود هذه الدولة، وذلك كله في مرحلة شهدت انتقال حركة المقاومة الفلسطينية من الهجوم إلى الدفاع في ظل تفجر الحرب الأهلية في البلد الذي جعلته حركة المقاومة الفلسطينية "قاعدة ارتكاز" جديدة لها، وتوجّه الدولة العربية الكبرى نحو حل منفرد مع إسرائيل.

تحديد حدود الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة

مع إبرام مصر وإسرائيل اتفاقيتَي كامب ديفيد، في أيلول/سبتمبر 1978، وتراجع مشروع التوصّل إلى حل شامل للصراع عن طريق المفاوضات، برزت لأول مرة فكرة الحكم الذاتي لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة خلال مرحلة انتقالية تمتد على مدى خمس سنوات، تجري بعدها مفاوضات لتحديد الوضع النهائي للضفة الغربية وغزة.

وبينما كانت المناخات الدولية تتحوّل من الانفراج إلى المواجهة، ويشتد الحصار الإسرائيلي المفروض على حركة المقاومة الفلسطينية في لبنان، صارت هذه الحركة تتحوّل، بفعل الموارد المالية الكبيرة التي امتلكتها ولا سيما من الدول الخليجية، من حركة مقاتلين يقومون، عبر تسلل مجموعاتهم الصغيرة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعمليات فدائية، إلى حركة تمتلك "جيشاً نظامياً"، يتوزع أفراده على وحدات تخضع لنظام الرتب، ويخوض، في الأساس، حرب مواقع بالاعتماد على أسلحته الثقيلة، وخصوصاً المدفعية والصواريخ، وتتحوّل، على الصعيد الاجتماعي، إلى جهاز "حكومي" بيروقراطي، وإلى جهاز للرعاية الاجتماعية والطبية، يضم الآلاف من العاملين على قاعدة نظام "التفرغ" ويتمتع القائمون عليه بامتيازات مادية عديدة.

نجح العدوان الإسرائيلي الواسع على لبنان في صيف سنة 1982 في إخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وفي تصفية "قاعدة الارتكاز" التي أقامتها في هذا البلد ومكّنتها من حرية التحرك العسكري ومن المناورة السياسية وحتى من التفكير، ربما، بأن تقايض "الدولة داخل الدولة" التي أقامتها فيه بدولة فلسطينية مستقلة فوق الأرض الفلسطينية. وبينما تسببت هزيمتها العسكرية في لبنان في تركيزها، أكثر بكثير من السابق، على النضال السياسي، وفي اعتبار أن مركز ثقل نضالها قد انتقل من "الخارج" إلى "الداخل"، أعاد الرئيس الأميركي رونالد ريغان، في المشروع السياسي الذي طرحه في مطلع أيلول/سبتمبر 1982، إحياء فكرة قيام "حكم ذاتي من جانب الفلسطينيين للضفة الغربية وقطاع غزة يكون مرتبطاً بالأردن"، وبما "يوفّر أفضل فرصة لسلام دائم وعادل وثابت".

بيد أن فشل خطة التحرك السياسي المشترك مع الحكومة الأردنية، واندلاع الانتفاضة الفلسطينية في كانون الأول/ديسمبر 1987، وتخلي الأردن عن مسؤولياته السياسية والإدارية إزاء الضفة الغربية، وعودة مناخات انفراج دولي، في ظل "البيروسترويكا" و "التفكير السياسي الجديد"، دفع الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، في تشرين الثاني/نوفمبر 1988، إلى تحديد حدود الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة في حدود الرابع من حزيران 1967، والإقرار بوجود إسرائيل كأمر واقع من خلال اعتراف منظمة التحرير بقراري مجلس الأمن رقم 242 و 338، على أن تشارك منظمة التحرير بصورة مستقلة في الجهود الدولية للتوصل إلى حل سياسي للصراع.

الرهان على أن يفضي الحكم الذاتي إلى الاستقلال

لم تحقق الانتفاضة الفلسطينية الآمال التي عُلقت عليها، فوجدت منظمة التحرير، التي واجهت منافسة شديدة من حركات المقاومة الإسلامية، في فكرة الربط بين "أزمة الخليج" و "أزمة الشرق الأوسط" التي تبناها النظام العراقي بعد احتلاله الكويت "مخرجاً" من المأزق السياسي الذي جابهته، لكن خيارها هذا أدى، بعد هزيمة النظام العراقي، إلى تعميق مأزقها، بدلاً من إخراجها منه، وجعلها تواجه حالة حصار سياسي ومالي لا سابق لها، فاقمها الجهاز العسكري والمدني المتضخم الذي بنته عندما كانت في لبنان وباتت تنوء تحت ثقله.

ولدى قيام إدارة الرئيس جورج بوش الأب بطرح فكرة عقد مؤتمر دولي للسلام، عقب خروج العراق من جبهة المواجهة مع إسرائيل وانهيار جدار برلين وتفكك "المنظومة الاشتراكية"، بدأ مسلسل التنازلات الذي أقدمت عليه قيادة منظمة التحرير، وذلك عندما وافقت تلك القيادة على التخلي عن التمثيل المستقل لمنظمة التحرير في "مؤتمر مدريد"، الذي افتتح أعماله في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 1991، والمشاركة فيه من خلال ممثلين عن سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، باستثناء القدس الشرقية، ضمن وفد أردني فلسطيني مشترك، وعلى أن يعقد ذلك المؤتمر على أساس قرارَي مجلس الأمن رقم 242 و 338 فقط، من دون أي إشارة إلى قرارات الشرعية الدولية الأخرى وخصوصاً القرار 181 والقرار 194، كما وافقت لأول مرة في وثيقة رسمية فلسطينية، وتحديداً في البيان الذي أصدرته الدورة العشرون للمجلس الوطني الفلسطيني في أيلول/سبتمبر 1991، على فكرة الاتفاق على "ترتيبات انتقالية" على طريق ضمان حق الشعب الفلسطيني في السيادة على الأرض والموارد والشؤون السياسية والاقتصادية.

وقد أصبح شغل قيادة منظمة التحرير الشاغل، بعد أن خرجت ضعيفة من "أزمة الخليج" وتخلت في مدريد عن تمثيلها المستقل، وفقدت حليفها الدولي الرئيسي متمثّلاً في الاتحاد السوفياتي، هو كيف تضمن وجودها ودورها السياسيين، وتحول دون أن يتكرس دور ممثلي سكان الضفة الغربية وقطاع غزة في المفاوضات مع إسرائيل التي انطلقت في واشنطن بعد اختتام مؤتمر مدريد، علماً بأن هؤلاء الممثلين كانوا من الوطنيين المتجاوبين مع توجهات قيادة منظمة التحرير والمقرين بكونها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وقد استغلت قيادة منظمة التحرير تعثر وفد هؤلاء الممثلين في مفاوضات واشنطن، جراء التعنت الإسرائيلي وتواطؤ إدارة الرئيس بيل كلينتون مع هذا التعنت، كي تفتح قناة سرية للتفاوض مع إسرائيل في أوسلو، راحت ترى فيها الخيار الوحيد بعد أن تغيّرت صفة مفاوضي الوفد الإسرائيلي من أكاديميين إلى مسؤولين حكوميين.

وفي أوسلو، حيث ساد التفاؤل بإمكانية حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي المزمن، بعد أن أعيد توحيد ألمانيا، وأُطلق سراح نيلسون مانديلا وتمت تصفية نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وقعت قيادة منظمة التحرير في سوء تقدير، من جهة، وراهنت على رهان لم تتوفر شروط تحققه، من جهة أخرى.

فقد تمثّل سوء التقدير في كونها لم تدرك خلفية قبول حكومة يتسحاق رابين الاعتراف بها والتفاوض معها؛ فهي، التي وصفتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مدى العقود الفائتة بـأنها منظمة "إرهابية" ورفضت التفاوض معها، قدّرت أن موافقة حكومة رابين-بيريز على الاعتراف بها كممثل للشعب الفلسطيني وقبولها التفاوض معها ينطويان على موافقه هذه الحكومة على حقوق وطنية فلسطينية، بما في ذلك الحق في الاستقلال، ولم تعِ أن حكومة رابين، التي لم تعد تتحمل تبعات الإشراف على شؤون سكان المناطق الفلسطينية المحتلة وتكاليفه، اعترفت بمنظمة ضعيفة غير المنظمة التي حاربتها إسرائيل خلال العقود الفائتة، وأرادت أن تلقي على عاتق هذه المنظمة، من خلال حكم ذاتي للسكان من دون الأرض، مسؤوليات الإشراف على شؤون هؤلاء السكان، والمشاركة في ضمان أمن المستوطنين الإسرائيليين في هذه المناطق.

أما الرهان الذي لم تتوفر شروط تحققه، فقد تمثّل في الاعتقاد بأن إسرائيل ستنسحب، خلال سنوات المرحلة الانتقالية الخمس، من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما يمكّن السلطة الوطنية من فرض سيادتها بصورة تدريجية على الأراضي التي سينسحب منها جيش الاحتلال، وبما ينقل الحكم الذاتي، في نهاية المطاف، إلى دولة فلسطينية مستقلة. أما لماذا لم تتوفر شروط تحقق هذا الرهان، فذلك لأن السلطة الوطنية الفلسطينية لم تتمتع، بحسب الاتفاق، بأي حق في السيادة على الأرض، ولم تتمسك قيادة منظمة التحرير بالهدف الذي تمسك به وفد الممثلين الوطنيين في واشنطن، وهو بحث مصير الاستيطان الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة والبدء بخطوة تجميده، بل وافقت على تأجيل بحث قضية الاستيطان ونقلتها إلى مفاوضات قضايا الوضع النهائي، بحيث ازداد عدد المستوطنين في الضفة الغربية، كما تشير التقديرات من 120 ألف مستوطن في سنة 1993 إلى أكثر من 200 ألف مستوطن عند اندلاع الانتفاضة الثانية، فضلاً عن وجود نحو 200 ألف مستوطن في القدس الشرقية المحتلة.

ولم يقتصر الأمر على كل هذه الالتباسات في الموقف الرسمي الفلسطيني، بل أقدمت قيادة منظمة التحرير على تقديم تنازلات أخرى، بفعل ضغوطات الوسيط النرويجي الذي كان يريد إنجاح مفاوضات أوسلو بأي ثمن. وهو ما بيّنته الباحثة النرويجية هيلدا هنريكس واج التي نشرت تقريراً يوضح دور النرويج في تلك المفاوضات؛ وفيه أكدت أن النرويج لعبت دور السمسار لصالح إسرائيل، وأن بلادها لم تكن حيادية، ولم تراعِ مصالح الجانب الضعيف المتمثل في منظمة التحرير الفلسطينية. فالفريق النرويجي، برئاسة وزير الخارجية يوهان يورغن هوست، لم يمارس أي ضغط على الإسرائيليين بل مارس ضغوطاً كبيرة على الجانب الفلسطيني وسعى إلى تليين مواقفه، ونجح في تغيير بعض مواقف الرئيس ياسر عرفات في تونس.

ويبدو أن هذه الضغوط ساهمت في دفع الفريق الفلسطيني المفاوض إلى التخلي عن دعوته إلى أن يكون هناك "تحكيم دولي إلزامي" في حال الاختلاف على تنفيذ بعض بنود الاتفاق، بما يسمح للمجتمع الدولي بالتدخل على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، وإلى قبول المقترح الإسرائيلي الذي يقضي بأن يتم حل النزاعات بواسطة التفاوض بين الطرفين واللجوء إلى لجنة تحكيم يشكلها الطرفان. كما من المحتمل أن تكون هذه الضغوط هي التي جعلت رسالتَي "الاعتراف المتبادل" بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية تفتقدان التناسب وتظهران الخلل الكبير في ميزان القوى بين الطرفين؛ فبينما اعترف ياسر عرفات، في الرسالة التي أرسلها إلى يتسحاق رابين في 9 أيلول/سبتمبر 1993، بحق إسرائيل في الوجود بأمن وسلام، وتعهد بنبذ "الإرهاب" وووعد بإلغاء كل بنود "الميثاق الوطني الفلسطيني" التي تتناقض مع الاعتراف بوجود إسرائيل، وهو ما تحقق بعد سنوات خلال اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني في مدينة غزة، لم يعترف يتسحاق رابين في رسالته إلى ياسر عرفات، في 10 من الشهر نفسه، سوى بوجود شعب فلسطيني وبمنظمة التحرير بصفتها ممثلاً له، لكن من دون أن تتضمن رسالته الاعتراف بأي حقوق وطنية لهذا الشعب على أرض وطنه.

خاتمة

لقد مضى ثلاثون عاماً على تلك "المصافحة التاريخية" التي شهدتها حديقة البيت الأبيض في واشنطن، والتي توقع منها العالم أن تكون فاتحة المصالحة والسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ وبغض النظر عن بعض المكاسب التي وفرّها "اتفاق أوسلو" للفلسطينيين، وخصوصاً عودة عشرات الآلاف منهم مع عائلاتهم إلى أرض وطنهم، فإن مضامينه، التي فرضها الخلل الكبير في موازين القوى بين طرفيه، لم تكن تزكي منطق القيادة الفلسطينية الذي راهن على أن يفتح ذلك الاتفاق أفق تجميع مقومات السيادة الفلسطينية على الأرض بصورة تدريجية وصولاً إلى الاستقلال، بل كانت تزكي مخطط القيادة الإسرائيلية الهادف إلى إعادة هيكلة نظام الاحتلال والتحرر من تكاليفه؛ تلك التكاليف التي بات من الممكن توظيفها في مشاريع توسيع المستوطنات وزيادة عددها وتسريع عمليات تهويد مدينة القدس المحتلة.

مراجع:

الشريف، ماهر. "المشروع الوطني الفلسطيني: تطوّره، ومأزقه ومصائره". مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2021.

Gresh, Alain. “Pourquoi les accords d'Oslo ont-ils échoué”, Les blogs du Diplo, 22 octobre 2007.

Salingue, Julien. “Oslo, 20 ans après: il n'y a jamais eu de processus de paix”, 12 septembre 2013.

Waage, Hilde Henriksen. “Le rôle de la Norvège dans les pourparlers sur le Moyen-Orient”. Revue d'études palestiniennes, n. 97, automne 2005.

* باحث ومؤرخ - مؤسسة الدراسات الفلسطينية - بيروت