المخيمات الفلسطينية في سوريا: وسط فوهات البنادق...

حجم الخط
في غالبية الأحداث السياسية التي تعيشها أو عاشتها العديد من بلدانا العربية، يكون مطلوبا من الفلسطينيين تسديد فاتورة الانتماء للقضية الوطنية التحررية، فالترابط بين هذه القضية والواقع العربي ومجرياته المختلفة هو ترابط موضوعي لا يخضع للرغبات... وأحيانا يرافق بعضها ممارسات يصعب تفسيرها اتجاه أبناءها وليس فقط اتجاه القضية، فعلى سبيل المثال، ما ذنب عشرات الألوف من الفلسطينيين أو أكثر حتى يرحلوا من بلد معين كاحتجاج على موقف سياسي معين أيضا، وحقيقية الأمر ليست كذلك. في سياق متصل، إن ما يجري في سوريا لن يكون في مصلحة النضال الفلسطيني التحرري، لأن إضعاف وتحطيم أي قطر عربي هو إضعاف لعوامل دعم هذا النضال.. من حقنا أن نتساءل: ما علاقة "الديمقراطية" بتدمير حلب التي تشكل شريان الحياة الاقتصادية لسوريا، وما علاقة "الديمقراطية" بتدمير أحياء دمشق القديمة بكل ما تحمله من تاريخ وحضارة. ماذا بعد معركة حلب، حماة، حمص وريف دمشق... فالأمر كما يبدو ليس له علاقة بـ"الديمقراطية" وغيرها من شعارات تضليلية أو تمويهية.. الخ. على هامش هذه القضية الأساسية بات يلاحظ تطور في أساليب ومقاصد استهداف الفلسطينيين المقيمين في سوريا، واتخاذها منحى خطيرا، كانت المحطة الأبرز هو قصف مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بثلاثة قذائف يوم 02/08/2012 في موعد الإفطار، مما تسبب بسقوط 22 شهيد وأكثر من 65 جريح. لم تكن هذه الواقعة عفوية أو عشوائية لأن الفلسطينيين موجودون موضوعيا وسط البنادق المتقاتلة، بل إنها مجزرة مقصودة، لم تكن الخاتمة ولم تكن الوحيدة، حيث سبقها بعدة أسابيع عملية الاغتيال البشعة لسبعة عشر عسكريا مجندا من جيش التحرير الفلسطيني المتواجد في سوريا.. هؤلاء الشباب كانوا في إجازة ذاهبين إلى ذويهم في مخيم النيرب في منطقة حلب.. وجرى التنكيل بأجسادهم، وهو أسلوب يطبع مسلك بعض المجموعات الحاقدة والمتعطشة للدماء التي تعمل في أكثر من مكان بالمنطقة العربية، وقبلهم جرى اغتيال خمسة من قادة جيش التحرير أيضا، وتفيد بعض المصادر المعنية أن عدد الفلسطينيين الذين جرى تصفيتهم في سوريا في إطار الصراع الجنوني قد تجاوز الـ150 شخصا، موزعين من مخيم الرمل في أقصى الشمال باللاذقية إلى مخيم درعا في أقصى جنوب سوريا وما بينهما.. لماذا هذه التصفيات، لماذا مجزرة مخيم اليرموك ولمصلحة من، من وراءها وما هو الهدف، هل هو الرد على موقف الحياد من القتال الداخلي والذي أعادت الفصائل الفلسطينية التأكيد عليه قبل وبعد واقعة المخيم، لكنها سطرت بوضوح رفضها للتدخل الخارجي، إن المعضلة الأساسية تكمن الآن في معاناة الشعب السوري وفي الشيء المقلق الذي تعيشه سوريا.. وللمساهمة في توضيح ما يحصل بالجانب الفلسطيني نسجل النقاط التالية، أولا، يبلغ تعداد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا أكثر من نصف مليون لاجئ، موزعون على عشرة مخيمات، أكبرها مخيم اليرموك الذي يتجاوز عدد سكانه135 ألف نسمة، وهو يتبع جغرافيا وإداريا لمحافظة ريف دمشق، محاط أو متداخل وأحيانا بدون فواصل مع العديد من التجمعات والأحياء السكانية السورية، مثل حي التضامن، حي التقدم، الحجر الأسود، التي تعتبر من المناطق المكتظة سكانيا وبعضها قريب من حزام البؤس بالمعنى الاقتصادي. يعود بناء المخيمات الفلسطينية في سوريا إلى فترة النكبة في عام 1948 ويشكل مجموع الفلسطينيين المقيمين 02% من سكانها، هذا التجمع السكاني مثل غيره في مناطق اللجوء والشتات الإجباري هم جزء من القضية الوطنية التحررية، كان وجودهم ولا يزال في هذا البلد أو في ذاك مؤقتا على أمل العودة إلى فلسطين، لقد تم رفض كافة محاولات التوطين في المراحل المختلفة، التي بدأتها الإدارة الأمريكية في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، حيث عرضت على سوريا 400 مليون دولار مقابل توطين الفلسطينيين، وقبل الرئيس السوري في حينها حسني الزعيم هذا العرض "في عام 1952" لكنه لم يعمر طويلا حيث تمت الإطاحة به، بالتالي طوي هذا الملف نتيجة للرفض الفلسطيني الشامل. ثانيا، يصعب الحديث المحدد عن الجهة التي قصفت المخيم.. ويصعب أيضا تبني المواقف المسبقة والجاهزة التي صدرت فورا حتى قبل معرفة عدد الشهداء وقبل نقل الجرحى للمشافي، كالقول أن النظام هو من فعل ذلك.. وأيضا لا يمكن إلصاقها بالمعارضة بالجملة.. هذا لا يعني الدفاع عن مواقف هذا الطرف أو ذاك المتصلة بالقتال الداخلي، لكن بالمقابل يتوجب الدفاع عن المواقف السياسية وغيرها التي تدعم القشية الوطنية ونضالنا التحرري، أو التي تكون مناهضة للسياسات الامبريالية والصهيونية المعادية لمصالح شعوبنا.. في الوقت ذاته لا بد من المجاهرة بالموقف الرافض للتدخل الخارجي الذي تقوده الإدارة الأمريكية وحلفاءها، وينفذ خطواته توابعها في المنطقة، فلا يعقل أن يكون هذا الدعم الخارجي اللا محدود حبا في عيون المعارضة أو حبا في الشعب السوري أو في الديمقراطية غير المسموح بها في السعودية وقطر، إنهم ببساطة يريدون أخذ سوريا بعد تدميرها كمؤسسات، جيش وجامعات...الخ إلى مربع السياسة الأمريكية. في الواقعة المحددة، مجزرة اليرموك، بالتالي جميع عمليات الاغتيال للكوادر الفلسطينية، هناك مؤشرات غير مباشرة نحو الجهة المسؤولة عنها، على غرار ما تضمنه البيان الذي صدر عن الفصائل حول الحادثة، الذي طالب "بعض الجهات التوقف عن العبث بأمن شعبنا وسلامته وأمن مخيماته من خلال عمليات تجييش عبثية لن تحمل إلا المزيد من الويلات على شعبنا، ولن تسهم إلا في إضعاف وحدة مجتمعة ومتماسكة.." وكذلك التصريح الذي صدر عن مدير الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية في دمشق لوكالة "معا" الفلسطينية يوم 3/8/2012 في ذات السياق قال أن الحادثة "نتيجة قيام أحمد جبريل بتسليح بعض رجال المخيم بدواعي حماية الفلسطينيين". بالرغم من أن الجهة التي كررت عمليات الاغتيال للعديد من الفلسطينيين لا تحتاج إلى مبررات، إلا أن تلك الإشارات الفلسطينية الصادرة من موقع الحدث تسعى إلى نزع أية ذرائع، ومن الجانب الآخر التأكيد على الموقف الفلسطيني الموحد والمحايد من الصراع الداخلي. ثالثا، مع بداية الأزمة السورية وحتى اللحظة هناك محاولات مستمرة من قبل بعض الأطراف للدفع بالمخيمات من أجل الانغماس في المعادلة الداخلية، للانحياز لصالح طرف ضد آخر.. أو على الأقل تهييج شارع المخيمات للتمرد، ومن ثم صناعة التداعيات المرتبطة بهذه الخطوة في حالة نجاحها. إن "القضية" السورية، وكما تؤشر التطورات الميدانية والحراك السياسي الدولي، لم تعد مقتصرة على طرفي المعادلة الداخلية: النظام من جهة والمعارضة من جهة أخرى، بل تم تجاوز ذلك بحث يمكن القول أن دور وتأثير العامل الخارجي بات مقررا ومحركا رئيسيا للمعارضة. السؤال المحوري الآن: سوريا إلى أين، لأن سوريا فوق الجميع وأهم من الجميع، ماذا يريدون منها، لماذا لا يتركون الشعب السوري وشأنه، ليقرر مصيره بنفسه، ليحدد طبيعة نظامه السياسي وينتخب رئيسه بانتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية، أم أن الأمريكان وتوابعهم يريدون سوريا دولة محطمة، مكسرة وضعيفة.. ومن ثم تكون تابعة خاضعة لشروطهم. أمّا من يضخ الأموال والأسلحة من أجل إدامة وتسعير القتال الداخلي بأفق الرؤية الأمريكية ومشروعها فإن لهم حسبة خاصة أيضا، يكون ملخصها السعي لتصدير أزمتهم البنيوية العميقة للخارج، ومن ثم تشكيل رأي عام محلي يتابع "الإنجازات الديمقراطية لحكوماتهم في الخارج ومساعدة الشعوب العربية لاستحضار هذه الديمقراطية". هذا التصدير للأزمة الذاتية بهذه الأساليب وبالتبعية للدوائر الاستعمارية، من أجل تطويقها لمنع الانفجار، لكنها ممارسات لن تخفي المستور وسيطولهم لهيب الحراك الشعبي، هذا ما أكدته دروس العام الأخير، التي بدأت من تونس ولا زالت مستمرة. ----------- * ممثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الجزائر